عند انتهاء كل ولاية حكومية، يخرج الوزراء المغاربة بحقيبة ممتلئة بمال دافعي الضرائب كجزاء نهاية الخدمة. حقيبة ستصل قيمتها عند نهاية عمل حكومة عباس الفاسي إلى ما يناهز 10 ملايير و140 ألف درهم، مقسمة على جميع الوزراء. منهم من يكتفي بهذه الحقيبة، ومنهم من يطلب الاستفادة من معاش تكميلي أو كلي إلى أجل غير مسمى. "أوال" تسلط الضوء على جيوب وزراء سابقين، بعضهم قبل الحديث في الموضوع، وآخرون قائلين: "بقي فقط للصحافة أن تبحث في جيوبنا". "أثناء جلسة حميمية بين الملك الحسن الثاني وبعض الوزراء السياسيين، استفسر الملك عن أحوال عبد الله إبراهيم، الذي كان على رأس الحكومة الرابعة ما بين سنتي 1958 و1960، فقيل له إنه يعيش ضائقة مالية، فأمر الملك أن يخصص لعبد الله إبراهيم معاش خاص"، هكذا يروي مصدر "أوال" سبب نزول الظهير المتعلق بوضعية الحكومة وتأليف دواوينها سنة 1975. ظهير أبريل 1975 المعدل سنة 2008 يضمن للوزراء، بعد انتهاء مهامهم الحكومية، أجرا شهريا يساوي أجره العادي، وفي بعض الأحيان يكون هذا الأجر تكميليا لأجرهم في المهنة الجديدة، هذا بالإضافة إلى جزاء نهاية الخدمة. الامتيازات سالفة الذكر، تدفع بعض أعضاء المكاتب السياسية للأحزاب إلى التسابق نحو المقاعد الوزارية المخصصة للحزب، كما أ,ضح ذلك مصدر "أوال" المطلع على خبايا مكتب سياسي لأحد الأحزاب. "في إحدى الجلسات المخصصة لاختيار أسماء لمنصب وزاري في اجتماع لقيادة حزبه، شرع عضو قيادي في حساب دخله ما بعد الاستوزار، ليبرهن أنه الأحق بهذا المنصب من غيره نتيجة وضعيته الاجتماعية"، يروي نفس المتحدث. هذا الأخير، الذي قال إن: "العضو الحزبي الذي كان يتنقل بين زملائه وبيده ورقا وقلما وآلة حاسبة كان سيصاب بانهيار عصبي، وهو يريد إقناع الحضور بضرورة اختيار اسمه، إلى درجة ذرفت معها دموعه في لحظة من اللحظات". مشهد هذا "المناضل" يختزل في طياته رغبات بعض السياسيين في الحصول على "الحقيبة المالية"، وليس الحقيبة الوزارية.
ورغم وجود وزراء حاليين وسابقين يرفضون تقاضي أجر أو جزاء نهاية خدمة مثل إدريس جطو الوزير الأول السابق، وعزيز أخنوش وزير الفلاحة الحالي، وعثمان الدمناتي وزير الفلاحة السابق... وآخرون ليس لهم بالفعل دخل قار مثل ما جرى مع عبد الله إبراهيم، إلا أن هناك عينة من السياسيين، قال عنهم سعد الدين العثماني، عضو الأمانة العامة لحزب "العدالة والتنمية"، إن "لهم هاجسا ماديا ومنصبيا أكثر من الهاجس الوطني لخدمة البلاد، وهو ما يدفعهم للتفكير في ما بعد الاستوزار، وليس في ما يمكن أن يقدموه للمنصب الذي سيتقلدونه".
في مقابل هذا الرأي، يرى بعض السياسيين والوزراء السابقين أن من حق الدولة أن تمنح معاشات تكميلية لوزرائها، ومن بينهم عبد الكريم بنعتيق، الوزير الأسبق، وأمين عام "الحزب العمالي"، الذي صرح ل"أوال" بأن "المعاش التكميلي للوزير السابق يجب التعامل معه إيجابيا، إذ إنه يحفظ كرامة الوزير".
ثمن المغادرة
إذا كانت الميزانية الحالية لجزاء نهاية الخدمة وللمعاش الشهري للوزراء السابقين ليس مخولا الاطلاع عليها من طرف وسائل الإعلام، أ, حتى من طرف أطر في وزارة المالية، فلأنها تدخل ضمن المصاريف العامة للدولة، التي لا تحظى بأهمية كبيرة في مناقشة قانون المالية. شيء أكده مصدر ل"أوال" في وزارة الاقتصاد المالية. "بصريح العبارة، الدولة تتكتم حول الموضوع من جميع الأطراف، لذلك يصعب الحصول على تفاصيل أكثر من حوالي 200 وزير وأرملة وزير، وقيمة المعاش التكميلي المخصص لكل فرد منهم" يضيف نفس المصدر.
