دخلت العلاقة بين المغرب والمبعوث الأممي الخاص في نزاع الصحراء الأمريكي كريستوفر روس مرحلة القطيعة، بعدما أعلنت الحكومة المغربية سحب ثقتها رسميا من روس يوم الخميس الماضي بسبب التحيز لوجهة نظر الطرف الآخر. وبذلك يكون المبعوث الأمريكي الجديد واحدا من سلسلة من المبعوثين الذين لم يتمكنوا من إكمال طريقهم والوصول إلى حل للنزاع بين الطرفين، بسبب التداخلات الكبيرة بين ما هو تقني يتعلق بمتابعة الملف وإنجاز تقارير محايدة فيه، وما هو سياسي يحول المبعوث الأممي إلى طرف في النزاع بدل أن يكون حكما ناقلا للوقائع إلى الأمين العام للمنظمة الدولية. وقد سبق للمبعوث الأممي السابق، الهولندي بيتر فان والسوم، أن قدم استقالته مدفوعا إليها بعد تعرضه للابتزاز من طرف جبهة البوليساريو، وكان في استقالته اعتراف ضمني بصعوبة هذا الملف، الذي توالى عليه العديد من المبعوثين دون أن يتمكنوا من تحقيق أي إنجاز على الأرض. ويظهر أن المغرب كان يتعامل مع المبعوثين الأمميين على اعتبار أن المفاوضات هي الأساس، ولم يكن يدرك بأن وراء تلك المفاوضات يكمن عمل طويل من «اللوبيينغ»، الذي يحرك الخيوط من وراء الستار بأموال الغاز الجزائري، من أجل عرقلة جميع المساعي التي من شأنها أن توصل إلى حل نهائي وطي الملف الذي استمر قرابة أربعة عقود، وإعادة الملف في كل مرة إلى نقطة الصفر. الحكومة المغربية اتهمت كريستوفر روس بعدم الحياد في إعداد تقريره المتعلق بنزاع الصحراء، وهو التقرير الذي يعد في ضوئه الأمين العام لمنظمة الأممالمتحدة تقريره النهائي حول النزاع والتوصيات المرافقة له. وقد حاول روس أن يخرج مهمته من جانبها التقني الصرف لكي يمنحها الطابع السياسي، عبر التأكيد على ضرورة أن تلعب الهيئة الأممية لمراقبة وقف إطلاق النار في الصحراء(مينورسو) دورا سياسيا يتمثل في متابعة تطورات الأوضاع المرتبطة بحقوق الإنسان في الأقاليم الصحراوية، وهو ما يعني تحويل هذا الملف إلى ورقة للتوظيف بيد جبهة البوليساريو، لكون توسيع مهام المينورسو لتشمل ملف حقوق الإنسان كان مطلبها منذ البداية، بالرغم من أن المبعوث الأممي ظل يتفرج باستمرار على التقارير الدولية الصادرة حول أوضاع حقوق الإنسان في مخيمات تندوف، والتصفيات التي تجرى هناك فوق التراب الجزائري، دون أن يستطيع استصدار قرار واحد من الأممالمتحدة حول تلك الممارسات اللاإنسانية. وكان المبعوث الخاص يتعمد التقليل من خطورة تلك التجاوزات التي تحصل في مخيمات تندوف مقابل تضخيم الأحداث التي تجرى في الأقاليم الجنوبية للمغرب، بشكل يضرب مصداقية المهمة المكلف بها في الصميم، ويجرده من النزاهة المفروضة في موظف أممي مسؤول في ملف إقليمي شائك له تداعيات خطرة على أمن واستقرار المنطقة، وليس على المغرب وحده، لأن ملف الصحراء بمثابة برميل بارود يمكن أن يفجر حربا جديدة في المنطقة إذا لم يتم تدبيره أمميا بشكل محايد، وإذا عجز المبعوث الخاص عن أن يكون وسيطا جيدا. ويبدو أن روس كان يسير في اتجاه تعبئة موقف المنظمة الدولية، من خلال تقاريره، لصالح الطرف المعادي للمغرب، ممثلا في البوليساريو ومن خلفها النظام الجزائري، من أجل استخراج «صك إدانة» بتوقيع أممي لإرجاع الملف إلى نقطة البداية والتشكيك في كل المسار الذي حققته المفاوضات، بالرغم من أن هذه المفاوضات تحولت في الجولات الأخيرة إلى جلسات لتزجية الوقت، إذ لم يكن يتم فيها تحقيق أي إنجاز يذكر. ذلك أن المبعوث الأمريكي حاول توجيه الاتهام إلى السلطات المغربية ب«قطع الاتصالات» بين مقر بعثة المينورسو الأممية في مدينة العيون وبين مقر الأممالمتحدة بنيويورك، والتجسس على البعثة، وهو ما يعني رفع مستوى الأزمة لكي تصبح أزمة بين المغرب والأممالمتحدة، وتوجيه الإدانة إلى الطرف المغربي. ويظهر أن استمرار تصلب مواقف الطرفين في المفاوضات حول النزاع طيلة الفترة الماضية، التي تولى فيها الملف كريستوفر روس، قد أقنعت هذا الأخير بضرورة تحريك القطار المتجمد، على حساب المغرب، إذ ربما بات يبدو لخصوم الوحدة الترابية المغربية أن الحل الوحيد الممكن بعد سنوات عدة من طرح المبادرة المغربية للحكم الذاتي في الصحراء -التي حازت تأييدا دوليا- هو وضع المغرب في «مأزق» باعتبار أن هذا المأزق هو الطريق الوحيد الذي سيشجع الأممالمتحدة على الضغط على المغرب ووضع منهجية جديدة للتفاوض تلغي حتى المبادرة المغربية من أساسها، باعتبار أن تلك المبادرة قد شكلت بعد طرحها عام 2007 ضربة قاصمة للبوليساريو والجزائر، لأنها المرة الأولى التي يضع فيها طرف في النزاع إطارا للحل قابلا للتفاوض حوله.