تتحول القرصنة الى طريقة عيش فى المغرب، يكافح بها بعض الشباب "غلاء العيش"، بل وتغنى بعضهم حتى عن وظائف الدولة. إذ يعانى الفنانون والمنتجون فى المغرب هذه الأيام من انتشار ظاهرة قرصنة إنتاجهم، بالوسائل التكنولوجية الحديثة، الأمر الذى تسبب فى نقص عائداتهم المالية عما ينتجون من أعمال تم السطو عليها بأسلوب تقنى عالى الخبرة. فعبر هذه الوسائل يعاد إخراج إنتاجهم الفنى مُقرصنا على أقراص مدمجة لا تحترم قانون الملكية الفكرية وحقوق المؤلفين، وتجد طريقها السلس إلى السوق حيث تباع هنا وهناك على قارعة الطريق بثمن قليل لا ترق لمستوى رأس مال إنتاجها الحقيقي. فبالأسواق الهامشية وسط المدن المغربية، وعلى الطرقات ومداخل الدروب الضيقة، بل وببوابات البيوت، تصادف أقراصا مدمجة معروضة للبيع، تضم أحدث ما سجله العاملون فى القطاع الفنى بالصوت والصورة، بل إنك قد تجد أفلاما حديثة الإنتاج يتزامن عرضها بالسوق مباشرة بعد أيام قليلة لخروجها. كل هذا "يخدم مصلحة الزبون المغربى ذى الدخل المحدود"؛ يعلق فؤاد الذى وجد فى سوق "باب الحد" بالعاصمة المغربية ضالته المريحة لشراء قرص فلم أمريكى حديث التصوير. ومثل فؤاد، تقول نورة، الشابة الجامعية التى تزور منطقة "الجوطية"، وسط مدينة الرباط، للبحث عن برامج تكنولوجية لكمبيوترها المحمول "إن الجوطية عالم تكنولوجيا المحتاجين"، تعلق الشابة الجامعية ل"العرب الأسبوعي" قبل ان وسط زحمة "الجوطية". يقع هذا فى المغرب، وفى أغلب دول المعمور، خصوصا منها الدول النامية، غير أن الملاحظ فى بلاد "جامع الفنا"، أن أغلب الشباب العارضين لسلعهم التكنولوجية بسوقهم "الحرة" المفتوحة على الشارع العام. هُم شباب على قدر كبير من العلم والمعرفة، يبدون نشطين فرحين بشغلهم الناجح الذى أضحى بديلا مريحا يضمن لهم العيش المناسب فى زمن غلاء المعيشة، فرغم أنهم باعة عشوائيون هامشيون، كما تنعتهم السلطات المغربية، غير أنهم فى الأصل طلاب علم، ضمنهم خريجو الجامعات والمعاهد العليا، الذين لم يجدوا عملا ضمن الوظائف العمومية ولا الشركات الخاصة التى غدت مؤسسات عائلية. لهذا أقر ذلك الشباب الانخراط فى دنيا التجارة على الهامش ب"البيع والشراء" وسط سوق التكنولوجيا الواسعة الانتشار التى غدت اليوم تدر على ممتهنيها المال الكثير الذى أغناهم عن تعب البحث عن الوظيفة الحكومية ذات الدخل المحدود والقار، حسب تعليق أحدهم، الذى صرح أن ضمن زبائنه رجال إدارة كبار وموظفين حكوميين، لا يترددون فى اللجوء إليه عند الحاجة ليستفيدوا من أسعار "جوطية باب الحد" ذات السلع الإلكترونية التى غدت فى متناول الجميع، يعلق البائع صاحب الرف الزجاجى المعلق إلى دفة واجهة دكان نجارة كاسد لم يعد يعرف رواجا منذ مدة. لكن "إنما للصبر حدود"، كما صدحت يوما سيدة الطرب العربي، أم كلثوم، فى إحدى روائعها، فلم يجد الفنان