أول ما يتقاضاه الوزير بعد مغادرة كرسيه هو جزاء نهاية الخدمة، الذي يناهز 32 مليون سنتيم بالنسبة للوزير الأول، و26 مليون سنتيم بالنسبة للوزير العادي، أما كاتب الدولة فيتقاضى 20 مليون سنتيم، أي ما يعادل، حسب الظهير المنظم، الأجر الأساسي لعشرة أشهر من الخدمة. إذا أسقطنا هذه الأرقام على الحكومة الحالية (بالتعديل الحكومي)، فانتهاء مهامها سيكلف الخزينة العامة للدولة ما يقارب 10 ملايير و140 ألف درهم.
أما عن المعاش الشهري، فإذا كان للوزير السابق عمل قار فالدولة تمنحه معاشا تكميليا يحسب من خلال أجره كوزير دون احتساب الامتيازات مضروبا في واحد ونصف. وعلى سبيل المثال إذا كان الوزير يحصل من خلال أجره الجديد على أجر قدره 15 ألف درهم، فالدولة ستمنحه 24 ألف درهم، ليصل دخله الشهري إلى دخله الوزاري السابق. وهي حالة الوزير السابق عبد الكريم بنعتيق، الذي أكد في تصريحه ل"أوال" أنه "لازال يتقاضى ما قدره 24 ألف درهم كمعاش تكميلي". وأضاف بنعتيق: "أنا لا أخفي ما أتقاضاه من طرف الدولة، فهي أموال عمومية وكل وزير يجب أن يعترف بها".
وإذا فاق الدخل الجديد للوزير السابق أجره الحكومي فلن تمنحه الدولة معاشا. في المقابل إذا لم يكن للوزير السابق أجر قار بعد انتهاء عمله الحكومي فسيتقاضى أجره الوزاري مضروبا في واحد ونصف، تضاف إليه، إذا اقتضى الأمر، تعويضات عن الأعباء العائلية. للإشارة فدخل الوزير يساوي 26 ألف درهم إضافة إلى 34 ألف درهم عبارة عن امتيازات وتعويضات، دون احتساب الخصم الضريبي.
وفي حالة وفاة الوزير، تستفيد عائلته من نصف المعاش الذي كان يتقاضاه، يقسم حسب قانون الإرث على أرملته وأيتامه وأبويه اللذين يعولهما عند الاقتضاء، كما ينص على ذلك الظهير.
وليستفيد الوزير من كل هذه الامتيازات يجب ألا يقل عمله داخل الحكومة عن 6 أشهر. كما يلزمه دفع طلب مكتوب للوزير الأول يتضمن دخله الشهري، وبعد ذلك يتوجب عليه وضع تصريح بالشرف سنويا يتضمن إقرارا بالمداخيل التي يحصل عليها. مصدر "أوال" أفاد بأن "هناك وزراء يتلاعبون بالتصريح بالشرف، وبعضهم له مهن لا يمكن التدقيق في مداخيلها كالفلاحة، كل هذا للاستفادة من المعاش التكميلي".
أما في حالة ما إذا تحول الوزير إلى كاتب للدولة، فلن يستفيد من الفرق في الأجر المتمثل في 6آلاف درهم بين الوظيفتين. شيء أكد عليه مصدر ل"أوال"، مشيرا إلى أنه: "ليس هناك أي قانون يمنع من أن يتقاضى كاتب الدولة الفرق في الأجر".
والغريب في الأمر أن العديد من الوزراء الذين اتصلت بهم "أوال" من أجل أخذ رأيهم وتصريحاتهم في الموضوع لم يرغبوا في الحديث عملا بالمثل الفرنسي القائل: "لا يجب التحدث عن المال"، ومنهم وزير سابق له تاريخ في المشهد السياسي المغرب أجاب وهو يصرخ قائلا: "بقي فقط للصحافة أن تبحث في جيوبنا"، وأقفل هاتفه.
التأمين هو الحل
في الوقت الذي يرى فيه مصدر "أوال" أن تعويض نهاية الخدمة كاف لتدبير مرحلة مؤقتة ما بعد الوزارة، يوضح عبد الكريم بنعتيق أن معاش نهاية الخدمة واجب منحه لكل وزير يطلبه. بنعتيق يوضح وجهة نظره بالقول: "الوزير الذي يترك منصبه بغية الاستوزار لن يستطيع العودة إلى نفس المنصب، إما لأن المنصب طرأت عليه مجموعة من التطورات التقنية، ولا يستطيع مسايرة الركب خصوصا في القطاعات الخاصة، أو أن المنصب الذي شغله قبل الاستوزار لا يستطيع الاشتغال به نتيجة أنه صار شخصية عامة".
