إلى متى تواجهُ كلّ هذا النقدِ الذي ينالك يوميا ولا تأبه؟ تتنزّل عليك أقسى الأحكام وأطرفُ النكات وألدغُ العبارات وأنت ماضِ في طريقِك تؤدي المهمّة ولا تهتم. في كل موقع خبرٌ عنك يومياً ينزلُ، وأسفلَ كلّ خبر ٍيطلع تعليقٌ شاتمٌ أو شامتٌ أو منتقدٌ أو محتجّ أو ساخر، وما أكثرَ الساخرين! لو كان رجلٌ آخرُ غيرك في ذاتِ مهمّتك وانهال كل هذا النقدِ عليه لانهارَ، وأنت عصيٌّ على الانهيار. ألا صبراً رئيسَ الحكومة، بعد كم شهرٍ، ويومَ تخرجُ من الحكومة مُقالا أو مستقيلا، سيدركُ الشاتمون الآن والشامتون والمنتقدون والمحتجون والساخرون أنهم في حقك أخطأوا، وأنك لم تكنْ في الحقيقة رئيس حكومةٍ فاشلاً كما كانوا يظّنون، وحتماً سيعتذرون. سنعتذرُ لك جميعاً يا رئيسَ الحكومة يومَ نكتشفُ أنك لم تكن كما تصوّرْنا زعيماً انتهازياً امتطى متأخراً شعارَ "الشعب يريد إسقاطَ الفسادِ" ليحطّ به آمناً على رأس الحكومة فلم يُسقط فساداً، إذ سنفهمُ بعد فواتِ الأوانِ أنك اندفعتَ وسط العاصفة تتلقفُ هذا الشعارَ لتمنع البلادَ من الانزلاق. لقد أتيتَ إذ أوتيَ بك لا لتطبّق هذا الهتافَ العفويّ النقيّ، بل لتصونَ نقاءه ولا يتدنّس، ولقد نجحتَ. فكم من بلادٍ تشبهنا لم تجدْ إبّانَ عاصفةٍ رجلاً يشبهك فانزلقَتْ، لم تجدْ زعيماً نقيّاً جريئاً مغامراً ينتصبُ من قاع الشعب متطوّعا لامتصاص العاصفةِ مثلك، فتحوّل فيها الشعبُ من شعبٍ يريد إسقاط فسادٍ أو ظلمٍ أو جوعٍ أو قهرٍ أو استبداد... إلى شعبٍ يريد إسقاط النظام ويقتلُ بعضُه بعضَه. شكراً لأنك بيننا، وكنتَ فينا ذاك الرجلَ النقيّ الجريء المتطوّع المغامرَ باسمه وحزبه ومرجعيته من أجلنا، فأنتَ لم تنتصبْ لتحقّق بالضرورة ما نريد، بل انتصبتَ كي لا يتحقق ما لا نريد... ولقد نجحتَ. سنعتذرُ لك يا رئيسَ الحكومةِ عن ألقابٍ بها لقّبناكَ حين رأيناكَ عاجزا أمام الفساد والاستبداد ترتعدُ، فسمّيناكَ العاجزَ المُضحكَ المتخاذلَ المسكينَ الخائنَ أصواتَ الملايين، ونسيْنا أنك ما خنتَ عهداً ولا خذلتَ شعباً، لأنك لا بأصوات المتظاهرين المطالبين بإسقاط الاستبداد وصلتَ إلى الحكمِ، بل بأصوات الناخبين؛ أولئك الذين ما فكّروا فيما كان يفكّر فيه المتظاهرون، صدقاً، إنهم لم يفكّروا وإلا لكانوا وكنتَ معهم من الغاضبين العازفين عن التصويت. سنعتذرُ لك يا رئيسَ الحكومةِ يوم نُعيدُ قراءةَ هذه الرواية بتأنٍ، وسنفهمُ حينها أن الساردَ فيها أقوى دائماً من البطل وإن بدا البطل خارقاً، وأنّ الاستبدادَ أبداً لا يسقطُ بصناديق الاقتراع وإن بدا الإقتراعُ نزيها.