اعتبر سمير بنيس، مستشار سياسي في الأممالمتحدة وخبير في قضية الصحراء، أن المبعوث الأممي إلى الصحراء كريستوفر روس خرج عن نطاق مهامه عندما اتهم المغرب بالتجسس على بعثة المينورسو، مبرزا أن ماضي روس في الجزائر باعتباره كان سفيرا للولايات المتحدة هناك أفضى إلى انحيازه للموقف الجزائري المعادي للوحدة الترابية للبلاد. وقال بنيس رئيس تحرير جريدة Morocco World News، في الحوار الذي تنشره هسبريس، إن استمرار الأممالمتحدة في مطالبة طرفي النزاع بالتفاوض من أجل التفاوض فقط من دون تحديد أساس يتم التفاوض عليه، لن يفضي أبدا إلى أي تقدم في هذا الملف. وعرج الحوار على موضوع المستفيدين من إبقاء الوضع على ما هو عليه في الصحراء، حيث أوضح بنيس بأن أكبر الرابحين هم قيادة البوليساريو، ولوبيات العلاقات العامة التي تشتغل سواء لفائدة المغرب أو لصالح الجزائر والبوليساريو، علاوة على موظفي الأممالمتحدة العاملين في المينورسو. كيف تقرأ القرار المغربي بسحب الثقة من المبعوث الشخصي الخاص للأمين العام المكلف بملف الصحراء كريستوفر روس، وهل المبررات التي ارتكز عليها المغرب في قراره موضوعية؟ القرار الذي اتخذه المغرب كان صائبا جدا، إذ أظهر السيد كرستوفر روس أنه ليس هو الشخص المناسب لتقلد مسؤولية الوساطة بين المغرب والبوليساريو، بالإضافة إلى أنه لم يقم بشيء يذكر منذ تعيينه في بداية 2009، من أجل الدفع بعملية التفاوض إلى الأمام، وتحقيق تقدم ملموس من شأنه أن يساعد على التمهيد لإيجاد صيغة توافقية، فقد أصبح يتخذ مواقف معادية للمغرب، مما يتعارض مع مهمة الوساطة التي تم تعيينه من أجلها. وفي هذا الصدد، يجب الإشارة إلى أن ما جاء في التقرير الأخير للأمين العام، أخص بالذكر الادعاء بأن المغرب يتجسس على البوليساريو، لم تكن سوى النقطة التي أفاضت الكأس، فقد بدأ السيد روس يتجاوز مهامه ومهام بعثة المينورسو حينما بدأ يوحي إلى مجلس الأمن بضرورة إيفاد بعثة للتقصي بشأن مسألة حقوق الإنسان في الصحراء، في الوقت الذي ظل يتغاضى عن الضغط على الجزائر والبوليزاريو من أجل القيام بإحصاء عدد سكان مخيمات تندوف وتقصي وضعية حقوق الإنسان في المخيمات، مع العلم أن العديد من المنظمات غير الحكومية طالبت المنتظم الدولي بالنظر في الوضعية المزرية لسكان هذه المخيمات. وفي ظل هذه المعطيات، كان من الضروري أن يقوم المغرب باتخاذ موقف بهذا الشكل. برأيكم كيف سيكون موقف الأمين العام للأمم المتحدة؟، وأي رد فعل سيتخذه إزاء القرار المغربي خصوصا بعد أن أبدى تأييده وثقته في روس، ألا يعني ذلك إحراجا للديبلوماسية المغربية ورفضا لطلبها؟ كما تعلمون، مباشرة بعدما أعلن المغرب عن رفضه الاستمرار في التعامل مع روس، فقد قام الأمين العام بتأكيد ثقته في هذا الأخير، غير أن الأمين العام يدرك تمام الإدراك أنه لا يمكن استئناف عملية المفاوضات في ظل استمرار روس في منصبه وتشبت المغرب بعدم التعامل معه؛ فالتحرك الذي قام به الأمين العام كان طبيعيا بحكم أنه هو الشخص الذي عين روس، ومن غير المنطقي التوقع بأنه سيقوم في نفس اليوم الذي سحب المغرب ثقته فيه بإعفائه من منصبه. ونتذكر أن الأمين العام قد قام بنفس التصرف حينما عبرت البوليزاريو والجزائر