ساهمت التساقطات المطرية الأخيرة التي عرفتها مناطق واسعة من المغرب , وخاصة الشمالية منه , في الكشف عن الوضع الهش للبنيات التحتية والمرافق الحيوية , فصور الدمار الذي خلفته التساقطات غنية عن التعليق . "" ففي كل المدن التي تساقطت فيها الأمطار بدا واضحا فيها حجم اللامبالاة والعشوائية التي يتم بها تبدبد المال العام , في مرافق وبنيات تحتية قابلة للاقتلاع من جذورها في أي وقت .وقد اشتركت جميع هذه المدن في صورة أقرب إلى أن تكون من مخلفات إعصار قد مر منها وخلف وراءه مناطقا منكوبة تنتظر إعلان حالة الطوارئ .
وجولة خاطفة في شوارع وأزقة مدن أجمل بلد في العالم بعد توقف الأمطار تعطي للمرء فكرة عن الصورة الحقيقية والهشة التي توجد عليها المدن المغربية .
صور الأوحال والحفر والمستنقعات وانهيار القناطر وتشقق الطرقات واقتحام الأمطار لمساكن المواطنين وللمنشآت العمومية وتعطل شبكة أنابيب الصرف الصحي ... كان هذا هو حال مدن كالناظور والفنيدق وسلا وإمنتانوت وغيرها ...فأي وضعية يمكن أن يتصورها الإنسان لو أن إعصارا كإعصار كاترينا كان قد مر من مدن بمثابة مدن ورقية مفتوحة على جميع الاحتمالات ؟
وبامنتانوت تحولت الأفراح إلى أتراح العيد ، فالأمطار العاصفية ليست وحدها من تسببت في مقتل شخصين وتكبد المواطنين لخسائر مادية فادحة . وإنما الإهمال الذي دفع المواطنين إلى الاحتجاج ولكن احتجاجهم قوبل مرة أخرى بالقمع الذي اعتادت عليه الجهات اللامسؤولة . وشخصيا لم أكن أنتظر غير ذلك , وخاصة وأنا أستحضر كارثة مجمع المنال ومحرقة ليساسفة والتي وقع لضحاياها ماوقع لليهود في المحرقة النازية , فحينما تتفحم عشرات الجثت ويقابل كل ذلك باستهتار بأرواح البشر وقدسيتها فإن الأمر يضعك أمام صورة معكوسة لواقع مغربي مرير .
وهنالك ميزة توحد المدن المغربية وتجعل من مجالسها المنتخبة كالبنيان المرصوص ، فخاصية الزواق واستنبات الأشجار في دقائق معدودات كلما تعلق الأمر بزيارة ملكية تعطي مؤشرات تدل على أن مدن المغرب قد لايختلف حال سكانها المحسوبين ظلما وعدوانا على مغرب الخير والنماء , ومغرب الألفية الثالثة , عن إنسان العهد الحجري .
فأي أثر للدولة المدنية ومؤسساتها لم يظهر على امتداد واختلاف المدن المتضررة . وقد اختار أحد رجال الأمن بالناظور طريقة خاصة , ولكن من أجل أن يرهب المواطنين وليس من أجل مساعدتهم كما يحدث في أي بلد يعطي للإنسان قيمته الوجودية , فعوض أن يبادر بمساعدة المتضررين بادر إلى إشهار مسدسه في وجه ضحايا "المزوقين الجدد " , والذين كادت أن تسبب حيلهم في المس بسلامة الملك وتعريض حياته للخطر عندما سقط عمود إنارة بمدينة الدارالبيضاء بالقرب منه .
وإذا كان الواجب الإنساني والأخلاقي والإسلامي يفرض على محمد السادس وعلينا جميعا أن نتضامن مع باقي الشعوب المنكوبة , وهو ماقام به العاهل المغربي وهو يراسل جزائر بوتفليقة ويعرب عن تضامن المغرب مع الجزئر على إثر مأساة فيضانات غرداية .
فإنه من غير المقبول تماما أن يغيب صوت الملك عما وقع لعدد من المدن المغربية وما عرفته من كوارث ... فالملك الذي ينهج الصرامة في المؤسسة العسكرية ولا يقبل أن يعرف مسارالجيش اختلالات - ونحن مع هذا الطرح - ,عليه أن يوازن بين المدني والعسكري . وليس ذلك بغضبات الملك , لأنه لا يمكننا أن نتصور مسؤولا عن ممتلكات المواطنين وأرواحهم يقوم بواجبه خوفا من غضبة ملكية قد تأتي وقد لا تأتي.