ثمن الكثير من المتتبعين للشأن الفرنسي خطوة الرئيس امانويل ماكرون، الذي أعلن امس الاثنين عن رفع الحد الأدنى للأجور مئة يورو )حوالي الف درهم) شهرياً اعتباراً من العام المقبل، وعدم فرض ضرائب على ساعات العمل الإضافية بدءاً من العام المقبل. وجاء هذا الإعلان في خطاب متلفز لمحاولة وضع حد لاحتجاجات حركة ''السترات الصفراء'' التي هزت البلاد في الأسابيع الأخيرة، فهل تكفي المئة يورو في كبح جماح الاحتجاجات أم أن يوم السبت سيكون أسوء من سابقيه؟.
الإعلامي المقيم في باريس والمحلل السياسي مصطفى الطوسة، يرى أن خطاب الرئيس لفرنسي، جاء برسالتين مزدوجتين، فمن حيث الشكل، تكلم الرجل بموضوعية وبتواضع، وحاول أن يقدم اعتذارا للفرنسيين الذين شعروا بالحرج من خرجاته السابقة، وهو شكل غير مسبوق في خطب ماكرون، وعندما أحس ان هناك حقد دفين للفرنسيين تجاهه تبنى لهجة التواضع والاعتذار.
ومن حيث المضمون، يرى الطوسة في حديث ل''الأيام 24''، أن ماكرون اتخذ إجراءات مميزة هدفها تحديد القدرة الشرائية لبعض الفرنسيين الضعفاء معيشيا، وقرر منح مئة يورو للزيادة الأجر الأدنى وهي خطوة مهمة لأن كل من سبقوه لم يستطيعوا اتخاذها . علاوة على خفض الضريبة على المتقاعدين الذين لايتجاوز دخلهم 2000 يورو، وهي قرارات مهمة لكن هل هي كافية؟؟
المتحدث ذاته أبرز ان ردود الفعل على شبكات التواصل، تؤكد من جهة، الإصرار على النزول للشارع يوم السبت، وتنظيم الجولة الخامسة من هذه المظاهرات، وهناك قناعة لدى البعض أن ماكرون يجد نفسه في وضع صعب وضعيف ويمكنه أن يتنازل أكثر فأكثر، وهناك من يسعى لمطالبته بإعادة فرض الضريبة على ثروة الأغنياء.
من جهة أخرى، يضيف مصطفى الطوسة، أن هناك اجنحة وتيارات ظهرت داخل السترات الصفراء، لن ترضى على ماكرون كيفما كانت الإجراءات التي يتخذها، او التنازلات التي يقدمها، لأنها دخلت معه في عملية كسر عظام، وتريد رحيله وتنظيم استفتاء، لأن لديها مطالب سياسية كبيرة لايستطيع التجاوب معها وهذه التوجهات مصرة على النزول للشارع، والاستمرار في الاحتجاجات.
وأشار المتحدث ذاته، إلى أن هناك بعض القوى السياسية الفرنسية، كمارين لوبين عن اليمين المتطرف وجان لوك ميلونشون عن اليسار المتطرف، فرنسا الأبية، يستغلون هذه الظرفية الحرجة التي يمر منها امانويل ماكرون كي يضعفوا اداءه وينزعوا المصداقية عنه.
ووتابع في السياق ذاته، أن أجندة هذه القوى هي الانتخابات المقبلة، وليس في مصلحتهم أن يصل ماكرون إلى الانتخابات المقبلة سواء الأوربية او البلدية او الرئاسية، في وضع قوي بل يريدونه في وضع ضعيف ومهزوز تنقصه المصداقية والدعم الشعبي الفرنسي كي يربحوا المعركة بسهولة.
وخلص المحلل السياسي إلى أن ما يجري في قضية السترات الصفراء بفرنسا، يتمثل في مطالب اجتماعية واقتصادية للبعض، لكن هناك مطالب سياسية وأجندات مخفية للبعض الآخر.