ما أجمل أن يكون لبلدك رئيس حكومة يتقن لغة الطبخ والأكل بكل أصنافه . فقد تفيده هذه الموهبة في صياغة جمل مفيدة خلال مناسبة ما .. دبلوماسية كانت أم لا . لكن ما أخطر أن تختلط الأشياء على رئيس حكومة بلدك بل و ما أخطر أن يخلط بين منصبه كرئيس لحكومة بلد ورئيس حزب سياسي ينضم تحت لواءه البعض ويخالفه في الرأي آخرون. والأخطر من هذا وذاك أن يعتقد السيد رئيس حكومة المغرب أن موضع الألفاظ ودلالاتها ومعانيها لن تحتسب عليه في منصبه الرسمي. فخلال زيارته المرتجلة إلى الجارة إسبانيا وهو في طريقه للقاء جالية العدالة والتنمية ببرشلونة توقف السيد بنكيران في مدريد وعلى عجل تمت برمجة لقاءات من مستوى عال شملت الملك خوان كارلوس ورئيس الحكومة والبرلمان فقال السيد بنكيران الشيء الكثير وقبل الخدود يمنة ويسارا ثم حط رحاله في برشلونة ليخاطب رجال الأعمال الإسبان قائلا : " لديكم الباييلا ولدينا الكسكس .. " داعيا إياهم لتناول كسكسنا متى أرادوا. واختزل السيد بنكيران حجم كل الملفات العالقة بين المغرب وإسبانيا في جملة لا محل لها في القاموس الدبلوماسي والسياسي ولا تدل عن وعي رصين لدى السيد بنكيران بدلالة ما تنبس به شفتاه من كلام. لكن وما دام كلام رئيس حكومتنا لم يخرج عن حدود ما لذ وطاب من الأكل سوف أغتنم هذه الفرصة لأقترح على جنابه أن يعين السيدة شميشة وزيرة له في الشؤون الخارجية. وأنا على يقين بأن معلوماتها في فنون الطبخ أكبر فلربما يفضل رجال الأعمال في كاتالونيا أصنافا أخرى من الأكل غير الباييلا التي هي في الأصل أندلسية وكلنا يعلم حجم الكراهية التي يكنها الكاتالونيون لسكان جنوبإسبانيا لدرجة أنهم ينعتونهم ب ( الشرنيكوس ) والدخلاء وسلالة المرورس ( المرويسكيين ) . فقد كان أولى برئيس حكومتنا دعوتهم لأكل الصوصيص الحار المغربي لأن أهل برشلونة وكاتالونيا عموما يفتخرون بأنهم بلد ( البوتيفارا ) أو الصوصيص الكاتالاني وأنا على يقين بأن صوصينا أحسن من صوصيهم وللأذكياء حرية فك الألغاز والرموز. أما لو تشبث السيد بنكيران في خطابه وقفشته ( الحامضة ) بالمقارنة بين الكسكس المغربي والباييلا فلا مانع لدي أن أقترح عليه هذه العبارة التي لو أنه قالها لفهم الإسبان معناها ولتوقفت الصحافة الإسبانية عندها للتأمل مليا. كان أولى بك يا سيدي رئيس الحكومة أن تقول لهم بأن المغاربة يحبون أكلة الكسكس لكنهم يقدرون عشق الإسبان للباييلا وهي الأكلة التي لا يمكن تحضيرها بدون سمك وخصوصا الرخويات التي تزخر بها شواطئنا من الداخلة بالصحراء المغربية جنوبا إلى سبتة ومليلية شمالا .. ثم وجه لهم الدعوة لأكل الكسكس باللحم أو الدجاج أو السمك.. ساعتها كان رجال الأعمال الإسبان سيفهمون نكتتك ويدركون أنك تتقن النكت السياسية الهادفة والغمز بحمولة مطلبية وطنية لا يغفلها سوى مستعمر متغطرس. لكنني قد أتفهم تناسيك لهذه الجزئيات بحكم إنشغالك ببرنامج زيارتك إلى برشلونة والذي سيطر عليه هاجس حزبي تنظيمي بحت فأنساك الشيطان الحوت في مفرق البحرين. كان الله في عونك .. فمهمة تأطير الجالية المغربية بإسبانيا ( 400 ألف مهاجر ) ليست سهلة وقد تنسيك أشياء كثيرة لعل أهمها الشبهات المحيطة بالموقف الإسباني في قضية الصحراء وتشبثهم باستعمار سبتة ومليلية وتطاولهم على جزر لصيقة بترابنا الوطني. وأنا على يقين لو أنك عدت لمراجعة الصحف الإسبانية لأدركت أنهم تهكموا وسخروا من كلامك. فتوقف عن التنكيت قليلا أو إستعن برجالات النكتة الهادفة واللائحة طويلة بين يديك.