شاءت الأقدار الإلاهية أن يعود "سفيان الأزمي" الطالب المختفي منذ 17 يوما إلى منزله بفاس أمس الإثنين 21 ماي 2012، بالتزامن مع عرض المغرب لتقريره الوطني الشامل حول وضع حقوق الإنسان بالمغرب، وذلك بمدينة جنيف السويسرية في إطار الدورة 13 لمجلس حقوق الإنسان الأممي. ومساء اليوم الثلاثاء دافع وزير العدل مصطفى الرميد أمام المنتظم الأممي عن مسار تعزيز حقوق الإنسان بالمغرب، وتضمن التقرير المغربي الرسمي الذي عرض اليوم الثلاثاء 22 ماي 2012، بالحرف ما يلي، "من الآن فصاعدًا، يضمن الدستور الحماية من التعذيب"، واعتبر أن هذا الموضوع "يشكل مصدر قلق رئيسي للسلطات المغربية". اليوم نقف عند حالة تعذيب جديدة لمواطن مغربي، فماذا سيكون موقف السيد الوزير، والحقيقة أن المعطيات المتوفرة خلال اليومين الماضيين، تجزم بأن الطالب "سفيان الأزمي"، عضو منظمة التجديد الطلابي، وحركة التوحيد والإصلاح، "تعرض للتعذيب بمخفر الشرطة وبمستشفى للأمراض العقلية"، وطيلة أيام اختفائه، حسب ما صرح به المعني بالأمر. وقبل الحديث عن سيناريوهات الحادث، أمام تضارب المعلومات والروايات، وصمت السلطات الأمنية والحكومية، نقف عند المعطيات التالية، والتي ستسمح بقراءة موضوعية لما حدث، معطيات جزء مُهم منها نستقيه من شهادة أسرته المدونة في تقرير رسمي لمنتدى الكرامة لحقوق الإنسان، وكذا تصريحات لسفيان الأزمي ولأسرته بعد عودته للمنزل. فالطالب سفيان الأزمي لم يعرف عنه بين زملائه وأسرته أنه مضطرب نفسيا ولا مختل عقليا ولم تظهر أي أعراض لذلك قبل اختفائه. كما أنه اختفى منذ يوم السبت 5 ماي 2012، حيث سافر إلى مدينة الدارالبيضاء، لزيارة خاله، وكان آخر اتصال له بوالدته على الساعة الرابعة صباح الأحد 06/05/2012 مخبرا إياها عزمه العودة إلى فاس ولم يستطع الوصول عند خاله لأسباب مادية. وسبق لأسرة الطالب المختفي العائد إلى منزله، أن تلقت مكالمة هاتفية من ابنها لحظة وجوده بسلا، يوم الأحد 6 ماي، أي يوم واحد بعد الاختفاء، فسافر الوالد إلى مدينة سلا وقصد مخفرا للشرطة قيل له أن ابنه يوجد به، فنفى المسؤولون الأمنيون وجود المختفي لديهم أو علمهم بمكان تواجده، إلا أن مسؤولا أمنيا أكد لوالد سفيان الأزمي بأن الرقم الهاتفي الذي اتصل به الابن بالأسرة بعد يوم من الاختفاء، هو "خط هاتفي من أرقام مديرية التراب الوطني"!. بالموازاة مع ذلك نفت المصالح الأمنية آنذاك، بالدائرة الأمنية التي قصدها أب سفيان، أي علم لها بمكان وجود الطالب المختفي، كما نفت أن يكون اسمه ورد ضمن الموقوفين أو أن يكون اسمه ورد بمحضر أمني. وأمام هذا الموقف الغامض، تدخل منتدى الكرامة لحقوق الإنسان، وراسل وزير العدل والحريات وأعد تقريرا حول الموضوع، وإثر ذلك وبعد أيام أصدر الوكيل العام للملك لدى محكمة الاستئناف بفاس بلاغاً، يأمر فيه بإجراء "بحث معمق" في الموضوع ابتداء من الجمعة الماضي 18 ماي 2012، وأفاد بأنه سيتم الإعلان عن نتائج البحث فور انتهاء أطواره، وذلك بناء على الشكاية التي سجلها والد المعني بالأمر لدى الجهات المختصة. وبعد ثلاث أيام من