سعد الدين العثماني، القيادي في حزب "العدالة والتنمية، أكد أن حزبه ضد المعاشات التكميلية للوزراء السابقين، مشيرا إلى أنها "طريقة لصرف مال الدولة دون وجه حق، وتبذير للأموال"، وأضاف قائلا "رغم أن ميزانية المعاشات ليست كبيرة إلا أن المغرب يحتاج إلى هذه الأموال في قطاعات أخرى لها أولوية كبيرة، كما أننا نعلم أنه ليس من المعقول أن نجد وزيرا سابقا بدون عمل". ويدور نقاش داخل الصالونات السياسية، حول البدء في التفكير لوضع نظلم تقاعد للوزراء تتكلف به شركات تأمين خاصة، من أجل التخفيف عن ميزانية الدولة. وكان حزب "العدالة والتنمية" في كل مناقشات قانون المالية، حسب سعد الدين العثماني، ضد قانون المعاشات، إذ يطالب الحزب بإصلاح نظام المعاش الوزاري، ويقترح التعاقد مع شركة تأمين كباقي القطاعات، ويدفع كل وزير نصيبا من راتبه، لتغطية قيمة أجر الوزير السابق.
الاستفادة من أجر نهاية الخدمة والمعاش الوزاري يمكن أ، يصطدم، في بعض الأحيان، بمشكل تغيير الحكومة قبل إتمام فترو ولايتها. وهو ما حصل بالفعل للحكومة الثانية عشرة سنة 1971 التي ترأسها محمد كريم العمراني ولم تتجاوز مدة عملها 8 أشهر، والحكومة الحادية والعشرين سنة 1993 برئاسة محمد كريم العمراني أيضا، التي لم تتجاوز 6 أشهر، والحكومة الثانية والعشرين سنة 1994 برئاسة عبد اللطيف الفيلالي، التي لم تتجاوز 7 أشهر. فكيف لوزراء لم يكملوا المدة القانونية للحكومة أن يستفيدوا من امتيازات بعد الاستوزار؟ سؤال يفتح نقاشا داخل المشهد السياسي للتفكير في إخراج قانون جديد منظم للمعاشات.
امتيازات الوزير
كل أعضاء الحكومة يتمتعون بامتيازات كثيرة أثناء مزاولتهم للمهنة، أولها تعويض عن السكنى يساوي 15 ألف درهم شهريا، و5 آلاف درهم صوائر التأثيث والأواني والأدوات المنزلية الزجاجية والفضية، كما تتكفل الدولة بدفع نفقات الماء والكهرباء. أما بخصوص السيارات، فتمنح ثلاث سيارات للوزير الأول، وسيارتين للوزير العادي وسيارة واحدة لكاتب الدولة.
ويتقاضى أعضاء الحكومة تعويضات عن التمثيل تخصص لتغطية بعض المصاريف الخاصة ومجموع التكاليف المرتبطة بمهامهم ويناهز قدره شهريا 18 ألف درهم للوزير الأول، و14 ألف درهم للوزير العادي، و10 آلاف درهم لكاتب الدولة، و9 آلاف فقط لنواب كتاب الدولة. وإذا قمنا بعملية حسابية بسيطة فأجر الوزير الأول يعادل 70 ألف درهم، وأجر الوزير العادي يعادل 60 ألف درهم، وأجر كاتب الدولة يساوي 50 ألف درهم.
ولكي لا ننسى فكل وزير عند تعيينه يتقاضى مبلغا ماليا بمناسبة التعيين، وبذلك تمنح للوزير الأول 20 ألف درهم، وللوزراء وكتاب الدولة ونوابهم 10 آلاف درهم.
أما من خلال تنقلاتهم خارج المغرب، فتمنح للوزراء قيمة مالية قدرها 2500 درهم، عن كل يوم، دون أن تدفع الوزارة ثمن حجز الفندق. روايات تقول إن بعض الوزراء حين لا تكفيهم هذه القيمة المالية يضطرون إلى اللجوء لسفراء المملكة بالخارج من أجل المبيت عندهم.
ويتوقف أعضاء الحكومة، طوال مدة مزاولتهم مهامهم، عن القيام بأي نشاط مهني أو تجاري في القطاع الخاص، ولاسيما عند مشاركتهم في أجهزة تسيير أو تدبير أو إدارة إحدى المنشآت الخاصة الهادفة إلى الحصول على ربح.
وتجدر الإشارة إلى أن أجور أعضاء الحكومة لا تقتطع كلها من الميزانية العامة للدولة. فتعويضات منزل الوزير تقتطع من ميزانية الدولة التي يشتغل بها.