ينظر بعض الناس إلى الربيع العربي بمزيج من التخوف والرهبة، ذلك لأن ما يصاحب التغيير من الإحساس بعدم اليقين يجلب مشاعر القلق وعدم الاستقرار، وخصوصا عندما يكون هذا التغيير مصحوبا بتدهور في الوضع الأمني. لكننا في بريطانيا ننظر إلى الربيع العربي من منظور بالغ الإيجابية، حيث نراه على أنه عملية تحول طويلة الأمد، وهي عملية تتمحور في الأساس حول أن شعوب المنطقة يطالبون بحقوقهم المشروعة، بما فيها كرامة الإنسان والحريات السياسية والاقتصادية التي ينشدونها. لقد حرمت هذه الشعوب من تلك الحقوق لفترة طويلة جدا. والربيع العربي بمثابة فرصة لتصحيح هذا الخلل وتغيير المجتمعات نحو الأفضل، وهذا هو السبب وراء دعمنا الكبير لعملية التغيير هذه. إن مسار التغيير ذو طابع فريد في كل دولة من دول المنطقة، حيث يعكس الخصائص السياسية والاجتماعية المختلفة لكل من هذه الدول. فلا يوجد نموذج موحد للمشاركة السياسية التي يطالب بها الشعب، والأمر متروك لكل شعب من شعوب المنطقة لرسم مستقبله بنفسه. لكن رغم اختلاف وتميز رحلة ومقصد كل دولة من هذه الدول، إلا أنها تتشارك جميعا في قاسم مشترك. فقد أظهر الربيع العربي أنه لا يوجد أية تناقض بين احترام الثقافة والتقاليد الفريدة لكل بلد وبين حق الشعوب في المشاركة في الحياة السياسية والاقتصادية لبلادهم. ومن المحتم أن يكون طريق التغيير محفوفا بالصعاب وأن تكون هناك الكثير من التحديات الماثلة أمام كل بلد. وستحمل السنوات المقبلة في طياتها مزيجا من الانتكاسات والإنجازات. لكن ضخامة هذه المهمة ليس من شأنها سوى أن تعزز من أهمية مساعدة الشعوب العربية على بناء مؤسساتها، وإعانتها على فتح آفاق اقتصاداتها وتأسيس مجتمع مدني قوي، حيثما كان هذا العون مطلوبا. ولكن ينبغي ألّا تحجب هذه التحديات عن أعيننا التطورات الإيجابية التي شهدناها حتى الآن، بل والتي لم يكن ليتسنى لأحد أن يستبصر حدوث معظمها قبل عامين: ففي تونس، شهدت أول برلمان منتخب ديمقراطيا منذ الخمسينيات من القرن الماضي، وتشغل النساء 24% من مقاعده؛ وفي ليبيا، تم تشكيل حكومة جديدة بعد 40 عاما من انفراد رجل واحد بسدة الحكم؛ وفي المغرب أجريت انتخابات حرة في ظل دستور جديد، وجرى تعيين رئيس وزراء اختير من أكبر حزب في البرلمان الجديد. لقد أوضحنا صراحة بأننا سنتعاون مع هذه الحكومات الجديدة التي هي أكثر تمثيلا وأكثر شرعية وأكثر خضوعا للمساءلة، بغض النظر عن ميولها السياسية، طالما أنها تحترم المبادئ الأساسية للديمقراطية وتنبذ العنف وتحترم المعاهدات الدولية. وكان لبريطانيا الشرف بوقوفها إلى جانب العالم العربي والمغرب بينما يخطو شعبها نحو مستقبله. فقد خصصت بريطانيا، من خلال برنامج الشراكة العربية، 110 مليون جنيه استرليني من المساعدات لمنطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا على مدى أربع سنوات. وقد دعمنا حتى الآن مشاريع كلفتها 5 ملايين جنيه استرليني في 11 بلدا بأنحاء المنطقة. وشملت هذه المشاريع تقديم الدعم لإجراء انتخابات حرة ونزيهة في تونس ومصر، والعمل مع الشركاء في مختلف أنحاء المنطقة لإرساء مبادئ الشفافية وتعزيز سيادة القانون. إننا هنا في المغرب فخورون بالعمل في إطار شراكات وثيقة مع الحكومة المغربية ومنظمات المجتمع المدني المغربية لدعم عملية الإصلاح الجارية فقد استثمرت السفارة البريطانية خلال السنة الماضية 5 مليون درهم لدعم عدد من المشاريع التي تهدف إلى الرفع من المشاركة السياسية والنقاش العام إضافة إلى مكافحة الفساد. لقد دعمنا منظمات محلية غير حكومية لإدارة النقاش بشأن مضامين الدستور الجديد خاصة ما يتعلق بحرية التعبير والرأي وتنفيذ السلطات الجديدة للمواطنين فيما يتعلق بالعرائض المذكورة في الدستور، كما أننا قدمنا المساعدة التقنية إلى الحكومة المغربية وإلى مؤسسة الوسيط للمساعدة في مجال مكافحة الفساد مما ساهم في خلق حوار جديد بين الحكومة والمجتمع المدني حول قضايا الفساد والشفافية، بالإضافة إلى أننا أنشأنا بشراكة مع المجلس الثقافي البريطاني شبكة وطنية من المحللين السياسيين المغاربة الشباب والذين سيعملون قريبا على تقديم توصياتهم التي أعدوها بكل عناية والمتعلقة بالسياسة العامة للحكومة المغربية. أما برنامجنا لسنة 2012 فسيكون أكبر من هذا ونأمل أن نستمر في لعب دور صغير في دعم الإصلاحات في المغرب. إن العمل الذي بدأه الربيع العربي سيتطلب أجيال لإكماله. لكن بريطانيا عاقدة العزم على دعم هذا التغيير على المدى الطويل. نحن ننظر إلى المستقبل، ونحرص على مرافقة المغرب في رحلته نحو التغيير. *سفير المملكة المتحدة بالمغرب