قد يثير عنوان المقالة فضول القراء لما يوحي إليه من مجاز غير تام مفاده تشابه بينه وبين جماعة بوكو حرام النيجيرية. هذه المنظمة، التي جعلت من أهدافها السيطرة على السلطة بواسطة العنف المسلح لتطبيق الشريعة الإسلامية حسب فهمها طبعا. وفي هذا وجه الإختلاف الأول بينها وبين الحكومة شبه الإسلامية المغربية الحالية. أما التباين الثاني فيكمن في اختيار حزب العدالة والتنمية- صاحب الأغلبية البرلمانية التي منحته حق رئاسة الحكومة وتعيين الوزراء- العمل في اطار القانون والشرعية والمراهنة على آليات الديمقراطية سبيلا مكنه من فرصة تسيير الشأن العام. إلا أن تلك أوجه الإختلاف لا تحجب محاولة البحث عن العوامل والقواسم المشتركة بين التنظيمين، فوجدنا من جهة المرجعية الإسلامية كواحدة بالرغم من الاعتدال المروج له في حزب العدالة والتنمية المغربي بينما يطغى التشدد والتطرف في نهج الثانية، فهي تحرم كل شيء آت من الغرب ولعل تسميتها بوكو حرام، الذي ولئن يرمز إلى مزيج لكلمتين الأولى فرنسية والثانية عربية، فإن أصلها بلغة الهوسا مرادف لمنع التعليم الغربي، وهي تسمية أبلغ من تعداد وحصر مَواطن المنع لديها، وفي مقابل ذلك التحريم المبالغ فيه لبوكو حرام، فإن الحكومة شبه الإسلامية المغربية تكثر في حل المحرم ليحق قول وصفها بحكومة بوكو حلال. وهكذا، فبغض النظر من ماقيل ويقال عن الظروف السياسية التي أفرزتها، والتي سهلت و ساهمت، أو شاركت في فوز حزب العدالة والتنمية في الإنتخابات التشريعية الأخيرة وهي الأولى في ظل الدستور الجديد، وبالتالي أحقيته الدستورية في رئاسة الحكومة. وبغض النظر عن هواجس الخوف والقلق الذي راود البعض بخصوص مآل الحقوق والحريات الفردية والجماعية، الإقتصادية الإجتماعية والسياسية وغيرها في مقابل الأمل الذي شعر به فريق آخر من المتعاطفين والمريدين إلى ما وصل إليه تنظيمهم من ريادة وتقدم، وما شكله ذلك الفوز من نشوة وما خلقه من طموح مشروع. بالرغم من ذلك فإن القاسم المشترك بين الفريقين ولربما الفرقاء، مع مرورالأيام، الأسابيع والشهور من العمل، والممارسة الفعلية للحكومة في تدبير الشأن العمومي واحتكاكها بالملفات، يكمن في تنامي الإحساس الجماعي بخيبة الأمل والفشل في تحقيق الوعود الناتج عن ضعف في التدبير وتردد في القرار لسوء في التقدير أو لعدم إلمام بالطابوهات وحدود التدخل في الميدان ومعرفة بأشباحه وفزاعاته، فجعل رئاسة الحكومة والحكومة كلها : أولا: تنقض عهدا مكتوبا وموثقا بينها وين تنظيمات المعطلين بتاريخ 20 يوليوز2011 بتوظيف حملة الشهادات العليا، بالرغم من قول عز وجل " يأيها الذين آمنوا أوفوا بالعقود". فحطمت بذلك آمالهم وجعلت العتمة تسيطر على مستقبلهم، وانعدام الثقة من الحكومة والإدارة القاعدة الأولى في دليل حياتهم والحكم الأول من نظرتهم. وهكذا أصبح نقض العهود حلالا. ثانيا: الضعف والهوان اللذين أظهرهما وزير الإتصال والناطق الرسمي باسم الحكومة في تدبير ملف دفاتر التحملات، بانهزامه في أول اطلالة وامتحان على قطاعه أمام موظفين(شركة صوريا دوزيم والشركة الوطنية للإذاعة والتلفزة) يفترض أنه رئيسهما التسلسلي والوصي على أعمالهما، في نفس الوقت الذي يعتبر فيه رئيس الحكومة وطبقا للقانون رئيس مجلسها الإداري. فسجل على نفسه انهزاما في ظل دستور يعطيه سلطة تدبير قطاعه، دستور يضع الإدارة تحت تصرف الحكومة، دستور يربط المسؤولية بالمحاسبة فمن سيحاسب غذا؟ ومن سيعاقب في ظل مبدأ آخر يجعل العقوبة شخصية؟ أم هل أصبح التملص من المسؤولية حلالا؟ ثالثا: التدخل ومحاولة تدخل وزير في قطاع المجتمع المدني والعلاقة مع البرلمان في عمل القضاء، الذي عبر عنه تدخله لدى وزير العدل لمحاكمة برلمانيين، ثبت أنهما في نفس دائرته بالرشيدية، ولا يخرج تصرفه من دائرة تصفية الحسابات عن طريق استغلال سيء للسلطة وخرقا لمبدأ استقلال السلطة القضائية، و ضدا على مبادئ القانون الجنائي لثبوت ومعرفته المسبقة لسبقية حصول محاكمة أحدهما عن نفس الوقائع التي أوردها وحصوله على البراءة بحكم بات يعتبر عنوان الحقيقة. فجعل تدخل السلطة التنفيذية في القضاء حلالا؟ رابعا: طغيان وسيادة خطاب شعبوي حزبي لدى فريق الحكومة ولو بدرجات متفاوتة بين وزير وآخر، إذ لم يرقوا إلى ما تفرضه طبيعة الصفة والمركز كشخصيات عامة تمثل كافة الفئات وجميع المواطنين بعد انتهاء الإنتخاب وحصول التعيين. ولوحظ عليهم صعوبة التأقلم مع الوضع والصفة الجديدة، إذ ظلوا أسيري الخطاب الضيق حتى ليكاد المرء يتساءل هل تناهى إلى علمهم أنهم وزراء...؟؟ خامسا: إمتداد أسلوب المقاربة الأمنية والتضييق من هامش ممارسة الحقوق بما فيه الأساسية، طابعها القمع للحركات الإحتجاجية السلمية المعارضة وتنظيمات المعطلين حاملي الشهادات العليا وساكنة الهوامش في تازة، بني بوعياش بالحسيمة، أيت عيسى أبراهيم بتنغير والدخيسة بمكناس، بخريبكة وما رافقها من إعتقالات بالجملة، واستنطاق خارج نطاق قواعد الإجراءات، التي سنت لحماية الحقوق والحريات و اعتماد محاكمات غير عادلة ميزتها أحكام قاسية، مبررها ما يروج له في الدوائر الإدارية من الرغبة في استرجاع هيبة الدولة المفقودة، التي إنما فقدت بفعل غياب الديمقراطية والتضييق من الحقوق والحريات وغياب الحكم الرشيد وانتشار الفساد واحتقار المواطنين والنيل من كرامتهم. بل إن الانتهاكات التي أصبحت حلالا عند هؤلاء الإسلاميين وصلت إلى اقتحام البيوت من طرق عناصر القوة العمومية – لا نسميها قوى الأمن لأنها تنشر الخوف والرعب – والتهديد باغتصاب الأعراض بينما حفظ العرض من أحد مقاصد الشريعة الإسلامية قبل تنقيحها من طرفهم ليصبح تهديد العرض و ترويع الناس حلال طيبا. سادسا: محاولة الحكومة لتوفير حصانة مطلقة وغير مبررة للعسكريين، وبمناسبة عملية داخلية وعن أفعال قد تكون غير قانونية، ضدا على التزامات المغرب الدولية، وضدا على ميل حقوقي ووطني ودولي أكيدين بالغاء الحصانات والإمتيازات القضائية وينادي بتوحيد الجهة القضائية بين العسكريين والمدنيين للسواسية أمام القانون و تحقيقا لعدم الإفلات من العقاب ولكون القانون الجنائي المغربي يتضمن في نصوصه المادة 124 التي تنص على أن لا جناية ولا جنحة ولا مخالفة على الأفعال القانونية والتي أمرت بها السلطة، ومن تم تفهم طبيعة الأفعال موضوع الحصانة المحاول المصادقة عليها، هي عن أفعال غير قانونية ومحرمة يريدونها لهم حلالا؟؟؟؟ كل هذا بينما الجيش التونسي يقدِم على مبادرة حضارية راقية حيث طلب من تلقاء نفسه أن يصبح خاضعا لمراقبة البرلمان. سابعا: الزيادة في سعر المحروقات دون داع وفي ظل غياب مسوغ إليها، والذي لم يشفع له محاولة رئيس الحكومة في الإقناع بتكييفه بأنه لصالح الفئات المعوزة التي ستخصص لتمويل صندوق للإعانة لها، فهل فعلت الحكومة صندوق النفقة القائم والمصادق على قانونه التنظيمي؟ ومتى يستبق استبق التحصيل خلق الإطار بخلق اعتماد لصندوق قبل إنشاءه؟ كما أن واجب تضامن المواطنين له إطار قانوني محدد أسبابه وشروطه ولا يتم عبر خطوات اعتباطية لا سند لها غير سماح رئيس الحكومة الذي قرر استخلاص الزيادة لنفسه بارتكاب جريمة الغذر المعاقب عليها في القانون الجنائي، فجعل المحظور حلالا؟ ناهيكم عن كون الزيادة تمت في زمن عرفت فيه أسعار النفط تراجعا إلى أدنى مستوى لها في السوق العالمية، ودون أن يوازيه زيادة في الأجور ولا رفع في الحد الأذنى للأجر الموعود به. وهي بذلك عبء إضافي ينال سلبا من باقي حقوق المواطنين ضدا على التزام قطعته الحكومة بتعزير الحقوق الإقتصادية والإجتماعية، فأصبحنا من كثرة الحلال ودعم الحكومة للحقوق بأخبار عن نساء يلدن في سيارات الأجرة وعلى أبواب المستشفيات ثامنا: بينما يصرح الدكتور الريسوني رئيس رابطة علماء أهل السنة والرئيس السابق لحركة التوحيد والإصلاح التي خرج حزب العدالة والتنمية من رحمها أن الركوع لغير الله حرام وقبيح ومشين ومهين لكرامة البشر في وصفه للركوع أمام الملك سواء خلال مراسيم التعيين أو خلال حفل الولاء، التزمت الحكومة صمت القبور، وتجاهلت جريدتها الموضوع أصلا، وفي صمتها دليل على أنه الحلال. لأن الصمت دليل على رضاها. وقد حق على إثر هذه الملاحظات، التي لا تشكل سوى النذر اليسير من ما قد يكون اعترى عمل تسيير الحكومة للشأن العام، من شوائب وكبوات تتناقض في غالب الأحيان مع ما راكمته فئة من المواطنين من نظرة ومخزون مسبق تجاه الإسلاميين و حزب العدالة والتنمية ذي المرجعية الإسلامية، فهي حكومة أحلت في كثير من الأحيان ما هو محرم في كل الشرائع والمرجعيات الاسلامية والوضعية والحقوقية، فحق معه وصفها بحكومة البوكو beaucoup حلال. *حقوقي ومحام بهيئة مكناس