إجهاض ترويج 5 آلاف قرص مهلوس    المجلة الإسبانية 'نيكزوتور': المغرب وجهة مفضلة للإسبان للسفر العائلي    التوقيع على بروتوكول اتفاق لإطلاق الخط البحري أكادير-دكار    رسمي: تفاصيل الإعلان الرسمي ل'الفيفا' عن احتضان المغرب إسبانيا والبرتغال مونديال 2030    900 قاض استفاد من برنامج التكوين على حقوق الإنسان منذ إطلاقه في 2021        درجة الحرارة تنزل الى ناقص 4 درجات بالريف        اختيار المغرب والبرتغال وإسبانيا رسميا لاستضافة كأس العالم فيفا 2030    ارتفاع جاري القروض البنكية إلى 1121 مليار درهم عند متم أكتوبر    بعد 24 يومًا من الصمت.. أمنستي تدين الاختفاء القسري لبوعلام صنصال في الجزائر    مصرع سائق سيارة في حادث مأساوي نواحي الحسيمة    بوعياش: مآسي الهجرة تحتاج التعاون المؤسساتي .. ودور المجتمع المدني أساسي    هل تمهّد المناظرة الوطنية الثانية للجهوية المتقدمة بطنجة لاعتماد مقترح تقليص عدد الجهات بالمغرب؟    "البام": معتزون بالنجاحات الحقوقية    أثارت جدلا خلال الفترة الأخيرة.. إحالة المؤثرة "هيام ستار" على قاضي التحقيق    إجماع على أن المغرب وجهة مفضلة للإنتاجات السينمائية الأجنبية    إيران: حذرنا الأسد قبل ثلاثة أشهر لكنه تجاهل الأمر    ميناء مهدية.. انخفاض الكميات المفرغة من الصيد بنسبة 19 في المئة عند متم نونبر 2024    أحمد بدرة رئيسا لمجموعة الجماعات لبني ملال-خنيفرة لتوزيع الماء والكهرباء    كوريا الجنوبية.. الشرطة تداهم مكتب الرئيس ووزير الدفاع السابق يحاول الانتحار بالسجن    لقجع: المغرب يدخل مرحلة تاريخية في كرة القدم    مسرح رياض السلطان يقدم برنامجا حافلا ومتنوعا في شهر دجنبر    مكناس تنظم مهرجان مسرحها بحضور فنانين من المغرب وخارجه    الدار البيضاء تحتضن النسخة الأولى لملتقى النحت والخزف    ألسنة اللهب تلتهم ضريح حافظ الأسد    إحراق ضريح الرئيس السوري السابق حافظ الأسد في القرداحة    الملك يبارك عيد بوركينا فاسو الوطني    "ناقة" يحصد جائزة أفضل فيلم سعودي خلال سنة 2024    العدالة والتنمية يدافع عن الإبقاء على عقوبة الإعدام بعد عزم المغرب الموافقة على وقف تنفيذها    الرباط: تنظيم الدورة ال13 للمؤتمر الدولي 'الحوارات الأطلسية' من 12 إلى 14 دجنبر    الدار البيضاء: اختتام أشغال القمة المالية الإفريقية 2024    مناهضو التطبيع يستنكرون الحكم "التعسفي" في حق الغزاوي ويطالبون بإطلاق سراحه    المغرب وسوريا نظام آل الأسد.. من أجل مستقبل أفضل للعلاقات    لقجع يحسم الصراع المغربي الفرنسي على اللاعب أيوب بوعدي    معرض ألغاز وتجليات عودة هاروان ريد إلى بروكسل في مارس 2025    مكناس تحتضن بطولة وطنية مدرسية ناجحة في العدو الريفي    المؤبد وعقوبات مشددة لأسرة متورطة في جريمة قتل ودفن الأب داخل جدار    محاولة لفهم النتائج الجيوسياسية للعدوان الإسرائيلي على غزة    في ظل الصمت العالمي.. إسرائيل تواصل حرب الإبادة والتطهير العرقي في شمال غزة    المغرب جعل قضية الماء على رأس أولوياته (خبير فرنسي)    تفاصيل زواج الكوميدي المغربي المسيح بشابة روسية            الممثلة الهوليوودية باركر تلتحق بلجنة جائزة بوكر الأدبية    حملة تحسيسية لمحاربة السيدا بمدرسة ابن حمديس بآزمور    تحولات الاقتصاد العالمي وتحدي العمل اللائق    أسباب محتملة وأعراض .. ما المعروف عن "شلل النوم"؟    