في مقال سابق نشرته بموقع هسبريس عنوانه المغاربة يستغربون صمت الحركات والأحزاب الإسلامية إزاء الحملة على النهاري. الذي بينا فيه حقيقة صمت الحركات الإسلامية التي انكشفت عنها ورقة التوت في قضية انهاري والحريات الفردية، أما الآن فأقول من غير أسف على هذا الأمر. يا ليتهم سكتوا وصمتوا وبلعوا ألسنتهم حول الحملة الشرسة على الداعية انهاري. كنت أومن أن كل يوم تحدث فيه أمور غريبة أبعد ما تكون عن التصديق لكن غرائب هذه الأيام قد تجاوزت كل مقبول وتخطت كل معقول. فبات (الإخوان) في حيص بيص لا يحسدهم على ذلك حاسد ولا يتمنى أن يكون مكانهم عدو أو صديق. لقد استغربت في السابق صمت الحركة الإسلامية، لكن الذي لم أستوعبه جيدا هو تبرأ رئيس حركة التوحيد والاصلاح المهندس محمد الحمداوي من فرعي الحركة اللذان تضامنا مع الشيخ عبد الله انهاري، رغم أن الداعية كان مسؤول المنطقة بحركة التوحيد بمدينة وجدة. مبررا تبرؤه هذا بنكت مبكية لا يفهمها أحد وأعذار وضيعة أقبح حتى من الزلة. لقد قال السيد الحمداوي غفر الله له، الذي من المفروض أن يكون واعيا بحساسية المرحلة، وهو المعتبر أن الصراع القائم حول ثوابت الأمة من قضايا الحريات الشخصية المخالفة للدين والأعراف والقيم الإنسانية التي يدور رحاها في الساحة. أنها مجرد معارك هامشية ووهمية مفتعلة. وأن على العقلاء والحكماء أن يتحملوا مسؤولياتهم في عدم الخوض في مثل هاته القضايا والتركيز على القضايا الحقيقية التي تؤرق المجتمع المغربي وتشغل باله. وشدد في خرجته بموقع الإصلاح عن الترفع في الخوض في مثل هاته الأمور لكي لا يتحول وسيلة لتضخيم التوترات. لست أدري كيف أن المهندس الحمداوي لم يفطن أن المعركة لا تخص شيخا طاعنا في السن أمضى أكثر من ربع قرن من عمره في سبيل الدعوة إلى الله، قضى منها سنوات طويلة وهو ينافح عن توجه حركة التوحيد والإصلاح. وإنما تخص مرحلة حساسة يمر بها هذا البلد العزيز، بعد المصادقة على الدستور الجديد. حيث يتمخض هذا النقاش الدائر على بلورة نمط فكري وثقافي جديد، يحاول من خلاله كل تيار فكري وإيديولوجي على فرض توجهاته وآرائه من خلال تفسيراته الخاصة لمضامين الفصول التي تطرقت إلى مفاهيم الحريات. وعلى ضوئها يستقر الوضع المغربي للتأقلم مع هذا النمط في الأيام القادمة. ومنه فإن التخندق في إحدى الدائرتين واجب فكري وثقافي إن لم أقل واجبا شرعيا. ومن هنا أعتبر أن مجرد الصمت عما يقع حربائية دنيئة لا يرضاها الله عز وجل ورسوله الكريم. فما بالك بالانزواء في دائرة المتفرج المتشفي في قضايا مصيرية للبلاد والعباد. وإلا فماذا يعني أن تتبرأ من المتضامنين مع الداعية انهاري ؟؟ ما يعنيه ببساطة أننا لا نقدر المرحلة التقدير الصحيح، وأن (الحكمة) قد أعمت أعيننا فصرنا نرى الدفاع عن هويتنا الإسلامية ضربا من ضروب المعارك الهامشية. وهنا أشد على أيدي أولئك الذين لم يكونوا معجبين جدا بأسلوب الداعية انهاري إلا أنهم تخندقوا في زاوية النهاري لأن الأمر لا يتعلق بشخصه إنما يتعلق بقضية الطهر والعفاف والحفاظ على الهوية. جمعتني الأقدار هاته الأيام بأحد قياديي حركة التوحيد والإصلاح مصرحا أن الشيخ انهاري أخطأ فليتحمل مسؤوليته في ذلك. وتساءلت مع نفسي، فلو أخطأ السيد ابن كيران فما أكثر زلاته التي لا تعد ولا تحصى أو أخطأ السيد أفتاتي، فماذا سيقول الأتباع ؟؟. أكيد سيكون الرد مثل ما نسمع ونرى ونقرأ دائما من خلال التستر عليها وتوريتها، والتبرير