تولي الحقيبة وحمل الحقيبة هل تحتاج البلاد إلى مستشارين؟! هل يحتاج وزراؤنا، رؤساؤها وقياديونا إلى مستشارين وأعضاء ديوان وحواريين.. الدنيا من شرقها إلى مغربها، من طوكيو إلى فيلاديلفيا، من باريس إلى نواديبو وحيثما كانت هناك مسؤولية رسمية هناك مستشارون ودواوين، وليس اليوم فقط، بل منذ الأزل كان الملوك والوزراء ممن تؤول إليهم أمور "الدولة" وقيادة الجيش وولاية الأرض محتاجين إلى مقربين عبارة عن "خدام" أو موالين يستشيرونهم في أمور الحكم أو الجيش حتى في الخلافات التي تنشأ هنا وهناك.. وقد تمتد الاستشارة إلى ما يرتبط بنساء البلاط أو نساء الدار، نعم النساء يحتاج أمرهن إلى مستشارين "حكماء" وبصفات خاصة، وإلا اشتعلت الحرب التي لا طاقة "لنابوليون ولهارون الرشيد وللخليفة العثماني ولإمبراطور روما وبيزنطة.. بها!". ثم جاءت العلوم السياسية، وجاء منطق الدولة الحديثة وأصبح الدستور قانون أسمى يعين أو ينتخب باسمه رؤساء الحكومات ويعين بموجبه أعضاء الحكومات (هم في الحقيقة مستشارون موكول إليهم تسيير قطاعات، إلى جانب رئيس الدولة بناءا على اختيارات المواطنين ممن أدلوا بأصواتهم في ترجيح كفة هذا أو ذاك، يعني وسيلة أو منطق ذكي يسمى "الديمقراطية" لتمكين الأحزاب والجماعات من المشاركة في إدارة دفة الحكم.. ولذلك فإن تسمية "مستشار" ليست بتسمية اعتباطية بدليل المهمة التي يمكن أن تسند للمعني بالأمر داخل دواليب الدنيا.. مستشار الأمن القومي بالولايات المتحدةالأمريكية.. منصب ترتعش له الفرائص.. ويهاب جانبه رئيس الدولة نفسه الذي كان سبباً في تعيينه! وتهابه باقي الأنظمة الدولية، بمعنى أن "المستشار" أصبح رهن إشارة عامة نظام الدولة، أكثر منه رهن إشارة رئيس الدولة، وهذا في الحقيقة عين الصواب، حينما يتم تعيين شخص ما في ديوان ما، إنما يصبح مستشاراً بشكل مباشر لدى الرئيس أو الوزير أو الملك وبشكل غير مباشر فهو مستشار لدى الأمة، لدى مؤسسة الدولة، لدى المصلحة العامة للدولة بمكوناتها المعلومة في القانون الدولي، يعني مواطنون ومؤسسات ونظام وهياكل، ولأهمية الدور الاستشاري فإن الأمر لم يعد محصورا عند البنيات الكلاسيكية لأفراد أو أعضاء الدولة، بل إن منظمات دولية وشركات عابرة للقارات تتخذ لنفسها مستشارين يتقاضون أجورا خيالية أكبر بكثير من أجور رؤساء الدول أنفسهم، فقط من أجل استشارات في هذا الاتجاه أو ذاك.. ما ينطبق على هذه "المهنة" بشكل شامل وأوسع ينطبق عليها أيضا بشكل أضيق وأدق، في بلادنا مؤسسات تحتاج إلى مستشارين، نظامنا السياسي والاقتصادي يسمح بمستشارين حكوميين ومحليين وإقليميين وجهويين.. ولدينا آلاف المؤسسات المالية والتجارية وغيرها تحتاج إلى خبراء ومستشارين كما أن هناك منظمات غير حكومية تلجأ إلى هذا النوع من "الوظيفة".. وما يهمنا في قصة هؤلاء المستشارين أولئك الذين يحيطون بالوزراء ولا شيء غير الوزراء، ليس لأن الأمر فيه حساسية بالنسبة لباقي المؤسسات ولكن فقط لأن الحديث عن الدواوين يغدي الصحف ومقرات الأحزاب مباشرة بعد كل تعيين حكومي، والحال أننا نعيش فترة "استقطاب" أو تعيينات في مختلف المؤسسات التي عقبت الانتخابات الأخيرة، فرئيس الحكومة يكون ديوانه ورئيس مجلس النواب أيضا، والوزراء منهم من أنهى تشكيلة فريقه الخاص ومنهم من ينتظر.. لا يوجد في القانون ما يجبر الوزير أن يفصل في فريقه داخل أجل ما.. ولو أن الأمين العام للحكومة قد استعجل