أبرز اهتمامات الصحف الإلكترونية    بطولة ايطاليا: الإصابة تبعد الجورجي كفاراتسخيليا عن نابولي    افتتاح مركز للتعليم العلاجي بالرباط    دراسة: كبار السن أكثر قدرة على استحمال ارتفاع الحرارة    حماية الحياة في الإسلام تحريم الوأد والإجهاض والقتل بجميع أشكاله    منظمة الصحة العالمية تعلن تفشي مرض غامض في الكونغو الديمقراطية    عبادي: المغرب ليس بمنأى عن الكوارث التي تعصف بالأمة    بلاغ لوزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية بخصوص استخلاص مصاريف الحج    توفيق بوعشرين يكتب.. "رواية جديدة لأحمد التوفيق: المغرب بلد علماني"    توفيق بوعشرين يكتب: "رواية" جديدة لأحمد التوفيق.. المغرب بلد علماني    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



في حاجة الدستور إلى نخبة حزبية ديمقراطية...
نشر في هسبريس يوم 02 - 06 - 2012

تسمح متابعة النقاش الجاري في الساحة السياسية بخصوص مشاريع القوانين المتعلقة بالتعيين في المناصب السامية داخل المؤسسات العمومية أو تلك المرتبطة ب »الضمانات الأساسية « للعسكريين أو دفاتر التحملات الخاص بالقطب السمعي البصري العمومي أو حتى قانون المالية نفسه، (تسمح) بمقاربة توصيفية أولية لكيفية تعاطي النخبة الحزبية /البرلمانية مع أولى محاولات التنزيل التشريعي والسياسي لمضامين الوثيقة الدستورية وما تستبطنه من صراع الهيمنة حول تقاسم السلطة بين الأطراف العاملة داخل المجال السياسي الوطني. كما تسمح لنا مختلف المواقف السياسية المعبر عنها بقياس مستوى الجرأة السياسية المطلوب توفرها في النخبة الحزبية في تمثل الحداثة السياسية والاجتماعية التي « بشّر» بها الدستور الجديد.
فالملاحظ عموما أن التردد و التذبذب وعدم الثقة في القدرة الذاتية هي السمة الغالبة على مواقف معظم الأطراف، بين أغلبية حكومية محافظة و متماهية إلى حد كبير مع الجوهر التقليدي للسلطة، وبين معارضة برلمانية تتراوح مواقفها بين من تميز بالجرأة و بين موقف اللاموقف فيما الباقي يتحرك بالإشارة... أهو الخوف من الدستور أم من الديمقراطية ؟
إن عدم وضوح النخبة الحزبية في مقابل جرأة الشارع، قد يكون مبعث قلق حيال مستقبل المشروع الديمقراطي الحداثي الذي يوجد اليوم رهينة نخبة سياسية /حزبية تعوزها الكثير من الشجاعة السياسية الواجب توفرها في منعطفات الانتقال الصعب نحو الديمقراطية.
من دون شك، فالدستور المغربي الجديد، سواء في هندسته العامة أو في مضمون مقتضياته (مقارنة مع ما سبق)، قد فتح إمكانيات تحول هائلة في اتجاه تحرير المجال السياسي ودعم استقلاليته و مأسسة ميكانيزماته الداخلية، كتعبير عن إرادة تعاقد تاريخي لإعادة تمثل الحداثة السياسية وتحديد أولوياتها ومستلزماتها بغاية استدراك التأخرالحاصل في سياق التطورات المتسارعة لقوى الإنتاج العالمية في ظل ما بات يعرف بعصر الكوسموبوليتيك.