لها بآلاف المبررات باعتبارها اجتهاد بشري يصيب فيها المرء ويخطئ. إن لم يجعل منها هؤلاء الأتباع السذج على أنها بطولات وكرامات في كثير من الأحيان. والويل لمن حاول النبش فيها أو الإشارة إليها حيث يتم تسفيه كل من تجرأ على طرحها أو تخطيئها حتى لو كانت خطأ في الأصل. الجديد في الحركة الإسلامية أنها أصبحت متسامحة وتغض الطرف بل وتحارب مع أمثال ابن كيران وأفتاتي والرميد... وكأنهم ملائكة وليسوا بشرا يخطئون. وتحشد التجمهرات والبيانات واللقاءات وتعبئ القاصي والداني لأجل الدود عن هاته الفئة المنزهة عن الخطأ. بينما إن أخطأ أمثال الداعية انهاري يخرج علينا رئيس حركة إسلامية رافضا إقحام حركته في مثل هذه المعارك. وكأن الحركة الإسلامية وجدت لتدافع عن الحزب السياسي (الإسلامي)، بدل الدفاع عن الخطباء والدعاة. وكأن الحركة تابعة وخادمة للحزب السياسي، وأضحى هذا الأخير أصلا مطاعا تتحمل أوزاره الحركة الإسلامية التي وجدت لأجل الدعوة لا غير. وكأن المشروع الإسلامي جسد أخذت الحركة الإسلامية فيه موقع الذنب وحل الحزب موقع الرأس. كأن الحركة الإسلامية غثاء كغثاء السيل تخبط خبط العشواء، حيث كان على وزيرها السيد الرميد المكلف بالعدل على أن يفتح التحقيق مع المدعو "الغزيوي" الذي أساء إلى الدستور وأساء إلى إمارة المؤمنين وأساء إلى دين الدولة، ثم أساء إلى المغاربة جميعا. لكنه فتح التحقيق مع الداعية والشيخ المخلص عبد الله انهاري المعروف بنبذه الفرقة والفتنة والمدافع عن إمارة المؤمنين وثوابت البلاد. وكأن الحركة الإسلامية إلى جانب قيادييها الذين أصبحوا وزراء، وذاقوا الكراسي المريحة والمكاتب المكيفة بدؤوا يتبرؤون من الدفاع عن الدعاة والخطباء. بل أصبح كل من يساند هذا الداعية أو ذاك متهما وملاحقا بالتدخل في ما لا يعنيه. وحسب متابعتي الشخصية أرى أن قرار حصار وتوقيف الداعية النهاري جاء من مصدر رفيع المستوى. وهذا القرار بهذا الشكل صدر من اثنين لا ثالث لهما، إما من الملك شخصيا أو من رئيس الحكومة ابن كيران شخصيا. حيث ينأى جلالته الخوض في هاته الأمور، أما ابن كيران فلا يتوانى لحظة في قص جناح أي نجم ينافسه في الساحة الإسلامية. وأقول للشيخ انهاري أن خروجك في السابق كان محمودا لأنه كان يشكل معارضة قوية للحكومات السابقة ويجلب الآلاف الأصوات للحزب (الإسلامي). أما الآن أصبح يشكل تهديدا على هاته الحكومة ويشوش عليها في عملها مثل ما يعتقدون. ما لا يعرفه أتباع الحركة الإسلامية البسطاء الغيورين على المشروع الإسلامي وهو أن الداعية انهاري حفظه الله في نظر القيادات الحالية ورقة محروقة وانتهت مدة صلاحيتها، وينبغي إيقافه حتى لا يشكل تهديدا في المستقبل. لكن مشيئة الله فوق مشيئة العباد. وأقول للشيخ انهاري الآن عليك أن تصدح بالحق وتستمر في نشر دروسك ومواعظك عبر مقاطع الفيديو التي تحث على فضائل الأعمال وفعل الخير والصالحات، وإظهار تعاليم الإسلام للعالمين مثل ما كنت تفعل طيلة السنين الطويلة. حتى لو كره الحربائيون والمتنطعون .. وأقول للداعية انهاري : اصدح بالحق ما دمت تقاتل أفكار السوء وتعارك الشبهات وتحارب المجون، وما دمت تدافع عن إمارة المؤمنين، وتدافع عن الإسلام السني المعتدل الوسطي فإننا لن نقول لك ما قال قوم موسى لموسى اذهب أنت وربك فقاتلا إن ههنا قاعدون. بل نقول لك اذهب أنت وربك إن معكما مقاتلون. والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون [email protected]