الوزراء في تمكينه من لائحة كل وزير، ربما للأمر علاقة بالتصريح بالممتلكات، إذ أن أعضاء الديوان حسب القانون المشار إليه مطالبون أيضا بالتصريح بممتلكاتهم قبل أو مباشرة بعد تعيينهم.. الدواوين الوزارية حقيقة قصة الدواوين الوزارية ذات شجون، ليس لأن الأمر يتعلق "بِهَمْزَة مَا.." ولكن لأن الأمر يتعلق بتداخل الحزبي والمصلحي والولائي وأحيانا الضغط ثم الصداقة والزمالة والعائلة وهلما جراً من الامتيازات أو الأسباب التي تكون وراء تعيين فلان أو علان لدى الوزير أو هذا المسؤول السامي أو ذاك..! في واقع الأمر، وبناء على المرسوم الذي يشرع قانونا لاختيار أعضاء الدواوين، فإن هؤلاء المستشارين يوضعون رهن إشارة الوزير لتسيير المهام المنوطة بعضو الحكومة، ولذلك فهو محتاج بطبيعة المنصب السياسي بالأساس إلى رئيس للديوان وكتابة خاصة ومستشار في شؤون البرلمان ومستشار مكلف بالاتصال ومستشار تقني وربما مكلفين بالدراسات أو مكلفين بمهام، بالإضافة إلى سائق وبعض الأعوان، الفئة الأولى هي ما يهم في هذا الحديث.. القانون يفرض توفر هؤلاء على مستوى تعليمي ربما لا يقل عن الإجازة، للقيام بالمهام المنوطة على أحسن وجه، والمنطق في الأشياء أن يختار الوزير بناء على هذه المعايير ديوانه من بين الناس الذين يقاسمونه نفس التوجه والذين تتوفر فيهم الشروط المنصوص عليها قانونا، فلا عيب في أن يختار هذا الفريق من نفس الحزب الذي ينتمي إليه، بل إن الأمر مطلوب لتنزيل البرنامج الذي على إثره تم تأهيل الحزب لتولي الوزارة وتم تعيين الوزير بإسمه لتطبيق البرنامج الذي حاز على ثقة الناخب! ولا عيب أيضا أن يلجأ الوزير إلى خدمات كفاءات ربما لا تنتمي إلى نفس الحزب أو غير محزبة أساسا إذا كانت هذه الكفاءات موافقة على الاندماج في الخطة التي يريد الوزير تنزيلها.. ففي آخر المطاف الوزير محتاج إلى من يسدي إليه المشورة في كيفية إنجاح وجهات نظره، وليس في معارضته أو تأزيم وضعيته.. أو إضافة متاعب أخرى إلى متاعبه، وهذا ما يفسر أحيانا "الطرد" الذي يتعرض له بعض المستشارين من قبل وزرائهم.. حالات الانفصال في مثل هذا السياق موجودة وثابتة، ولا يُحتكم فيها إلى بنود قانون الوظيفة العمومية.. ببساطة لأن المعني بالأمر لا يعتبر موظفا عموميا وهذا ما يخلق ذلك الخلط الذي يسري هنا وهناك بأن هناك محاباة وامتيازات وعدم المساواة وتكافؤ الفرص في تعيين فلان دون فلان.. الوزير لديه حرية مطلقة في تعيين من شاء وفصل من يشاء والثناء على من شاء، لا محدد لهذه العلاقة إلا الكفاءة والانضباط والولاء.. نعم الولاء والإخلاص، لأن هذا التعيين مرتبط فقط بالوزير ومدة ولايته.. وبمجرد ما تنتهي مهام الوزير الرسمية، تنتهي مهام ديوانه بشكل تلقائي، وهذا ما كان يفسر سابقا بعض الامتيازات التي كان يحظى بها أعضاء الدواوين، من قبيل الأجر المحترم الذي كان يوازي أجرة مدير مركزي، ومن قبيل الوضع الاعتباري لعضو الديوان الذي يرسم مسارا لامعا إلى جانب الوزير، فيؤهله هذا المسار إلى تولي مهام أخرى وربما إلى تولي مسؤولية وزارة ما كما حصل مع العديد من الأسماء.. أما اليوم فإن الأمر محرج حقيقة.. في الوقت الذي يطالب فيه أعضاء الديوان بالتصريح بالممتلكات فإن أجورهم تكاد توازي أجور الموظفين في السلم الحادي عشر.. أما إذا تمت المقارنة مع أجور القطاع الخاص أو ما يحصل عليه مستشارون في بقاع أخرى، فحدث ولا حرج.. إلى درجة أن