لقد اثارني جواب وزير الاتصال الناطق الرسمي باسم الحكومة مصطفى الخلفي على سؤال لحزب العدالة والتنمية في مجلس النواب حول موضوع عرض القناة الثانية لفيلم وثائقي بعنوان "تنغير جيروزاليم" ..لكن قبل التعقيب عليه في هذا المقال القصير..ساذكر ببعض الفرضيات التي اعتبرها ثوابت بالنسبة للمغاربة انطلاقا من المواقف المسجلة عبر تاريخهم القديم والحديث.. اولا: كل المغاربة المسلمون يعتقدون ان القدس هي اولى القبلتين وثالث الحرمين الشريفين وهي اقدس واشرف بقعة على وجه البسيطة بعد الحرمين .. ثانيا :المغاربة كلهم ،الا شذاذ الافكار، يعتبرون فلسطين ارضا مغتصبة من قبل كيان صهيوني لم يكن له وجود على هذه الارض ..وهم يحتلون ايضا حيا كاملا هو ملك تحديدا للمغاربة وهو "حي المغاربة" في القدسالمحتلة.. ثالثا :المغاربة يعتبرون القضية الفلسطينية قضية وطنية سواء على مستوى الاحزاب السياسية او الجمعيات ذات الصلة او على مستوى الشارع عبر مسيراته المليونية المشهودة (ومن يزعم العكس فلينظم مليونيات مضادة).. ومن هذه الفرضية الاخيرة يمكن القول ان التعامل مع القضية الفلسطينية وزاوية معالجتها اعلاميا يجب ان تكون شبيهة بالتعامل والتعاطي مع قضية الوحدة الترابية باعتبارهما قضيتين وطنيتين..هذا هو المنطق الصحيح للاشياء ..غير ان الواقع الاعلامي المرير في المغرب يكاد يثبت العكس تماما ..خاصة في السنوات الاخيرة مع سيطرة بعض الفرانكفونيين "المتحررين" او بالاحرى "المناوئين" لقناعات الشعب وثوابته على القطب السمعي البصري ..وهم ينطلقون في ممارساتهم من مبدإ "الحرية في التعبير" لكن بين حرية التعبير وحرية التدمير خيط رفيع جدا رغم التناقض الشديد بينهما ..واذا اخفقنا كاعلاميين وقادة للراي ومسؤولين في التمييز بين هذا وذاك سنكون امام لوحة سريالية تنمحي فيها الالوان وابعاد الصورة الحقيقية..وسيرتكب المرجفون خيانات عظمى للاوطان والثوابت تحت باب الحق في حرية الراي..وحينها يمكن للاذاعة الوطنية والقنوات العمومية والخاصة ان تحاور "زعيم " الانفصاليين في الصحراء الذي يعتبر،والمرتزقة معه، انفسهم "مكافحين لتحرير" ارض الصحراء التي "اغتصبها" المغرب ..ومن باب الحق في التعبير والراي ، مثلما يراها البعض ،لا يمكن ان نمنع هذه المحطات من انجاز حوار من هذا القبيل او اعداد فيلم وثائقي فيه ما فيه من مزاعم الانفصاليين.. من هذا المشهد الاعلامي الافتراضي اسأل وزارة الاتصال الوصية على القطاع : هل سيتدخل وزير الاتصال او ربما المجلس الاعلى للاتصال السمعي البصري لمحاسبة من اقدم على مثل هذا العمل؟؟؟ بالتاكيد سيكون هناك تدخل ومحاسبة شديدة ... وبناء على فرضية ان فلسطين هي بمقام قضية وطنية، هل يمكن للوزارة الوصية او مؤسسة "الهاكا" ان تتدخل لمعاقبة من يسيء الى القضية الفلسطينية في فيلم وثائقي او تقرير اخباري واستحضار من يزعم ان الصهاينة يخوضون "حرب استقلال" ؟؟؟.. وزير الاتصال ،الذي لا اشك ابدا في نزاهته ووطنيته وحبه لفلسطين ودفاعه عنها ،قال امام البرلمان انه استوضح القناة الثانية حول التوقيت اي بث فيلم "تنغير جيروزليم" يوما قبل ذكرى مجزرة صبرا وشاتيلا ..وجاءه الجواب بان البرمجة تتم بشكل مسبق ..هذا معروف.. لكن هل الذي يضع شبكة البرامج لا يدري ان مجزرة صبرا وشاتيلا ستحل ذكراها يوما وحدا بعد بث الفيلم المثير؟؟!! بل لماذا لم يفكر مسؤولو القناة الثانية ما داموا "مهتمين" بفلسطين او باليهود و"نضالهم التحرري" في تخصيص برنامج وثائقي عن موقعة صبرا وشاتيلا التي قتل فيها الصهاينة "الاستقلاليون" "المحتلين الفسطينيين" من النساء والاطفال في المخيمات؟؟؟!! هذه القناة - التي سبق ان وصفها المفكر المغربي المهدي المنجرة باوصاف سيئة لا مجال للتذكير بها - الا يكفيها اصرارها على تغيير منظومة قيم المجتمع منذ نشاتها ؟؟ هل تريد هذه القناة ان نزور تاريخ فلسطين ونقر رغم انفنا ان الصهاينة صناع سلام وانهم لم يحتلوا الارض المقدسة بل جاؤوا ليحرروها من "دنس" "المعتدين" العرب والمسلمين ..هل هذا ما تصر هذه القناة على فعله ؟؟اذا كان الامر كذلك فلتذهب الى الكنيست الاسرائيلي ليقرر لها ميزانية من عند المستوطنين ..اما الشعب المغربي فقد قهره دفع الضرائب لقناة لا تحمل همه ولا تعبر عن قناعاته .. لقد عبر المقرئ ابو زيد الادريسي عضو حزب العدالة والتنمية في تعقيبه على جواب الوزير عن جوهر الحقيقة ، وهي ان القضية المطروحة ليست قضية عادية يمكن ان نقبل فيها الراي والراي الاخر..وان القناة الثانية قناة عمومية تستمد اسباب استمرارها من جيوب الشعب وليست جمعية مشبوهة تدعي الانفتاح والحوار.. الصواب اذاً..ان القضية ليس للحياد فيها مكان..بل قمة الحياد - في الاعلام العمومي على الاقل - ان ننحاز الى قضيتنا التي نؤمن بها وندافع عنها كما ندافع عن قضية الصحراء تماما وربما اكثر باعتبار ان القدس هي ثالث اقدس ارض بالنسبة للمسلمين وهي اقدس من تراب البلد نفسه وتراب اي بلاد اخرى.. واذا كان وزير الاتصال يراعي مسالة "حرية التعبير" وحضور "الراي الاخر" فاننا لا نتفق معه اذا تعلق الامر بالدفاع عن الارض المحتلة ..والا فان الاحتلال الفرنسي للمغرب كان يمكن ان نتعامل معه في اطار "الراي الاخر " بنفس المنطق.. الحقيقة المرة ان القناة الثانية تحمكها عقلية لا تراعي مواد الدستور ولا تحترم الغالبية العظمى من المشاهدين ..بل اكثر من ذلك ، حولها من يسيرها الى حلبة لتصفية حسابات ضد التدين ودفاعا عن تيار يدعو الى الانحلال والتمرد على قيم المجتمع المغربي.. ولاشك ان اصلاح هذا المرفق العمومي يبدأ من اعادة النظر في الاشخاص المسؤولين عن تدهور الاداء فيه.. *إعلامي مغربي مقيم بالكويت