شهدت مدينة غرداية فيضانات هائلة بتاريخ 1 أكتوبر 2008 والتي خلفت دمارا شاملا وكارثة إنسانية حقيقية لم تشهدها المنطقة من قبل تتمثل في ضحايا بالعشرات ومنكوبين بالآلاف. ثمانية أيام بعد ذلك وبتاريخ 8 أكتوبر 2008 صدر قرار وزاري مشترك بالجريدة الرسمية رقم 58 والذي أعلن على إثره 9 بلديات من ولاية غرداية مناطق منكوبة، و هذا بعد لقاء مجلس الحكومة بتاريخ 7 أكتوبر2008 ، وقد خلف هذا القرار ارتياحا كبيرا لدى المنكوبين. وبالعودة إلى المرسوم التنفيذي رقم 90-402 المؤرخ في 15 ديسمبر 1990 والمتضمن تنظيم صندوق الكوارث الطبيعية والأخطار التكنولوجية الكبرى والذي يصرح في المواد 3 و 6 و7 منه، بأنه بعد إعلان إقليم ما منطقة منكوبة رسميا فإن تعويضات المنكوبين، ضحايا الكوارث الطبيعية تدفع من هذا الصندوق المخصص لمثل هذه الحالات. ولكن بعد مرور أكثر من 20 شهرا على الكارثة مازال غالبية المنكوبين يعانون ويقاسون من ثقل البيروقراطية وطول الإجراءات ولكن أخطر ما في الأمر هو: 1 - الظلم والإجحاف وضياع حقوقهم الذي لحق بهم على إثر القرار الجريء الذي اتخذته السلطات المحلية وعلى رأسها الوالي والذي يتلخص في أن" المنكوبين ستعطى لهم إعانات من صندوق السكن وليس تعويضات من الصندوق الوطني للكوارث الطبيعية" وهذا في تحد واضح وخرق كامل للقرارات و للمراسيم التنفيذية المذكورة أعلاه، وبهذا: - يحرم كل منكوب من حقه الدستوري والقانوني في التعويض المناسب والعادل، للضرر الذي لحق بأملاكه. - ويحرم كل منكوب من أي تعويض أو حتى أي إعانة إذا استفاد من إعانة ما للسكن سابقا. - ويحرم كل منكوب من التعويض إذا استفادت زوجته التي تملك عقار منكوبا من إعانة ما. 2- قبول السلطات المحلية لتصنيفات بعض الفرق التقنية للعقارات المنكوبة والتي أقل ما يقال عنها أنها عنصرية ومثيرة للسخط والتذمر والتعجب، ورفضت كل الطعون المقدمة ضدها : فمساكن منكوبة موجودة في أحياء غمرتها مياه الفيضان إلى أكثر من أربعة أمتار وفقد سكانها كل ما يكسبون، لم يستفيدوا ولو بدينار رمزي من التعويضات. وفي نفس الوقت فإن مساكن موجودة في أحياء أخرى معروفة لم يمسها ولم تدخلها قطرة من مياه الفياضان، استفاد أصحابها من أقصى التعويضات !!. 3- خرق قرارات مجلس الحكومة، وخاصة الفقرة السادسة، وهذا بإلغاء حق المواطن من الاستفادة من التعويض للكراء وإجباره على السكن في الشاليات التي بناها المقاولون بعدد يفوق الاحتياجات... فبالرغم من النداءات والتظلمات والشكايات وحتى الاحتجاجات التي قام بها المواطنون باسم الجمعيات والتنظيمات المختلفة وحتى الأحزاب السياسية المعتمدة، إلا أن دار لقمان بقيت على حالها. لماذا هذا التحدي و كل هذا الظلم؟ لماذا هذا الخرق للقوانين والمراسيم؟ هل صارت كل ولاية عبارة عن جمهورية مستقلة أو إمارة إقطاعية، يتصرف فيها المسؤول الأول بكل حرية، ينفذ ما يشاء من قوانين الجمهورية ويلقي في سلة المهملات ما لا يروق له منها، بل وصل الأمر إلى سن ما يشاء من القوانين !! بدون رقيب أو محاسب فما بالك بمعاقب. وحتى إذا جاءت لجنة تحقيق ما أو لجنة للمحاسبة فسيكون مقر إقامتها و ضيافتها ومأكلها ومشربها هو مقر الولاية !! ومجال تحقيقاتها لا تخرج عن دائرة معينة من الإدارات والمصالح المترابطة بعضها ببعض ويكون الوالي هو قمة الهرم بصفته المسؤول الأمني الأول على مستوى الولاية. فمن يحقق مع من؟ ومن يحاسب من؟ ومن سيعاقب من؟ وهكذا ضاعت الملايير من الدينارات الموجهة أصلا للمنكوبين بين المسؤولين و المقاولين والوسطاء من مختلف الرتب !! أما المواطن المنكوب الذي ضاع شقى عمره بين عشية وضحاها ورأى بصيصا من الفرج وفسحة من الأمل ساعة إعلان غرداية منطقة منكوبة، صار لا يعرف هل هو يعيش في جمهورية اسمها الجزائر أم في إمارة إقطاعية اسمها غرداية !. د/كمال الدين فخار كاتب ومناضل من أجل الديمقراطية وناشط في الدفاع عن حقوق الإنسان