ليس مستغرَبا أن يقْدُم بعض النقابيين ، أعداء الأمس، على وضع يدهم في يد بعض ، ويخرجوا إلى الشارع للتنديد بالظلم الاجتماعي الذي لحق الطبقة العاملة ، بعدما كانوا إلى الأمس القريب لا يتفقون على شيء ، ولا يجتمعون، لا على حق ولا على باطل ، وكل واحد يغني لِلَيْلاهُ !. وليس مستغربا أن يضع الأموي"بوسبرديلة" يده في يد خصوم الأمس، وينزل إلى الشارع ليرفع عقيرته، التي أسكتتها هدايا وعطايا الراحل البصري، بسبِّ الفساد والمفسدين، ويعود ليطلب من السيد ابن كيران أن يرحل وهو الذي عمَّر في كرسي نقابته "العتيدة جدا" لأزيد مما عمَّر طواغيت العرب الذين أسقطهم الربيع الديموقراطي ! . ولكن المستغرب حقيقة هو أن يقدم لنا السيد الأموي دروسا في النضال، وهو الذي تخلى عن الطبقة العاملة في أوج الصراع مع الباترونا، ووضع يده في يد المخزن بمجرد ما انفتحت عليه الأعطيات. فليس هذا الشخص الهالك نقابيا ، ولا رفيقه/غريمه السيد الحبيب المالكي ، المسؤول السابق عن أزمة التعليم في هذا البلد ، من سيوقظ المغاربة من سبات السنين، ومن سيفك عنهم طوق الاستبداد ، و"الحكرة"، والفساد .. ؟ !!! أجل..من حقنا أن نتساءل:أين كان السيد الأموي، وأين كان غريمه المالكي يوم هب الشعب المغربي عن بكرة أبيه ليقول :"لا، للاستبداد. لا، "للحكرة".لا، للفساد" ؟ !.أين كان كل هؤلاء يوم استدعاهم الشعب المغربي لمؤازرته ، والخروج في صفوفه؟ !. لماذا يتوحدون اليوم ، والعالم جميعه يشيد بحنكة الشعب المغربي في التعامل مع قضاياه، وحل مشكلاته، بعيدا عن الوصايا، والإملاءات؟ ! لقد كنت ليوم واحد قبل المسيرة، التي سميت زورا بمسيرة الكرامة، من مؤيدي هكذا حراك، وكم تمنيت أن تسهم فيه كل الهيئات، حتى الإسلامية الممثلة في الحكومة.فتتحقق أمنية السيد ابن كيران أن تكون له معارضة قوية .وكنت أقول مع نفسي:" هذه فرصتك أسي ابن كيران لتستقيم، فلا تحسبه شرا لك ،بل هو خير لك . وأنت من تتمنى من الشعب أن يقوِّمك إذا زلَّت قدمك ،أو مالت نفسك شطر الكرسي" !!. نعم، لا يمكن لعاقل، ولا لغيور على هذه الأمة السادرة في الفقر، والعطالة، والجهل، ..إلا أن يبارك هكذا حراك، ويشد بقوة على يدي منظميه . كما لا يمكن لمحب لوطنه وبلده وشعبه، إلا أن يبارك هذا التقارب بين عدوي الأمس؛ فالصلح كله خير !. لكن كل هذه الآمال والأمنيات التي راودتنا عشية هذا الحدث، ولا شك راودت كل منصف عاقل، ما لبثت أن تبخرت مع انطلاق المسيرة ، وارتفاع صوت المكبرات تصدع بالسب والشتم والتخوين ، لشخص رئيس الحكومة، بما يعف اللسان عن ذكره، والقلم عن كتابته، وبما لم ينله رؤساء الحكومات السابقة جميعهم، وهم المسؤولون الحقيقيون عن كل ما آلت إليه أوضاع البلاد والعباد. لتنهار في نفوسنا هذه الهالة التي رافقت قيام هذه المسيرة التي أُرِيد لها أن تكون مسيرة الكرامة، فصارت مسيرة النذالة بامتياز !. فما معنى أن ينصرف منظمو هذه المسيرة عن الهدف النبيل الذي أقيمت من أجله، إلى تصفية حسابات شخصية، وإيدولوجية مع السيد رئيس الحكومة، وحزبه، وحكومته؟ ! . وما معنى أن يُتهم السيد ابن كيران بالعمالة للفرنسيس، والأمريكان، ويطالب بالرحيل على لازمة الشعارات السورية:"ابن كيران ياخسيس وياعميل الفرنسيس، شعب المغرب ماهو رخيص...يالله ارحل ابن كيران" و " يا مخزني يا جبان، ياعميل الميريكان"، والتاريخ شاهد على رؤوس الفساد النقابي والسياسي المنظمين لهذا الكرنفال الشارد، بمشاركاتهم في فعاليات الأممية الاشتراكية جنبا إلى جنب مع ممثلين عن العدو الصهيوني، و عن عصابات البوليزاريو المجرمة؟ !. فأيهما ينطبق عليه هذا الوصف الاستعماري البائد؟ !. نعم، قد نختلف مع السيد ابن كيران في طريقة حكمه للناس، وفي تدبيره للكثير من الملفات القريبة من الشأن اليومي للمغاربة، ولكن أخلاقنا تنآنا أن نَزِلَّ باختلافنا إلى درك السب والشتم والتخوين . فابن كيران –على كل حال- لا زال على فطرته السياسية، ونقائه المالي ، ولم يتورط بعدُ في سرقة الشعب المغربي. والذي سيربحه المغاربة – ولاشك - مع هذه الحكومة، هو نقاء يد وزراء العدالة والتنمية الذي سيدر على خزينة البلاد ملايين الدراهم التي كانت تذهب إلى جيوب الذين يتقدمون اليوم مسيرة البيضاء. فحينما سئل رئيس الحكومة التركي رجاء الطيب أردوخان عن سر القفزة النوعية التي عرفها الاقتصاد التركي أجاب بكلمة واحدة، لكنها معبرة،:" أنا لا أسرق" !!. فخصومُ ابن كيران وإخوانِهِ يعلمون علم الحق، أن هؤلاء لا يسرقون، وأنهم لن يسرقوا أبدا ماداموا في مناصب المسؤولية.لذلك يتوجسون من هذا القادم الذي سيحرمهم، ربما لعقود، من سرقة الشعب التي اعتادوها في مناصب المسؤولية أيام "المشماش".وهم يعلمون أن نجاح هذه الحكومة في القطع مع اقتصاد السرقة والريع ، سيديم بقاءهم على كرسي الحكم لعقود.لذلك أخذوا يتململون هذا التململ-ونحن على أبواب الانتخابات المحلية، والجارة (المانحة !)فرنسا تبني عرش الاشتراكية مع الرئيس الجديد !!- ليوهموا الشعب المغربي ألا شيء تغير ، وأن الحال هو الحال، ولا بد من رحيل هذا الرجل وإخوانه، حتى يعودوا إلى كراسيهم من جديد، ويعيثوا في مال الشعب فسادا، وإتلافا !!.