محمدية بريس: لاتزال ظاهرة القرصنة بالمغرب تلقي بظلالها المعتمة، وتؤشر على وجود إشكالية عميقة ذات بعد "سوسيو" اقتصادي وثقافي، يصعب لحد الآن احتواء تداعياتها وتجاوز الآثار السلبية المترتبة عنها، بالرغم من تواجد زخم من القوانين والإستراتيجيات قصد وقف نزيف الخسائر التي تكبدها ويتكبدها الاقتصاد المغربي على أكثر من مستوى تطور سوق قرصنة الأفلام والبرامج المعلوماتية في المغرب اصبح لافتاً، ورقم المعاملات يعد بالملايين من الدراهم، الأمر الذي جعل الأطراف المعنية بذلك . تتدخل بأشكال مختلفة، الدولة تعد قوانينها، والفنانون أصحاب الحقوق إكتشفوا أن المغرب سوقاً حقيقياً للفن وبلغة الأرقام، فإن ما بين 400 و 600 ألف قرص مدمج منسوخ بطريقة غير شرعية يوزع في المغرب أسبوعياً، والخسائر المترتبة عن القرصنة تزيد عن ملياري درهم سنويا.. إضافة الى أنه حسب المراقبين فإن لوبي القرصنة كان وراء إفلاس العديد من شركات الإنتاج وإغلاق عدد من القاعات السينمائية.. من هنا كان لقاءنا مع العديد من الفنانين ومع السيد ودغيري عبد الله المدير العام للمكتب المغربي لحقوق المؤلفين بمثابة وقفة نطل من خلالها عن هول فعل مكرس غير مهيكل وخارج عن التصنيف، يزيد من مساحة الإثراء غير المشروع وفي نفس الوقت يستوعب شريحة اجتماعية تعاني الأمرين في سبيل توفير إمكانية العيش الكريم. تطرقنا مع السيد ودغيري الى مسالك ظاهرة القرصنة واستفسرنا منه عن هذا الحضور القوي لها في الأسواق الشعبية المغربية بالرغم من تواجد ترسانة قانونية متقدمة ومصادقة بالمغرب على اتفاقيات دولية تعنى بالموضوع كاتفاقية "بيرن" واتفاقية " البيو" إضافة إلى تنسيقه في إطار استراتيجية مفعلة حاليا مع مؤسسات عامة أخرى كوزارة الداخلية ووزارة العدل وإدارة الجمارك ، هذه الاستراتيجية التي تعتمد مقاربة الاشراك والتشارك لحد الآن رغم حضورها بتلوينات مختلفة يصعب حصرها وإمساك مختلف مساراتها التي تمتد إلى خارج الحدود... يبقى اللافت للنظر هو الاقبال الجماهيري الكبير على سوق القرصنة في المغرب، الأرقام تكشف ذلك بقوة لتعطينا لمحة عما سيكون عليه الوضع في المستقبل سواء بالنسبة للقراصنة أم بالنسبة للفنانين أصحاب الحق فسوق درب غلف في مدينة الدارالبيضاء مثلا سوق لا تقاس شهرته مع إي سوق آخر ، ليس لكبره أو لجودة ما يعرض فيه ، بل لكون السلعة المعروضة فيه تكاد تكون كلها بضاعة مهربة من الخارج وقد لا يوجد لها مثيل في سوق آخر . كما أن سوق درب غلف يعرف بسوق المقرصنين الذين يجنون أرباحهم من الإستيلاء على بضاعة الآخرين كي يعرضوا لها نسخا بأقل الأثمان ، الأكثر من ذلك أن القرصنة في سوق درب غلف إنتقلت في السنوات الأخيرة لتصبح صناعة قائمة بذاتها ولا ينقصها إلا قانون منظم لها ويعترف لها بالشرعية . قبل اقل من عشر سنوات تقريبا ، كانت قرصنة أشرطة الكاسيط بمختلف محتوياتها هي الرائجة ، وبالتالي فإن نشاط المقرصنين ظل محدودا جدا ومجال الإبداع فيه شبه منعدم ، أما الأن فإن القرصنة دخلت في مجال واسع زاخر بالإبتكارات والإختراعات والإبداعات ، ذلك أن المواد التي تستهدفها القرصنة تكاد لا تحصر لائحتها : أقراص الأغاني والأفلام والمسلسلات وألعاب الفيديو والكتب الإلكترونية ومحاضرات الدعاة وقواميس اللغة وبرامج التلفزيون وبرامج الكمبيوتر والمسرحيات ... وغالبا ما تزدهر تجارة البطائق المزورة ، الخاصة بالقنوات التلفزيونية ، في مواسم كأس العالم حيث بدأ احتكار البطولة من طرف قناة art العربية ، وهي القناة التي تعرف درب غلف أكثر من غيرها باعتبار ما تكبدته من خسائر فادحة في مجال تسويق قنواتها في المغرب . وهو الشيء نفسه يقال عن باقات القنوات الفرنسية المقرنصة في المغرب على أوسع نطاق . أما البضاعة الأخرى الرائجة في السوق في السنوات القليلة الماضية ، فهي فك تشفير الهواتف النقالة حتى تتجاوب مع جميع بطائق شركات الإتصالات . فالإستيلاء على عمل الآخرين ، وسرقة مجهودهم مهنة يسترزق منها ، فمادام هؤلاء الشباب يملكون كل هذه المؤهلات التقنية ، وكل هذه الرغبة في البحث والتنقيب على المستجدات في عالم التقنيات والإعلاميات ، لماذا لا يتم تأطيرهم في ناد تقني ذي صفة شرعية واستثماره في مجال العمل المنتج ؟ لماذا لا تستفيد الدولة من هؤلاء بعد أن تمنحهم أدوات العمل ومجالا مطمئنا للعطاء ؟ أما أسلوب المداهمات ومصادرة سلعهم ما هو إلا أسلوب يجعلهم يرفعون التحدي بالإستمرار بعيدا عن الأعين