باتت حوادث السير تمثل حربًا حقيقية تحصد آلاف الأرواح وتخلف وراءها أعدادًا كبيرة من الجرحى والمعطوبين والمعاقين والأرامل والأيتام والكثير من المآسي في المغرب. وعلى الرغم من الجهود التي تبدلها الحكومة للتخفيف من حدة هذه الحرب، ونشر الوعي والثقافة بالسلامة الطرقية، وإنجاز مخططات التدخل والإخبار والتربية على السلامة الطرقية، والتعريف بالسياسة المتبعة بهذا الشأن، إلا أن هذه المعضلة، التي تؤرق بال المغاربة بجميع فئاتهم، ما زالت تحصد يوميًا 10 قتلى، وتكلف ما يوازي 2.5 في المئة من الناتج الداخلي الخام، أي حوالى 11 مليار درهم سنويًا، وهو ما يعكس حجم هذه الآفة التي يعانيها المغرب، الذي أصبح يتبوأ مراتب متقدمة في عدد حوادث السير وفي عدد القتلى، إذ يبلغ معدل ضحايا حوادث السير3 آلاف و600 قتيل سنويًا. "" ففي الممتد ما بين 10 إلى 16 مارس الجاري فقط، لقي 19 شخصًا مصرعهم وجرح 1176 آخرون، 61 منهم إصاباتهم بليغة، في 909 حادثة سير بدنية وقعت داخل المناطق الحضرية. وتعزى الأسباب الرئيسة المؤدية إلى وقوع هذه الحوادث إلى عدم التحكم، وعدم انتباه الراجلين، والسرعة المفرطة، وعدم احترام أسبقية اليمين، وعدم انتباه السائقين، وتغيير الاتجاه من دون إشارة، وتغيير الاتجاه غير المسموح به، والسير في يسار الطريق، وعدم الوقوف الإجباري عند علامة "قف"، والسياقة في حالة سكر، وعدم الوقوف الإجباري عند إشارة الضوء الأحمر، والتجاوز المعيب، والسير في الاتجاه الممنوع. أما في ما يتعلق بعمليات المراقبة والزجر في ميدان السير والجولان، فسجلت 10 آلاف و485 مخالفة، وأنجزت 1692 محضرًا أحيلت على النيابة العامة. وبلغ عدد الغرامات الصلحية، التي جرى استخلاصها، 8793 غرامة، فيما وصل المبلغ المتحصل عليه مليون و831 و800 درهم، في حين بلغ عدد العربات الموضوعة بالمحجز البلدي 1223 عربة، وعدد رخص السياقة التي جرى سحبها 2079 رخصة. أما في محافظة الصويرة، فلقي 43 شخصًا مصرعهم في حوادث سير وقعت خلال سنة 2007، مقابل 46 قتيلاً سنة 2006. وأفادت إحصائيات لمصالح الوقاية المدنية بأن العدد الإجمالي لحوادث السير المسجلة على صعيد المحافظة، خلال السنة الماضية، ارتفع إلى 391 حادثة، من بينها 212 حادثة وقعت خارج المدار الحضري، مقابل 404 حادثة سنة 2006، أي بانخفاض بنسبة 3.2 في المئة. وأضاف المصدر ذاته أنه، إلى جانب مصرع 43 شخصًا (10 منهم داخل المدار الحضري)، خلفت حوادث السير إصابة 138 شخصًا بجروح بليغة و456 آخرين بجروح طفيفة، مسجلاً أن عددًا ضحايا (القتلى والجرحى) في حوادث السير شهد انخفاضًا بنسبة 7.5 في المئة مقارنة مع سنة 2006. واعتبر المصدر أن الحالة الميكانيكية للعربات وعدم احترام قانون السير هما السببان الرئيسان لوقوع حوادث السير، مشيرًا إلى أن الصويرة تتوفر على شبكة طرقية تمتد على مسافة 1367 كيلومترًا. وقامت عناصر الوقاية المدنية بالصويرة، في السنة الماضية، بما مجموعه 2609 تدخلاً، من بينها 1350 عملية لتقديم المساعدة لأشخاص في خطر (بنسبة 47في المئة(، و114 عملية لمحاصرة الحرائق (7 في المئة). وفي يوم واحد، توفي أربعة أشخاص وجرح 25 آخرون، من بينهم 16 شخصًا إصاباتهم بليغة، في المدينة السياحية مراكش، جراء سقوط سيارة من نوع "بيك أوب"، أمس الأربعاء، في منحدر يصل عمقه إلى15 مترًا بجهة الحوز. ووقع الحادث بطريق غير معبدة تؤدي إلى موسم سيدي إبراهيم أوعلي، قبل أن تتوجه السلطات المحلية إلى عين المكان للإشراف على عمليات الإنقاذ، ونقل الضحايا والجرحى إلى مستشفى تاحناوت. ولم يسلم السياح من هذه الحرب، إذ سبق أن سبعة سياح فرنسيين وسويدي واحد وأربعة مغاربة، بالمدينة نفسها، مصرعهم في حادث سير خطر. غير أن شوارع العاصمة الاقتصادية الدارالبيضاء تعد أكثر المسارح دموية وبطلها دائمًا حوادث السير، إذ قال كريم غلاب، وزير التجهيز والنقل، إن نسبة الحوادث بهذه المدينة بلغت 25 في المئة، أي ما يعادل ربع حوادث السير بالمغرب في السنة الماضية. وجاء الكشف عن هذا المعطى خلال ندوة عقدت، الأربعاء الماضي، بالبيضاء خصصت لتقديم الدراسة المتعلقة بتحديد مناطق السلامة بالمدينة، وكذا الدليل الخاص بالتشوير داخل المجال الحضري. وتندرج هذه الدراسة، التي قدمت بحضور محمد القباج والي جهة الدارالبيضاء الكبرى ومحمد ساجد رئيس مجلس المدينة، في إطار تجسيد الرؤية الجديدة التي تبنتها اللجنة. وتعمل هذه الدراسة على رصد موقع تمركز حوادث السير في الدارالبيضاء، وتجسيدها على خريطة خاصة، إضافة إلى وضع نظام معلوماتي خرائطي ملائم لتتبع تطور هذه الحوادث، وتقديم اقتراحات وتوصيات وإجراءات عملية لكافة المتدخلين والفاعلين في تدبير الشأن المحلي لتحسين وضعية السلامة الطرقية. ويندرج الدليل الخاص بالتشوير داخل المجال الحضري، في إطار تفعيل الخطة الاستعجالية المندمجة للسلامة الطرقية 2010 2008، حيث يشكل تجسيدًا ملموسًا للمقاربة التشاركية التي تنهجها وزارة التجهيز والنقل في المواكبة التقنية للجماعات المحلية وتوحيد أنظمة السير والجولان بالوسط الحضري. ويستهدف هذا الدليل مدبري وتقنيي الشبكة الطرقية بالوسط الحضري، إذ يقدم بعض جوانب التشوير الطرقي الهادفة إلى المساهمة في تحسين مستوى السلامة الطرقية داخل المدن. ومن المنتظر أن تقوم اللجنة الوطنية للوقاية من حوادث السير، في إطار مواكبتها لهذا الدليل في مرحلة لاحقة، بتنظيم عملية تواصلية كبرى على الصعيد الوطني للتعريف بمضامينه ومختلف المستجدات الخاصة بالنظام الجديد للتشاور داخل المجال الحضري حتى يتسنى لكافة مستعملي الطريق إدراكها وتبني سلوكات مستجيبة لمقتضيات وضوابط العلامات الجديدة للتشوير.