ولئن كانت الأحزاب السياسية إحدى تجليات هذه الحداثة السياسية ونتاج لها في آن، فإن تجديد وظائفها، في سياق التحولات الاجتماعية الراهنة، لم يعد محصورا داخل شبكة علاقات فوقية مع مؤسسات الدولة لوحدها، بل يفرض الانتباه و العودة إلى عمق المجتمع وما يعتمل داخله من احتقان باتت تتسارع وثيرته و تتعاظم قوته المدمرة في حال تجاهل الطلب الحاد على الديمقراطية في جميع مستويات الوجود الاجتماعي. ففي السياسة، المجتمع هو المبتدأ والمنتهى وهو السند وأساس المشروعية.
فتمثل الحداثة السياسية في مجال مؤسساتي مغلق واكتفاء الأحزاب بتكثيف فعلها السياسي الاستقطابي في حدود دائرة الاستحقاق الانتخابي دون أي انفتاح تفاعلي على الحركات الاجتماعية و منظمات المجتمع المدني، قد يصيب مدلول الحداثة السياسية بشكلانية قاتلة. وبتعبير آخر، فعدم ربط الحداثة السياسية بالديمقراطية الاجتماعية وحواملها الثقافية وأسسها التربوية، قد يحمل بين طياته خطر إحداث القطيعة بين الأحزاب السياسية ومرجعياتها الاجتماعية، وتصبح، بدلا من ذلك، علاقة التبعية والتماهي مع السلطة هي أساس مشروعية الوجود، وتلك مشكلة فطام يصعب حلها...!
إن الحرص على تقسيم و إعادة توزيع جيد للسلطة داخل المجال السياسي، سيفتح أفق النخبة الحزبية على وعي جديد في السياسة فكرا وتنظيما و ممارسة، ويشكل بالنتيجة دعامة أساسية لمسار تحولها التدريجي إلى نخب مستوعبة لمجموع القيم التي تنمو على ضفاف الديمقراطية، بما في ذلك التسلح بحس نقدي و إقامة المسافة الضرورية مع الجوهر التقليدي للسلطة. لذلك، فدور النخبة الحزبية الحاسم في الانتقال بالوثيقة الدستورية من صنمية النص إلى الفعل السياسي الديمقراطي، يستلزم، قبلاً وشرطاً، أن تتحرر هذه النخبة ذاتها من أوهامها السابقة على النص الدستوري الجديد وممكناته.
من المؤكد أن عملية الانتقال الصعب هذه، بما هي عملية تحول تاريخي، تظل - في السياق المغربي- خاضعة في مجملها لمنطق تراكم بطيء تتحدد سرعته، وفق إكراهات زمن سياسي خاص مطبوع بمختلف أنواع التجاذبات داخل بنية اجتماعية عصية على التحديث. وعادة ما تصطدم الأحزاب السياسية، داخل هذه الدينامية، بكوابح ذاتية تجترها منذ زمن بعيد وتعيد إنتاجها عبر أجيال مناضليها، إذ تتعطل كل حركية داخلية ديمقراطية بأبعادها الوظيفية المتعددة، استقطابية، تأطيرية، تداولية...الخ. أما مأساة الأعطاب الذاتية للأحزاب، فتكتمل صورتها بالانهيار المعنوي والاندثار التدريجي للنخبة المثقفة الناطقة بلغة المشروع المجتمعي والضامنة لاستمرارية الفكرة السياسية؛ بعد تعرضها لعملية استبدال براغماتي لفائدة فئة ساسة المال والأعمال، أي الأعيان و التقنوقراط.
وإذا صح القول أن وجود الأحزاب السياسية ضروري للديمقراطية، فهذه الأخيرة - و بنفس القدر من الشرطية - ضرورية لاستمرارية الأحزاب نفسها في الوجود السياسي. لكن يستحيل مطلقاً لتنظيمات ترعى بداخلها تقاليد استبدادية وتُنسج بين أعضائها علاقات الاستتباع والطاعة، أن تكون حاملة لقيم ديمقراطية حداثية. فكيف لها، والحالة هذه، أن تؤثث خطابها السياسي بمطلب رفع القداسة عن الحاكم والتداول على السلطة و دمقرطة الدولة والمجتمع... !؟ فلو لم ينبع الاستبداد من قاع المجتمع (وأحزابه)، لما أمكن له أن ينتصر في نظام الحكم و أن يستقر في قمة الهرم، لأن فاقد الشيء لا يعطيه وذلك من جملة تحصيل الحاصل ليس إلاّ.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.