الدواوين أصبحت غير مؤطرة بشكل جيد كما كان يحصل في السابق.. فالتعويض غير مُغْر ليتفرغ المستشار إلى خدمة وزيره.. والأمثلة غير معدمة في هذا المجال، وزير العدل مصطفى الرميد ما فتئ يحدث بالصعوبة التي يلاقيها في البحث عن صحفي مستشار يقبل بما تجود به خزينة الدولة، وهناك حديث من طرف بعض أعضاء الحكومة الحالية على مراجعة هذا الأمر.. إجمالا هذه بعض المظاهر "السليمة" في الحديث عن الديوان، غير أن الموضوع يحتمل أمراضا حقيقية، تصرفات "مشينة" أحيانا، إلى درجة أن العضوية في الديوان أصبحت "سبة" ولا قيمة لها.. التاريخ أيضا يعترف بدونية هذه المناصب.. لن نذهب إلى هامان.. في صفوف الدولة العثمانية على عهد أحد الأمراء كانت هناك "وزارات" بأكملها توصف بالديوان.. ولذلك كان هناك ديوان المال.. أي وزارة المال وديوان البحر، أي وزارة الخارجية.. وديوان الحرب أي وزارة الدفاع.. وديوان البصاصين.. أي وزارة الداخلية.. لكل مفردة معناها والمهمة الفعلية المقابلة لها. ديوان البصاصين! ديوان البصاصين أو ديوان البص.. معناه ببساطة ديوان المراقبة الداخلية لما يجري بين العباد وداخل البلاد.. ومعناهُ بوقاحة ديوان "التبركيك" يعني التبليغ عن كل شادة وفادة.. السلطة المركزية يجب أن تتوصل بكل التفاصيل عن أحوال الناس وتحركاتهم وأنشطتهم.. عن مظلومياتهم وشكاويهم.. عن آلامهم وأفراحهم وما ينطبق على عامة الناس ينطبق على خاصتهم.. الولاة والعمال والمندوبون عن السلطان يحتاجون إلى مراقبة مستمرة لوزن مدى إخلاصهم في أداء مهامهم.. الأمر نفسه ينطبق على الديوان.. أعضاء الديوان مطالبون في الزمن الأغبر، بأن يكونوا أعين الوزير وأذنيه وربما زبانيته وحوارييه عضو الديوان الذي يملك رأيا حزبيا مخالفا لوزيره، لا مستقبل له،عضو الديوان الذي يتمسح بالسيد الوزير صباح مساء يمكنه أن يأمل في غدٍ أحسن، عضو الديوان الذي "فيه الفهامات بزاف" يمكن أن يصبح عضواً بالأجر والمكتب أُوبَسْ، يعني لا علاقة له بتاتا بملفات الوزارة ولا الملفات التي انتدب من أجلها، ولذلك نسمع عن أعضاء دواوين أشباح، يعني أن هناك أعضاء لا حاجة للوزير بوجودهم، لا يحبهم ولا يعرفهم ولا يروقون له ولكن تم "قبولهم" بناء على مسطرة حزبية أو بناء على خطإ في التقدير يوم التعيين أو بناء على وساطة ما.. فيتم نبذهم مثل زوجة المتعوس "لا هي امْرةَ.. لا هي اعروس..!!" ويتم الاحتفاظ لهم بالصفة والأجرة صونا لكرامة أو لوضع اجتماعي مؤلم أو شيئاً من هذا القبيل، ولذلك نسمع البعض يتحدث عن "الدواوين المدلولة..". بطبيعة الحال احتملت دواويننا مظاهر أخرى، من قبيل العائلة، كأن يعين الوزير زوجته لدى صديقه الوزير ويعين الصديق إبنه لدى زميله الآخر، والأمر سيان، هذا يعتبر استغلالاً للنفوذ والتواء عن الاستحقاق، ولو كانت الزوجة أو الإبن عباقرة زمانهم، ولو كانوا مناضلين فإن التعفف ودفع الشبهات أحسن من أجرة هزيلة يتقاضى الزوج والأب أضعاف أضعافها.. أعضاء الحكومة الحالية خصوصاً البيجيدي للتو يتأقلمون مع هذا الوضع، بعض الاختيارات ذهبت إلى جلب نواب سابقين، قضاة "مظلومين" أو مغضوب عليهم، صحافيون "sous-marin" يعني لم يكن لهم لون سياسي فيما سبق.. وبمجرد أن تم تعيين الحكومة الملتحية أصبحت لهم ميولات حزبية.. أطلق الله سراح صديقنا رشيد نيني.. قال لي ذات يوم: "هناك من ينتظر "تولي" الحقيبة.. وهناك من ينتظر "حمل" الحقيبة..! [email protected]