بعد شهور من التّردد، بدأت السّلطات الفرنسية في تنزيل مشروع تدبير "أزمة الإسلام" في الجمهورية، بإطلاق إجراءات غير مسبوقة لمحاصرة "الانفصالية الإسلامية" والجماعات الرّاديكالية، بحيث تقرّر إغلاق عشرات المساجد في مناطق مختلفة من التراب الفرنسي. ووفقاً لما خطه وزير الدّاخلية الفرنسي، جيرالد دارمانين، على حسابه على "تويتر"، فقد تمّ إطلاق "عملية ضخمة وغير مسبوقة ضدّ النزعة الانفصالية"، و"في الأيام المقبلة، سيتمّ استهداف 76 مسجداً". وكتب وزير الداخلية على "تويتر" قائلا: "بناء على تعليماتي، ستطلق أجهزة الدولة إجراءات ضخمة وغير مسبوقة ضد الانفصالية الإسلامية"، مبرزا أنّه "سيتم تفتيش 76 مسجدا يشتبه في كونها تبثّ خطابات متطرّفة خلال الأيام المقبلة، وسيتم إغلاق هذه المساجد". وأعلن الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون عن خطة قال إن هدفها سن قوانين صارمة غرضها، بحسب تعبيره، "وقف الانفصالية أو الانعزالية الإسلامية، والدفاع عن قيم العلمانية الفرنسة"، وضمنها تحدث عن وضع حد لجلب أئمة من الخارج، وفرض رقابة مالية أكثر صرامة على المساجد الخاضعة ل"تدخل خارجي". ويرفض بعض المسؤولين الفرنسيين توسيع صلاحيات اللّجنة الموكل إليها مراقبة المساجد حتّى لا تحدث تجاوزات. وقال جان لوك ميلونشون، زعيم تيار فرنسا المتمرّدة: "يجب احترام التّعددية الدينية في فرنسا مع ضمان حرية ممارسة الشّعائر الدّينية". وفي هذا الصّدد، يرى المحلّل السّياسي المقيم في باريس مصطفى الطوسة أن "ردود فعل الجالية المسلمة في فرنسا حُيال إغلاق المساجد ستكون مُنقسمة بين غضب وامتعاض من هذه الخطوات الأمنية، وبين مشاعر ارتياح، لأنها تهدف إلى إبعاد المجموعات المتطرفة من الممارسات الدّينية الفرنسية". وقال المحلل من باريس، في تصريح لهسبريس، إن "هذه الخطوات الأمنية الواسعة تأتي عشية الإعلان عن قانون العلمانية الجديد الذي وقّعت عليه الهيئات المسلمة، والهدف الأساسي من هذه الخطوات ممارسة التضييق على كل من ينتج ويروج ويوزع الخطاب الديني المتطرف". واعتبر الطوسة أنّ "هذا الخطاب العنيف يهيئ الموارد البشرية للمرور إلى الفعل الإرهابي ويشتغل على أدمغة الشباب المسلمين ويجعلهم ينخرطون في أعمال عنف"، موردا أنّ "الخطوة هدفها حماية المسلمين من هذا الخطاب العنيف المتطرف، وضمان ظروف مناسبة لممارسة شرائعهم الدينية بكل طمأنينة تحت سقف الجمهورية". وتابع بأن "هذا هو الخطاب الرسمي الذي يريد ماكرون أن يوصله إلى عقول المسلمين. بغلقه هذه المساجد، التي تتهم، استخباراتيًا، بأنها تتعاطف مع الإرهابيين، فإنه يحمي المسلمين الفرنسيين الذين يريدون أن يعيشوا بسلم وسلام مع باقي مكونات المجتمع". واستبعد الطوسة أن تكون هناك موجات غضب وسط الجالية المسلمة، بقدر ما سيكون هناك تخوف من أن تُستهدف بعض المساجد التي لا تمارس هذا النوع من الدين المتطرف، وتغلق بطريقة اعتباطية ولا تكون هناك عدالة في توزيع الاتهام على من يروج هذا الخطاب ومن لا يروجه.