يحاول الشيخ الفزازي عبثا التفريق بين حرية العقيدة والتي تشمل الحق في اختيار عقيدة ما وحق التراجع عنها في أي وقت شاء المرء ودون حاجة لتبرير ذلك، وبين ما سماه حرية الردة، ولا يوجد في العالم كله شيء اسمه حرية الردة، إنها حرية العقيدة وكفاكم تلاعبا بعقول الناس. حرية العقيدة كما جاءت في الإعلان العالمي لحقوق الإنسان (يعني الإعلان الذي اتفقت عليه دول العالم) مبنية على المادة 18 والتي تقول: "لكل شخص الحق في حرية التفكير والضمير والدين، ويشمل هذا الحق حرية تغيير ديانته أو عقيدته، وحرية الإعراب عنهما بالتعليم والممارسة وإقامة الشعائر ومراعاتها سواء أكان ذلك سراً أم مع الجماعة . " إذن فحرية تغيير الديانة حق أساسي من حقوق الإنسان عالميا ولا يجوز لأي شخص أو أي دولة أن تخلق الاستثناء، وإلا فإنه بكل بساطة لا يعترف بحقوق الإنسان كما تم الاتفاق عليها عالميا، فإن كانت حرية المعتقد في نظر الفزازي تعني حرية اعتناق الإسلام دون إجبار من أحد، لكنها لا تكفل حرية التراجع عن اعتناق الإسلام وتصير في نظره ردة، فإن من حق المسيحيين أيضا أن يعتبروا الخروج عن المسيحية ردة، ومن حق البوذيين اعتبار الخروج عن البوذية ردة، ومن حق الوثنيين اعتبار الخروج عن الوثنية ردة، وهكذا تصير دعوة غير المسلمين للإسلام تشجيع على الردة وينبغي أن تعاقب عليها قوانين الدول غير الإسلامية حتى تحمي رعاياها من الردة عن أديانها إلى الإسلام، ولو رجعنا للوراء أيضا لبررنا موقف قريش من نبي الإسلام محمد حين اضطهدوه واضطهدوا أتباعه ولقلنا أن من حقهم ذلك لأن قريش كانت تقر بحرية المعتقد بدليل أنها لم تجبر أحدا على اعتناق الوثنية لكنها لا تقر حرية الردة لأن الردة خيانة للقبيلة وبالتالي ما كان على نبي الإسلام أن يدعو إلى دينه الجديد، وما كان على أتباعه الأولين أن يغيروا دين آبائهم لأنه ردة والردة خيانة للوطن يعاقب عليها القانون. فوق هذا كله ما ذنب طفل ولد مسلما في أسرة مسلمة في مجتمع مسلم ولم يعطه أحد الفرصة لاختيار دينه مثل حالتي أنا؟ هل يطبق عليه حد الردة إن ترك الإسلام واعتنق دينا آخر؟ أنا شخصيا تركت الإسلام عن قناعة وبحث ومقارنة ولم أختر الإسلام في يوم من الأيام بل فرض علي بحكم ولادتي في المغرب وفي أسرة مسلمة فهل تعتبرني أنا أيضا مرتد؟ ألا يصير هذا إجبارا على البقاء في دين لم أختره لنفسي؟ ما هو الإجبار إن لم يكن هذا هو الإجبار عينه؟ يقول السيد الفزازي في مقاله: "وللذين يحاولون جهلا أن يكرهوا غير المسلمين على الدخول في الإسلام ... يكفيهم أن ذلك ليس من حقهم، ولا هو واجب عليهم... وهو أمر لم يرضه الله تبارك وتعالى لرسوله الكريم.." أرجو إذن أن يشرح السيد الفزازي لي وللقراء ما معنى هذه الأحاديث إن لم تكن إكراها لغير المسلمين للدخول في الإسلام:" عنِ ابنِ عُمَرَ أَنَّ رسولَ اللّهِ قال: «أُمِرْتُ أَنْ أُقاتِلَ الناسَ حتَّى يَشْهَدوا أَنْ لا إِلهَ إِلاّ اللّهُ وأنَّ محمداً رسولُ اللّهِ، ويُقِيموا الصلاةَ، ويُؤْتوا الزَّكاةَ. فإذا فَعَلوا ذلكَ عَصَموا مِنِّي دِماءَهُم وأموالَهُم إِلاّ بِحَقِّ الإِسلام، وحسابُهم عَلَى اللّه» (رواه البخاري ومسلم) لماذا القتال إن كان الإسلام بالحجة والإقناع فقط كما يقول؟ وعن أبي هريرةَ في قوله {كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ} (آل عمران: 110) قال: خير النَّاس للناس، تأتونَ بهم في السلاسل في أعناقهم حتى يَدخُلوا في الإِسلام». (رواه البخاري) لماذا السلاسل في الأعناق إن كان الإسلام بالحجة والمنطق وليس إجبارا؟ وفي مسند الإمام أحمد عن ابن عمر قال: قال رسول الله: «بُعِثْتُ بِالسيفِ حَتّى يُعْبَدَ الله لا شَرِيكَ لَهُ، وَجُعِلَ رِزْقي تحت ظلِّ رمحي،.. إلخ الحديث" فلماذا السيف إن كان المرء مخيرا في عبادة الله في الإسلام؟ إن السيد الفزازي أتى بنصوص مكية من قبل "أفأنت تكره الناس حتى يكونوا مؤمنين" (يونس 99) وسورة يونس مكية، وقوله "إن عليك إلا البلاغ" وهي من سورة الشورى وسورة الشورى مكية، ثم قوله "فذكر إنما أنت مذكر لست عليهم بمصيطر إلا من تولى وكفر فيعذبه الله العذاب الأكبر" وهي من سورة الغاشية وهي مكية أيضا، وقوله "لكم دينكم ولي دين" معروفة أنها في سورة الكافرون وهي سورة مكية، وقوله "فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر" فهو أيضا في سورة الكهف المكية، أما قوله " لا إكراه في الدين قد تبين الرشد من الغي" فهو في سورة البقرة في بداية الفترة المدنية وقد قال العلماء والمفسرون أمثال الطبري أنها آية خاصة في أبناء الأنصار ، وقالوا أيضا "هذه الآية منسوخة، وإنما نزلت قبل أن يفرض القتال." (تفسير الطبري) فالآيات المدنية تنسخ الآيات المكية خصوصا في الأمور المتعلقة بالقتال، لأن القتال لم يفرض إلا في المدينة كما تعلم أيها الشيخ، وسورة التوبة من أواخر ما جاء من القرآن وليس فيها بسملة لأنها بحسب العلماء ليس فيها رحمة وتوصي بقتال أهل الكتاب حتى يعطوا الجزية عن يد وهم صاغرون، أما غير أهل الكتاب فلا خيار لهم إلا الإسلام أو القتل "فإذا انسلخ الأشهر الحرم فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم" الطريقة الوحيدة لإيقاف القتال هي هذه " فان تابوا واقاموا الصلاة واتوا الزكاة فخلوا سبيلهم" ومعناها أن دخولهم في الإسلام هو الشرط الوحيد لإيقاف القتال، وقد قال ابن عباس عن هذه الآية "لم يبق لأحد من المشركين عهد ولا ذمة منذ نزلت براءة" إذن سورة براءة هي الناسخة لكل الآيات التي أتيت بها وأنت تعلم هذه الأمور ولم ترد التطرق لها حتى لا تعكر مقالك بما لا يخدم التعريفات الجديدة التي خرجت علينا بها. وفوق هذا كله: ألا يحق للإنسان أن يراجع معتقده في أي مرحلة من مراحل حياته؟ هل من حقه فقط أن يعتنق الإسلام وليس من حقه أن يتراجع إن اكتشف أنه أخطأ في تقديره؟ لو كنت شابا في العشرينات من عمري وتسرعت واعتنقت الإسلام، ثم بعدما نضجت أكثر وتعلمت أكثر وفهمت حقائق أخرى ومعطيات أخرى لم أكن على علم بها آنذاك ألا يحق لي أن أراجع قراري؟ ألم تتراجع يا حضرة الشيخ الفزازي عن مجموعة من المعتقدات كنت بالأمس القريب تؤمن بها وتنظر لها وتكفر كل من قال بغيرها؟ ألم تقل أن البرلمان هيكل لعبادة الأصنام؟ ألم تقل أن الديموقراطية دين وكفر بالله؟ ألم تقل أن كل من ينادي بالديموقراطية أو يتعاطاها فهو كافر؟ أليست هذه عقيدة وتراجعت عنها؟ فإن كان من حقك مراجعة عقائدك فمن حق الآخرين أيضا أن يقوموا بذلك. سأفترض أن الردة خيانة للوطن، مع العلم أن الوطن شيء والعقيدة شيء آخر، فأنا مثلا مغربي أحب المغرب حتى النخاع، ولكني لا أومن بالإسلام كعقيدة، فهل يحق لي أن أكون مغربيا؟ أليس لدينا يهود مغاربة فهل هم خونة لوطنهم إذن رغم أنهم ليسوا مسلمين؟ هل إذا ترك أحد هؤلاء اليهود المغاربة يهوديته سنقول عنه خائن للوطن أم فقط إذا ترك مسلم مغربي الإسلام؟ إذا كان الدين هو الوطن فينبغي أن نعمم القاعدة على الجميع. ثم إذا كان هناك مسلم يعيش في فرنسا وترك الإسلام هل سنقول عنه خائن لوطنه فرنسا؟ وإذا ترك المسلم الذي يعيش في أمريكا إسلامه هل سنقول عنه أنه خائن لأمريكا؟ قل لي كيف سنعرف الخيانة؟ بناء على أي وطن؟ الخلاصة التي أتركها معك: حرية العقيدة لا تتجزأ إما أن يكون بحق المرء اعتناق أي عقيدة شاء وقتما شاء والتراجع عنها وقتما شاء وإلا فإنكم تريدون حرية بجناح واحد، أو حرية باتجاه واحد، اتجاه يأخذك للإسلام والاتجاه المعاكس سيكلف الإنسان رأسه. [email protected]