رغم ما حققه المغرب من تقدم و تغيير في عهد محمد السادس، لا بد أن نختبر حدود الحقيقة، لأننا لسنا ساذجين و لا عدوانيين و لا حاقدين..هناك عدد من الأشياء لا بد أن تقال جهرا من أجل تعميم الفائدة. المناسبة هي زيارتنا، أمس السبت 19 ماي 2010، لأهرمومو، القرية / المدينة المنسية بين الجبال، والتي فرضت عليها الظروف السياسية وأحداث بداية السبعينات تغيير لقبها لتصبح رباط الخير مباشرة بعد 1971. أما سبب الزيارة، فهو لقاء تواصلي سياسي وتنظيمي مع سكان المنطقة، اللقاء الذي تم على ضوء الشموع بسبب انقطاع التيار الكهربائي، حضره الأمين العام الوطني لحزب الأصالة و المعاصرة، ورئيس المجلس الوطني وبعض أعضاء وعضوات المكتب السياسي، وممثلو الحزب بكل من جهة فاس بولمان ومكناس تافلالت، ومناضلات ومناضلو إقليمي فاس وصفرو، بعد لقاء تنظيمي جمع الجهتين صبيحة أمس السبت 19 ماي، وتأسيس أمانة إقليمية بإقليم مولاي يعقوب. لقاء اختاره الأصالة و المعاصرة للفت الانتباه إلى هذه القرية المنسية، التي لم يزرها ولو زعيم سياسي و احد منذ 1971. وهو كذلك، لقاء تواصلي مع الساكنة والمستشارين والبرلمانيين و شباب و نساء الحزب في المنطقة، من أجل الإنصات و التفاعل مع أمال وطموحات أوسع جماهير المنطقة، صرخة في وجه التهميش والحكرة و النسيان والعقاب والحرمان و كل أصناف الاستبعاد الاجتماعي. ما خالجني في اللحظة التي وصلنا فيها إلى هذه القرية/ المدينة الطيبة، هي الشعارات الرنانة التي بقيت عالقة في ذهني لكل الحكومات السابقة بما فيها حكومة عبد الإله بنكيران، وعباراتها الاستهلاكية المليئة بالأناشيد والشعائر، والتي كان من نتائجها هذا النموذج الحي، الذي يشبه العشرات من قرى و مدن المغرب: قرية/مدينة، أحدثت خلال التقسيم الإداري سنة 1992، لها مؤهلات سياحية هائلة، كونها تطل على جبل بويبلان وجبال الأطلس المتوسط من الوجهة الجنوبية. قرية/مدينة،لها حدود جغرافية واسعة تؤهلها للاستفادة من خيرات و ثورات الجهة المحسوبة عليها، جهة فاس بولمان. ونحن نستمتع بجمالية طبيعتها، و نسمع لقصص تاريخ أمجادها و أبطالها، وعراقة ثقافتها وحضارتها، و دفء و طيبوبة سكانها، قلت مع نفسي: "لا زالت بعض مناطق المغرب يمكن اعتبارها مناطق منكوبة جغرافيا وتاريخيا واقتصاديا و إداريا و اجتماعيا و ثقافيا و رياضيا". نساء ورجال، شباب و أطفال، يدفنون يوميا أحلامهم، آلام الحيض والولادة فوق ظهر الدواب، قساوة العيش، تعاسة الشيوخ والمتقاعدين، إذلال جماعي، يأس عام، إحباط شامل، مرارة في طعم الحياة، تجاهل تام، نسيان متعمد من خارطة التنمية، نقص في البنيات الأساسية التحتية منها و الفوقية، مرارة و جور، خزان للجندية و للهجرة الموسمية و جيش كامل من المتقاعدين و المتقاعدات. قلعة تاريخية للمقاومة و التحرير، جغرافية تحيط بها قبائل أمازيغية أصيلة مثل بني وراين وأيت يازغة و أيت غروشن سيدي علي و مرموشة.. وإذا كانت مهمة المؤرخين، إلقاء الضوء على المناطق المظلمة في تاريخ بلادنا، فان المعاينة المباشرة والسياسة في الميدان تمكننا من الوقوف على الظلام الدامس الذي يعم قرية/مدينة رباط الخير (أهرمومو التي تعني بالأمازيغية الشبل، صغير الأسد) من أجل أمل متجدد، يخرج البلاد من الظلام إلى النور، وأولها رد الاعتبار عاجلا لأهرمومو، و إطلاق أوراش خطة مستعجلة لإنقاذ ما تبقى للساكنة من أمل في مغرب اليوم. إن مثل هذه المناطق المغربية المنكوبة، التي لا زال التيار الكهربائي ينقطع فيها كلما هب الريح أو تهجمت السماء أو كلما تعرضت "غزة الفلسطينية" للقذف، كما قال أحد النشطاء، أو التي لا زالت تفتقر للمستشفى رغم بلوغ سكانها أزيد من 20 ألف نسمة، أو التي لا زالت عرضة لأحوال الطقس ولغضب الطبيعة، و المقصية من مشاريع التنمية، ومن حقها في جبر الضرر الجماعي، نظرا لما عانته من معاناة أيام الجمر والرصاص/ أيام كانت العديد من مناطق المغرب تعيش الرفاه الاقتصادي و السلم الاجتماعي والتقدم التكنولوجي..ألخ، يجب أن تعلن من أجلها حكومة بنكيران حالة طوارئ لحل مشاكلها. إن إبقاء أوضاع هذه المناطق على حالها، هو استمرار التمزقات إنسانية ناجمة عن التباين بين مغربين و بين القانون وتطبيقاته. أنه و عي يقظ واختبار مستمر لأدواتنا و لمناهجنا ولقناعاتنا بأن الوطن لكل المغاربة مهما اختلفنا فيما بيننا. إنها مهمة مستعجلة، لان المغاربة لا زالوا ينتظرون من الدولة الحماية والتغطية والعناية. كما أن الحق في التعليم و الصحة و الماء و الكهرباء و السكن و الشغل.. حق من حقوق الإنسان. إننا لا نريد من الحكومة الحالية أن تنهج طريق السياسة الطويلة الأمد: سياسة نسخ الحكايات، وكأننا أمام حكاية "ألف ليلة و ليلة"، أو حكاية الأشرار يعاقبون، والأخيار يجازون.. إن العلامة و الفيلسوف و المؤرخ و رجل الدولة، ابن خلدون، مهما ما ينسب إليه من تدين وتشبث بحكم الشريعة، لكن جانب الأخلاق الدينية لديه لا تأتي في المقام الأول. فالمسألة في نظره، كما ورد ذلك في العديد من الدراسات، ليس كون الظلم شرا في حد ذاته فحسب، بل انه يقوض على المدى البعيد السير الاجتماعي والسياسي والاقتصادي للمجتمع. إن ثقافة المصلح الديني الداعي إلى "تغيير المنكر" استندا إلى التأويل والتشريع الديني، لن يقودنا إلا لتكريس مزيدا من الخضوع وإعادة إنتاج كل أشكال اللامساواة. إن ما يريده المغاربة جميعا هو حقهم في ثروة الوطن ماداموا حراسا لشرعيته. إن الحق في المواطنة الكاملة هو الطريق الوحيد لحفظ النظام وحماية المصلحة العامة ومصلحة الدولة نفسها. وفي انتظار زيارة أخرى تحت أضواء الكهرباء، أقول لكل سكان رباط الخير تصبحون على وطن.