والمنتج بدا، باعتبارهم ضحايا القرصنة الذكية، لم يجدوا ملاذا غير ترديد مقطع الأغنية المذكورة وقولهم "اللهم إن هذا لمنكر". ولحماية مصالحهم من القرصنة والقراصنة، أرغم أصحاب الحقوق، الفنانين والمؤلفين، تنظيماتهم المهنية العاملة فى المجال السمعى البصري، والسلطات المغربية، على الخروج إلى الميدان للدفاع عن حقوقهم وإنتاجهم، وفى هذا الإطار خرج إلى الساحة المغربية للدفاع عن حقوق المؤلفين وحماية إنتاجهم من القرصنة، جمعيات عديدة، ضمنها واحدة اتخذت لها شعار "مواجهة القرصنة"، يرأسها المخرج السينمائى نبيل عيوش، الذى صرح ل"العرب الأسبوعي"، خلال ندوة صحافية نظمت بالدار البيضاء، بأن قطاعات السينما والموسيقى، ومجال المصنفات الفنية عموما فى المغرب، يعيش وضعية كارثية بفعل تنامى القرصنة. وأشار السينمائى المغربي، إلى أن الوضع المزرى لا يتماشى وطبيعة التطوير والتحديث الذى تشهده القطاعات الفنية فى المملكة، إذ القرصنة تقوض كل المبادرات الرامية إلى تحقيق طفرة فى مجال الفنون والثقافة، وأن توسيع هامش الحريات، بعد تحرير القطاع السمعى البصرى وظهور إذاعات وقنوات تلفزيونية، استغله البعض بشكل سلبي. ومن جهتها الدولة المغربية، وإلى جانب مبادرات المجتمع المدنى فى مواجهة القرصنة، لم تقف السلطات موقف المتفرج أمام انتشار الظاهرة، فيوميا يصل إلى الرأى العام أخبار قيام الإدارات المختصة فى المراقبة، أنها قامت بحجز آلاف الأقراص المدمجة المُقرصنة، بل أكثر من هذا وذاك، يؤكد عبد الله الودغيري، المدير العام للمكتب المغربى لحقوق المؤلفين، أن اللجنة الوزارية لمحاربة القرصنة اجتمعت فى الأيام القليلة الماضية، من أجل رصد ظاهرة القرصنة ووضع إستراتيجية وقائية للحد من انتشارها. وكشف المصدر الرسمي، أن الدولة المغربية تعمل مصارعة الظاهرة، على إيجاد حلول بديلة للمقرصنين "الشباب" عبر تمكينهم من أكشاك يبيعون فيها إنتاجهم بترخيص من المكتب المغربى لحقوق المؤلفين والجهات المنظمة للقطاع، وكذا إيجاد علاقة ما بينهم وبين شركات الإنتاج التى يمكن أن تمكنهم من أن يتسلموا إنتاجا بكيفية قانونية لتقديمه إلى المستهلكين بثمن مناسب وقانوني، وأن الحكومة المغربية أصدرت قانونا جديدا يعرف ب قانون 05/34، يعتبره المؤيدون بأنه جاء لتتويج المجهودات التى تبذلها الحكومة المغربية، بالتعاون مع التنظيمات المهنية، وذلك من خلال العمل على تحيين الترسانة القانونية المنظمة للقطاع السمعى البصري، وتشديد العقوبات الزجرية على المخالفين استجابة لطلب المهنيين والفنانين. وخلص رئيس المكتب المغربى لحقوق التأليف كذلك، أن تفعيلا لآليات الحماية يجرى الآن فى المغرب للانتقال من عقوبة كانت بسيط لا تتعدى شهرا نافذا وغرامة مالية قدرها 500 درهم حوالى " 50 دولار"، إلى عقوبة قد تصل إلى 4 سنوات وغرامة تتعدى 50 مليون سنتيم. ""