بلاغ الوكيل العام للملك، اتصلت موظفة بالمستشفى بأسرة الطالب المختفي، أي صبيحة أمس الإثنين، وأخبرتهم بوجود ابنهم بالمستشفى، ليسافر والد سفيان الأزمي على عجل إلى مدينة سلا، وتسلم ابنه وعاد به إلى مدينة فاس، وطُلب منه التوقيع على وثائق لم يتعرف على محتواها، وطُلب منه أيضا أداء مبلغ 200 درهم عن كل ليلة قضاها ابنه بالمستشفى، وسلمت له ورقة تتحدث عن دخول ابنه للمستشفى يوم 6 ماي 2012، أي بعد يوم واحد من مغادرته لمدينة فاس، فتسلم ابنه في دقائق وعاد به إلى مدينة فاس، وتشير معطيات دقيقة إلى أن مصالح الأمن بسلا هي من سلمت الطالب المختفي إلى المستشفى. ثم أخيرا، من خلال المعاينة والاستماع إلى الطالب المختفي، الذي ظهرت عليه اضطرابات نفسية جعلته يدخل في حالة هذيان بين الفينة والأخرى، مما عجل بإحالته على طبيب نفسي بمدينة فاس، يتضح أن سفيان الأزمي تعرض للتعذيب وظهر ذلك جليا في أنحاء متفرقة من جسده، وأكد بنفسه أنه تعرض ل"تعذيب مستمر طيلة أيام اختفائه"، وكان يمنع من الصلاة وتم تصفيد يديه ورجليه، وكان يحقن بالأدوية كلما طلب وقتا للصلاة. أما رواية ما حدث بلسان المعني بالأمر، فتقول بأن سفيان الأزمي، سافر يوم السبت 5 ماي من فاس إلى البيضاء، واضطر إلى العودة في اليوم الموالي بعد انقضاء ما بحوزته من نقود، فاتصل بوالدته على الساعة الرابعة صباحا يخبرها بعزمه العودة إلى فاس، ثم سافر أولا إلى سلا وطلب من عامل نظافة بمحطة الحافلات منحه مبلغا ماليا مقابل ساعة يدوية شخصية، من أجل تأمين سفره إلى فاس، وجلس ينتظر الحافلة وهو يقرأ القرآن بصوت مرتفع، قبل أن توقفه مصالح الأمن وتقتاده إلى مخفر أمني، فحررت مصالح الأمن محضرا أمنيا له، لكنه امتنع عن التوقيع عليه. بعد سرد للمعطيات، يمكن القول أن هناك سيناريوهين لا ثالث لهما: أولها أن سفيان الازمي بعد مغادرته لمدينة فاس، أصيب بمرض نفسي حاد، فعاينت دورية أمنية بسلا حالته الصحية فأحالته على مستشفى الأمراض العقلية، والمعطيات التي كشف عنها بخصوص تعرضه للتعذيب غير موثوقة، على اعتبار أنه في حالة مرضية لا تسمح بأخذ تصريحاته بعين الاعتبار، وأن ما يشهد عليه جسده من آثار التعديب، ناتج عن تدخل حراس المستشفى بسبب عدوانيته الناجمة عن حالته النفسية. ثاني السيناريوهات، أن الطالب سفيان الأزمي تعرض لعملية اختطاف، بعد أن ضبط متلبسا بقراءة القرآن بصوت مرتفع بمحطة الحافلات بسلا، بعد فجر يوم السبت 6 ماي، فتعرض لعملية استنطاق من طرف المخابرات المغربية، وامتنع عن توقيع محضر أمني، وأحيل على مستشفى للأمراض العقلية، كوسيلة لحفظ ماء الوجه، بعد أن تناولت الخبر مختلف المنابر الإعلامية، وتم تبني الملف حقوقيا، ودخل وزير العدل مصطفى الرميد على الخط، وأعلن الوكيل العام للملك بمحكمة الاستئناف بفاس عن فتح تحقيق في الموضوع. دون ترجيح الاحتمال الأول أو الثاني، نطرح عددا من الأسئلة. فالطالب سفيان الأزمي دخل المستشفى يوم 6 ماي، والمعطيات تؤكد أن مصالح الأمن هي من سلمت الأزمي للمستشفى، فلمذا التستر على الأمر؟