الأستاذ المحترم، لم أكن أتخيل يوما أن المغرب سيتغير بهذه الطريقة و بهذه السرعة. لم أكن أتخيل يوما أن المفاهيم السلطوية و المخزنية التي سادت طوال عقود ستندثر و تتحلل. لم أكن أتخيل يوما أن جيل الثمانينيات و التسعينيات يمكنه أن يطلع على تاريخ بلاده كما هو، و بدون قداسة. لم أكن أتخيل يوما أن رجالات ادعت صنع والمشاركة في تاريخ المغرب ستفتح علبها السوداء للباحثين و الدارسين بهذه السهولة و بدون مقابل. لم أكن أتخيل يوما أن من يُعتبر قيدوم الصحافة بالمغرب ينزل إلى مستوى التجريح في "عرض" شخص وافته المنية و انتقل إلى دار البقاء، لا لشيء سوى لأنه اختلف معه في منظوره للأشياء بحكم موقع كل منهما. لم أكن أتخيل يوما أني سأكون مضطرا إلى كتابة هذه السطور للرد على ما جاء في كتاب "قيدوم الصحافة بالمغرب" "مذكرات صحافي و ثلاث ملوك". ربما أطلت في مقدمتي لكن ما أريد قوله من خلال هذا الرد، هو أن من يحسبون أنفسهم ضحايا البطش المخزني و يحسبون أنفسهم دعاة الديمقراطية، ليسوا في الأصل، في نظري، سوى دعاة للعصبية القبلية وللضغينة اتجاه مغاربة آخرين لا ذنب لهم سوى أنهم ينحدرون من مناطق ينتمي إليها رجال تقلدوا المسؤولية و أبعدوا لسبب أو لآخر. أسأل "قيدوم الصحافة" ما الهدف من ذكر معلومة تداولها، حسب قولك المقربون من الراحل الحسن الثاني (كتاب مذكرات صحافي و ثلاث ملوك الصفحة 298 الفصل 13)، تقول هذه المعلومة أن الراحل الحسن الثاني، في آخر أيامه، كان ينادي الراحل إدريس البصري "ولد الشيخة" ؟ ماذا تعني يا عميد الصحافة بهذه الجزئية التي أوردتها في كتابك و التي أظن أنك أسقطت بها القيمة التاريخية لعملك ؟ هل إدريس البصري كان غير مرغوب فيه في دوائر المسؤولية بالمغرب لأنه كان ينتمي إلى الشاوية و بالضبط إلى ضواحي مدينة سطات ؟ هل بالفعل و كما ذكرت في إحدى مقالاتك في صحيفة " الأسبوع الصحافي" ، منذ ما يقارب الثلاث أو الأربع سنوات، أن إدريس البصري لا ينتمي إلى "كبريات" العائلات المغربية ولا يمكن أن يتشبه بها وبالتالي فلا يجب أن يتقلد منصب مسؤول في المغرب ؟ هل كان الراحل الحسن الثاني (مع افتراض صحة المعلومة) يريد من خلال "ولد الشيخة" شتم الراحل إدريس البصري، وكلنا نعرف مدى التقدير الذي كان يخص به الراحل الحسن الثاني الفنانين المغاربة شيوخ و شيخات شعبيين وعصريين ؟ هل وصل الحد بالراحل الحسن الثاني إلى عدم القدرة على ردع إدريس البصري و اكتفى بسبه و شتمه في غيبته و بهذه الطريقة ؟ لا أنتظر جوابا ولا أريد جوابا لأني أعتبر أن الأمر يتعلق بتصفية حساب عالق بين حي يرزق و ميت انتقل إلى الدار الآخرة. لا أظن أن صيغة الكتاب الذي قدمتموه على أنه مرجع تاريخي، وهذا ما كنا نتمناه كجيل ما بعد المسيرة الخضراء، يمكن لها أن تفي بغرضها مادامت تنطوي على أفكار اعتبرها، عنصرية، و المغرب في غنى عنها. التاريخ لا يبنى على أنقاض أعراض الرجال. لم أكن أتخيل يوما أن أناسا اعتبرناهم طوال سنين من "صفوة' رجالات المغرب يخوضون في تفاهات وكلام مقاهي يحسبونه تاريخا. التاريخ هو تحليل و فهم للأحداث على أساس علمي من أجل الوصول إلى حقائق تمكننا من ضبط الماضي و قبول الحاضر والاستعداد إلى المستقبل.