في أواخر 2008 عن عدم نيتهما في التعامل مع المبعوث الأممي السابق بيتر فان والسوم، خاصة بعد التصريح الذي أدلى به هذا الأخير لجريدة البايسس الإسبانية، والذي قال فيه بأنه ليس واقعياً تصور إقامة دولة مستقلة في الأقاليم الجنوبية المغربية. ورغم أنه لا يمكنني التكهن بماذا سيقوم به الأمين العام للأمم المتحدة في الأسابيع القليلة القادمة، إلا أنني أتصور أنه سيقوم بتعيين شخص آخر مكان روس. اتهم روس في تقريره المغرب بعرقلة مهمة بعثة المينورسو والتجسس عليها، ما تعليقك على ما جاء في التقرير من اتهامات؟.. وهل من دور لعبته الجزائر في الملف؟ أعتقد أن السيد روس خرج عن نطاق مهامه حينما اتهم المغرب بالتجسس على بعثة المينورسو، مضيفاً أن ليس بوسع سكان الأقاليم الصحراوية التواصل مع البعثة. فمن خلال هذا الاتهام وغض نظره عما يقع في مخيمات تندوف وعن ثبوت تورط البوليساريو في عمليات تهريب المخدرات والاختطاف، بالإضافة إلى غض نظره عن الأصوات الأخرى في صفوف الصحراويين المتواجدين في تندوف، والذين يرفضون المسار المسدود الذي أدت إليه الطريقة التي أدار بها البوليساريو المفاوضات وعمله على إبقاء الحال على ما عليه. وإذا نظرنا إلى ماضي روس، باعتبار أنه كان سفيراً للولايات المتحدة في الجزائر، فليس مفاجئاً أن تراه منحازاً لموقف الجزائر والبوليساريو. أكيد أنه خلال الفترة التي قضاها في الجزائر نسج علاقات مع الطبقة الحاكمة في هذا البلد، وتم إشباعه بموقف الجزائر المعادي للوحدة الترابية للبلد. فمنذ تعيينه في 2009، شكك الكثير من المراقبين في قدرة روس على الدفع بالعملية التفاوضية إلى الأمام، بما يتماشى مع التقدم الذي تم إحرازه في ظل تقلد بيتر فان والسوم منصب المبعوث الشخصي للأمين العام إلى الصحراء. كيف تنظر إلى مستقبل قضية الصحراء في ظل المستجد الأخير؟، وهل لا زال الحل الأممي في نظرك ممكنا؟ إذا استمرت الأممالمتحدة في نفس النهج، أي مطالبة طرفي النزاع بالتفاوض من أجل التفاوض من دون تحديد أساس يتم التفاوض عليه، وتحديد جدول زمني لتحقيق تقدم وبناء أسس التوصل إلى حل سياسي مقبول من الطرفين، فلا أظن أنه سيتم تحقيق أي تقدم في هذا الملف. المشكل الذي يتخبط فيه هذا الملف هو أنه منذ مجيء روس أصبحنا نلمس أن مسألة التفاوض أضحت بالنسبة للأمم المتحدة هدفا في حد ذاته، عوض أن يكون التفاوض وسيلة للتوصل إلى الهدف المنشود. وهذا ما جعلنا نعيش في رتابة المفاوضات الغير الرسمية، التي أصبحت مملة إلى درجة أن لا أحد أصبح يعيرها أي اهتمام، بما أن المتتبعين يعرفون تماماً محتوى البيان الصحفي الذي سيلقيه المبعوث الشخصي للأمين العام عقب كل اجتماع غير رسمي. وإذا نظرنا إلى هذه البيانات الصحفية، سوف نرى أن نفس الكلام كان يُكرر خلال الجولات التسعة للمفاوضات الغير رسمية، التي أدارها السيد روس بشكل غير مهني، وأبان عن محدودية تجربته الدبلوماسية. الكرة الآن في ملعب الأممالمتحدة التي يجب عليها أن تعيد النظر في النهج الذي اتبعته منذ عقدين من الزمن، والذي برهن على أنه نهج غير صالح لحل ملف الصحراء المغربية. في رأيك من هم أكبر المستفيدين من استمرار الوضع على ما هو عليه؟ أول المستفيدين من الوضع الراهن هي قيادة البوليساريو، التي لا تزال تستفيد من كونها على رأس ما يسمى "حركة تحررية"، فبالنسبة لقيادة البوليساريو الإبقاء على المفاوضات في نقطة الصفر أكثر فائدة، ما داموا يستفيدون من الأموال الطائلة التي يحصلون عليها من الجزائر وجنوب إفريقيا والمنظمات غير الحكومية الداعمة للطرح الانفصالي. وكما قال Paul Coller، أستاذ الاقتصاد في جامعة أكسفورد في كتابه Wars, Guns and Votes, Democracy in Dangerous Places ( الحروب والمدافع والديمقراطية في أماكن خطرة)، في حالات الانفصال، في أكثر الأحيان، لا يُسمع صوت الشعب، فما يسمع الناس هو صوت القياديين الذين يجدون التمرد، والإبقاء على الوضع الراهن أكثر جاذبية من التوصل إلى تسوية نهائية. وهناك أيضا لوبيات العلاقات العامة التي تشتغل سواء لفائدة المغرب أو لصالح الجزائر والبوليساريو، فهذه اللوبيات تعتبر هذا الملف مصدر ربح طويل المدى في الوقت الذي لا تقدم فيه أية خدمة ملموسة من أجل مساعدة هذا الطرف أو ذاك على الدفع بموقفه إلى الأمام. ولو افترضنا أننا قد نتوصل إلى حل نهائي لهذا الملف في السنوات القليلة القادمة، فهذه اللوبيات سوف تكون من أكبر الخاسرين، ولذا فكلما لاح في الأفق أي أمل في التوصل إلى حل نهائي، تقوم بتحريك شبكتها من أجل إبقاء الحال على ما هو عليه. وهذا بالضبط ما جرى حينما قام المبعوث السابق للأمين العام إلى الصحراء "بيتر فات والسوم" بالإدلاء برأيه حول النزاع، قائلاً بأنه ليس واقعياً إقامة دولة مستقلة في الأقاليم الصحرواية، فقد تحركت اللوبيات التابعة للجزائر من أجل العمل على الضغط على الأمين العام من أجل الإيحاء إلى والسوم بضرورة تقديم استقالته، وتعيين مبعوث أممي آخر. وهذا إن دل على شيء فإنه يدل على أن قضية الصحراء أصبحت جد معقدة، إذ تتعارض فيها الكثير من المصالح وتتجاذب فيها الكثير من القوى التي ليست لها مصلحة في التوصل إلى حل دائم لهذا الملف. وبالإضافة إلى قيادة البوليساريو، موظفو الأممالمتحدة العاملون في المينورسو يعتبرون كذلك من أكبر المستفيدين، حيث إنهم يعتبرون العمل في بعثة المينورسو كما لو أنهم في .Club Med فخلال سنوات عملي في مجتمع الأممالمتحدة، تحدثت إلى العديد من الأشخاص الذين سبق لهم أن اشتغلوا في البعثة، حيث أبلغوني حرفيا أنه بالنسبة لأغلب موظفي الأممالمتحدة الذين يرغبون في العمل في بعثات الأممالمتحدة، فالمكان المفضل بالنسبة لهم هو بعثة المينورسو التي يعتبرونها وجهة من فئة خمس نجوم. وعلى العكس، فإن ضحايا هذا الوضع الراهن هم أولا سكان الأقاليم الصحرواية ومخيمات تندوف؛ فبينما يعيش سكان المخيمات في ظروف قاسية ويُحرمون من الحق في العمل وتصاريح التنقل بحرية داخل الأراضي الجزائرية في انتهاك للقانون الدولي، يعاني سكان الأقاليم الصحرواية من التضخم الناجم عن الرواتب المرتفعة التي يتمتع بها موظفو الأممالمتحدة، إذ تتسبب هذه الرواتب في ارتفاع أسعار السكن والسلع الأساسية. والضحية الثالثة هي عامة الشعب المغربي، إذ أن استمرار هذا النزاع يعرض استقرار البلد للخطر، ويشكل استنزافا لموارده المالية ويضعف تواجده الدبلوماسي على واجهات أخرى، فلولا مشكلة الصحراء لكان للمغرب حضور متميز على الساحة الدولية.