، مع العلم أن وكيل الملك فتح تحقيقا في الموضوع، ومذكرات أمنية صدرت بخصوصه، عممت على كل المدن المغربية، ولماذا تأخر إخبار الأسرة بتواجد الإبن بالمستشفى 15 يوما؟!!، ما مصير المحضر الأمني الذي رفض سفيان الأزمي التوقيع عليه؟، هل أحيل على وكيل الملك، أم أن وكيل الملك لم يخبر أصلا بتوقيف سفيان من طرف مصالح الأمن، ولم يحل عليه المحضر الأمني. ثم من اتخذ قرار نقله من مخفر الشرطة إلى مستشفى الأمراض العقلية؟ وهل كان بالفعل سفيان الأزمي مريض عقليا ويستحق أن يلج مستشفى للأمراض العقلية؟ ثم متى كان الأمن المغربي خلال دورياته اليومية يلقي القبض على المشردين والمرضى النفسيين ويحيلهم على مراكز العلاج؟، -عفوا وبعد 24 ساعة فقط من مغادرته لمنزله-، ولنستمر في التساؤل ونترك لمن يهمه الأمر البحث عن الإجابات، إدارة المستشفى احتضنت سفيان الأزمي بطلب من مَن؟، مع العلم أن الفصل الثاني عشر من الظهير الشريف لسنة 1959، بشأن الوقاية من الأمراض العقلية ومعالجتها وحماية المرضى المصابين بها، تحدث عن أن "الوضع تحت الملاحظة الطبية يباشر بطلب من المريض أو بطلب من كل شخصية عمومية أو خصوصية تعمل لفائدة المريض أو لفائدة أقاربه، أو تلقائيا بمقرر من العامل فيما إذا كان المريض يكون خطرا على أقاربه أو على النظام العمومي أو أصبح في حالة خلل عقلي تجعل حياته في خطر". أضف إلى ذلك أن الفصل الخامس عشر من نفس الظهير الشريف، يقول أن الشخص الذي يطلب إقامة المصاب بمرض عقلي بالمستشفى أو وضعه تحت الملاحظة الطبية يجب عليه "أن يصحب هذا المريض مدة الطور الإداري والطور الطبي للقبول قصد إعطاء جميع المعلومات المقيدة"، فمن صاحب سفيان الأزمي طيلة فترة إقامته التي حددت في 15 يوما من طرف إدارة المستشفى؟، ثم الوضع الصحي الحالي للطالب سفيان الأزمي جد متدهور، وهو في حالة نفسية خطيرة استدعت إحالته على عجل على طبيب مختص بفاس، فهل كان على إدارة المستشفى أن تخلي سبيله وهو في تلك الوضعية، والفصل الثامن عشر من نفس الظهير الشريف يقول، أن "طبيب الأمراض العقلية المتولي معالجة المريض ينهي فورا وبدون موجبات إقامته التلقائية بالمستشفى وكذا وضعه تلقائيا تحت الملاحظة الطبية، وذلك إذا تحسنت حالته وكانت ملائمة لخروجه"، فهل تحسنت حالة سفيان الأزمي أم ساءت؟، أم أن الأمر مرتبط بالحد الأقصى لمكوث المريض في مستشفى للأمراض العقلية، والذي حدده القانون في 15 يوما، حيث -ومن الصدف!- أنه صبيحة اليوم 15 لتواجد الأزمي بالمستشفى، حسب رواية الإدارة، يتم إخبار الأسرة من طرف موظفة بوجود الإبن بالمستشفى ليوضع حد لمعاناة استمرت 16 يوما!! ثم السؤال الأهم، هل فعلا دخل سفيان الأزمي المستشفى بعد يوم فقط من اختفائه أم أنه كان في مكان ما يعلمه الله. أسئلة وغيرها يفترض أن يجيب عنها تحقيق قضائي نزيه وشفاف، ينتهي بالضرب على أيدي المتورطين في عملية التعذيب ومعاقبتهم ومحاسبتهم، ويكشف عن حقيقة ما وقع، ويحدد المسؤوليات بين الأجهزة الأمنية وإدارة مستشفى الأمراض العقلية، والتي رفضت الحديث في الموضوع، واعتبرت أن ذلك من سر المهنة. *صحفي مغربي [email protected]