"سيدة الربيع العربي".. و"بلقيس الثانية".. هكذا ألهمت توكل كرمان، المرأة الحديدية في العالم العربي، معجبيها ومتابعيها من دول الشرق والغرب، بل اكتملت قصة الإعجاب هاته نهاية عام 2011، بحصول توكل على جائزة نوبل للسلام، كأول عربية تفوز بها على مر التاريخ، وكأحد أبرز المدافعات عن حرية الصحافة وحقوق المرأة والإنسان في العالم العربي.. التقينا كرمان توكل، 32 سنة والأم لأربعة أبناء والتي كان لها الأثر الكبير في نجاح الثورة اليمنية التي أزاحت علي عبد الله صالح، عقب زيارتها الأخيرة للمغرب.. حيث كان لنا معها نقاش حواري مُطوّل انطلقنا في بدايته من مبررات الثورة اليمنية وظهور كرمان توكل كصوت نسائي قوي رغم الأعراف والتقاليد التي "تنقّص" من قدر المرأة في بلدان شبه الجزيرة العربية.. لنلمس قليلا نظرة المرأة العربية قبل وبعد ثورات الربيع العربي، قبل أن نعرج على ما أنتجته هاته الثورات من صعود قوي للإسلاميين إلى سدة الحكم، بعدما كانوا إما مقصيين مضطهدين أو ينشطون في المعارضة لسنوات طوال. جلستنا المطولة الهادئة مع امرأة ثورية لم تنهكها الاعتقالات والتهديدات والاعتصامات شبه اليومية، وهي الرئيسة الفعلية لمنظمة صحفيات بلا قيود، لم تسلم من الحديث عن أوضاع سوريا والعالم العربي، قبل أن يستقر بنا النقاش على موقفها من الإصلاحات السياسية بالمغرب ومن المرأة المغربية تحديدا. نص الحوار في "حلقته الأولى": تتزعمين، كامرأة، النضال في مجال حريات التعبير والرأي.. ونلتم على إثر ذلك جائزة نوبل للسلام كأول امرأة عربية.. ما الذي أخرج توكل كرمان إلى الشارع وكيف أظهرتها الثورة اليمنية؟ هذا دائما أصعب سؤال أتعرض له.. الدوافع الرئيسية التي أخرجتني وأظهرتني ترجع إلى الوضيعة التي يعيشها اليمن.. فمنذ بداية التسعينات، وبعد توحّد اليمن، استأثر علي عبد الله صالح بالسلطة وأقصى شركاءه في الوحدة .. وبدأت اليمن تنهار يوما بعد يوم، وبدأ مسلسل من التضييق الحاد والكبير على حرية الإعلام والتعبير والتجمع السلمي واستهداف كبير للصحفيين والنشطاء.. وصارت اليمن تَظهر للعالم كمصدر للإرهاب.. حيث ظل صالح يروج لاعتباره وسيلة يقمع بها خصومه السياسيين.. أضف إلى ذلك الانهيار الاقتصادي.. ليتم الإعلان عن اليمن دولة فاشلة.. إلى أن جاءت ثورة اليمن، التي كانت مبرراتها هي نفس مبررات ثورة 62 الثلاثة (الثالوث المرعب) : الجوع والفقر والمرض، ينضاف إليها حاليا الإرهاب وحركة الانفصال في الجنوب.. كل هذا دفعني شخصيا رفقة مجموعة من نشطاء حقوق الإنسان لإيجاد حل من أجل إيقاف هذا التدهور في بلدنا، فما أخرج توكل كرمان وأخرج باقي الشباب هو أننا كنا في عمق الأزمة، والتي جعلتنا نكون جزءا من الحل لا جزءا من المشكلة.. أي كيف نوقف هذا التدهور.. والثورة اليمنية جعلتنا نتموقع في "الحل" ولم نكن نتسائل ما هو الحل.. فكنا كذلك الحمد لله، واستطعت بذلك أن يكون صوتي، الذي كان دوما مع الشباب، مسموعاً.. فكان يَكبُر يوما بعد يوم منذ 2005، وتبلور بقوة في 2007، حيث كنا نقود نضالاتنا منذ تلك الفترة. إذا يمكن أن نقول أن هناك تراكما تاريخيا لنضالكم منذ 2005، والذي أفرز الثورة اليمنية عام 2011؟ صحيح، لقد بدأنا الاعتصامات الأسبوعية كل يوم ثلاثاء منذ 2007 أمام ساحة مبنى رئاسة الوزارء، والتي أطلقنا عليها فيما بعد "ساحة الحرية". فتعاهدنا حينها على القدوم إليها من أجل حرية التعبير وإيقاف التدهور الذي يصيب البلاد. لم أكن أتوقف شخصيا عن النضال منذ ذلك الحين، خصوصا مع ناشطات منظمة "صحفيات بلا قيود".. لم نتوقف أسبوعا واحدا، وكان الكثير يسخر منا.. حيث كلما كنت أراسل النشطاء والقادة السياسيين والنقابيين، كانوا ينعتون ساحة الحرية ب"حائط المبكى".. فكانوا يسخرون منا ومن نضالي خصوصا.. لكننا استمرينا وحولنا الاعتصامات من أسبوعية إلى شبه يومية، واستطعنا أن نزرع بذلك ثقافة الاعتصامات والتظاهرات بشكل سلمي في مجتمع يؤمن بالعنف والسلاح والقتل. ألا ترين معي أن ثمة تناقضا واضحا: قيام ونجاح ثورة سلمية في بلد يؤمن بحمل السلاح العنف؟ بالضبط.. لقد أصبحت الاعتصامات والاحتجاجات السلمية، والتي ظهرت قبل ثورة تونس، ثقافة جديدة على المجتمع اليمني. حي استطعت رفقة النشطاء أن أقنع المجتمع بهذه الثقافة، رغم أنها كانت تثير كثيرا من الأسئلة حول مدى جدواها.. لكننا رغم ذلك لم نتوقف. وخلال تلك المرحلة، كنت أحصل على إعجاب الناس ودعم قوي من القبائل، رغم كوني امرأة. فكنت أخرج للشارع ردا على نظرة العالم لنا.. حين كنا نسافر إلى الخارج نرى اليمنيّ يلاحق بسبب جواز سفره على أنه تنظيم القاعدة وإرهابي ومتسّول ومختطِف. بتلك الصفوف الطويلة للنساء اليمنيات أيام الثورة، استطاعت هاته الأخيرة أن ترسم لنا معالم صورة جديدة للمرأة العربية القادمة من الشرق.. خصوصا وأن هناك "تنقيصا" من قدر المرأة في مجتمعات كالسعودية واليمن؟ بالفعل، فثقافة التنقيص من قدر المرأة وهضم حقوقها هي ثقافة وافدة على اليمن من دول الجوار، صاحبتها العادات والتقاليد الخاطئة التي عششت في المجتمع. بينما في الريف عندنا، المرأة موجودة وحاضرة وتحظى باحترام وتعتبر شريكة أساسية للرجل داخل وخارج البيت. لقد عُرفَت "توكل كرمان" بنضالها من أجل حقوق الانسان وحرية التعبير والرأي، ووجدت حينها المجتمع اليمني حاضنا لي ودافع معي من أجل أن أستمر في نضالي، حيث كنت أذهب إلى أشد المناطق قبلية، والتي ينظر فيها للمرأة بانتقاص، فكنت رغم ذلك أقدَّم في الصفوف وترفع لي الأهازيج، وكان هناك احترام لي ولشخصي كثيرا. وأنا دائما أقول للمرأة أن عليها أن تتجاوز عقبتها النفسية بنفسها.. بأن تثق في ذاتها أولا، وعلى عائلتها أن تثق بها حينما تخرج إلى الشأن العام، حيث ستجد مجتمعا يدفع بها ويعتز بها، وهذا شأن كل الدول في العالم. فالعقبة الأساسية التي يمكن أن تواجه المرأة هي نفسها أولا ثم أسرتها. بمعنى أنك تعتبرين أن "وضع" المرأة في المجتمع سببه هو "المرأة" في حد ذاتها؟ نعم بطبيعة الحال..فثقافة "التنقيص" من المرأة كانت موجودة قبل الربيع العربي، لكن موجته الثورية سوّت هذا الأمر بالمرة.. كما أن مسألة الثقة بين المرأة والمجتمع تكسّرت.. حيث جعل ربيع الثورات المرأة تثق في نفسها أولا، ثم جعل الكل يثق بها.. فالمجتمع الآن يبحث عن ذات المرأة التي قادت الثورة، ويبحث عنها لكي تقود الدولة بعد الثورة. ويمكن الإشارة هنا إلى أن الثورات العربية كانت ضد الاستبداد السياسي والاجتماعي وأيضا ضد الاستبداد الديني، أي ضد الفهم الخاطئ للدين.. الفهم الذي كان يعتبر أنه هناك مجرد أدوار نمطية للمرأة، والتي كان يعززها مفتي السلطان والبلاط. فكانت هناك ثورة حقيقة على كل هاته الأفكار والتقاليد، والتي كانت سياسة ممنهجة من طرف الأنظمة للإبقاء المرأة في البيت. وأذكرك أنه خلال الثورات العربية صدرت فتاوى لبقاء المرأة في البيت خاصة في اليمن، وذلك من كثرة خوف نظام عبد الله صالح من المرأة اليمنية.. فكانت الثورة مزدوجة استطاعت المرأة أن تقف ضد كل أنواع الاستبداد تلك. ..يتبع في "حلقة ثانية"