حدد سعد بنشقرون هدفا مستقبليا بالتحول إلى طبيب متخصص في جراحة العيون حين كان في الدارالبيضاء، ولتحقيق ذلك الهدف استجمع الإرادة اللازمة كي يعبر نحو بروكسيل مارا من التراب التونسي. يعمل بنشقرون في صمت لتطوير مكانته في القطاع الذي اختاره بقناعة ومحبة، مستعينا بالهدوء في جعل اسمه بارزا ضمن التخصص الذي استماله، وبذلك ينضاف إلى لائحة المسارات البارزة لمغاربة بلجيكا. بداية من "كاليفورنيا" ارتبط صِغر سعد بنشقرون بحي "كاليفورنيا" في مدينة الدارالبيضاء، إذ ازداد أوائل عقد سبعينيات القرن الماضي في كبرى حواضر المغرب، وافدا على هذه الدنيا سنة 1972 على وجه التحديد. يقول بنشقرون إنه حصل على تربية تشجع البذل والعطاء دراسيا، كما لا تتساهل مع أي كسر لقواعد احترام وتقدير الآخرين دوما. لذلك، اكتسب طباعا هادئة وطريقة تفكير متروّية كيفما كانت الظروف. بدأ سعد مساره الدراسي من مؤسسة "شارل فوكو" الابتدائية، وهي التابعة للبعثة الفرنسية في البيضاء، ثم أكمل التعليم الإعدادي بمؤسسة "ابن حبوس"، وبعدها حصل على باكالوريا في العلوم الرياضية من ثانوية مولاي عبد الله. تونسوبلجيكا يتذكر سعد بنشقرون الأسابيع الموالية لإنهائه المرحلة الثانوية وكيفية قيامه بالبحث عن آفاق مواتية لطموحاته العلمية، إذ قرر الارتباط بدراسة الطب في المغرب؛ لكن عدم تحقق هذه الرغبة دفعه إلى الهجرة. يقول بنشقرون إن الوعي بحجم الفرص المتاحة خارج المغرب دفعه إلى البقاء في الفضاء المغاربي كي يصير طبيبا في المستقبل، مقدما طلبا للالتحاق بالديار التونسية لقي الإقبال بلا إشكال، وبعد سنوات نال مراده. أما بخصوص التوجه إلى بلجيكا، فلا يرى سعد هذه الخطوة إلا استمرارا لرحلة التكوين الأكاديمي، إذ حاز فرصة التخصص في طب العيون بجامعة بروكسيل الحرة، والتمرس في مشفى "سان بيير" الشهير في المجال. تقلبات مفقودة تجربة سعد بنشقرون خارج فضاء الراحة المغربي لم ترتبط بأي صعوبة مؤثرة، وفق تصريحه بهذا الخصوص، إذ إن التواجد في تونس مر بسلاسة ودون إحساس بالاغتراب، مثلما التركيز على التكوين في بلجيكا جرى على ما يرام. كما يشدد "ابن البيضاء"، في الإطار نفسه، على أن أي شخص يتسم بالجدية والصدق في ما يقوم به لا يمكن أن يصادف أيا من أنواع المشاكل، عكس من لا يتوفرون على أهداف واضحة أو أولئك الذين ينزاحون عن دواعي الهجرة. "صحيح أن الوافدين على أي مجتمع، كيفما كانت بنيته أو جاءت تسميته بعموم دول العالم، يحتاجون إلى بذل جهود أكثر لإبراز قدراتهم ولفت الانتباه إلى ما يستطيعون تقديمه، وجعلهم محط تدقيق لا يعد مشكلة طبعا"، يزيد بنشقرون. بين العام والخاص بعد التخرج طبيبا جراحا مختصا في طب العيون، لازم سعد بنشقرون العمل في المستشفى نفسه الذي احتضنه كمغربي وافد من تونس، وعلى هذا النحو استمر ثلاث سنوات لاستجماع خبرة إضافية ومراكمة الترقية تلو الأخرى. استفاد الإطار الصحي المنتمي إلى "مغاربة العالم" من القوانين البلجيكية وما تتيح للأطباء من جمع بين الاشتغال في القطاع الخاص والبقاء في المستشفيات العمومية، مفتتحا لنفسه عيادة سيّرها بدوام جزئي قبل أن يقرر التفرغ لمشروعه الشخصي. يتوفر سعد بنشقرون على مرفق طبي خاص به في مدينة "لان"، البعيدة عن العاصمة بروكسيل بنحو 25 كيلومترا؛ لكن العدد الكبير من مرضى العيون يحيطهم بتدخلات تحتضنها مصحات؛ وقد لمع اسمه في إجراء العمليات الجراحية بكل أنواعها. حملات في المغرب يبدي بنشقرون رضاه عن المسيرات الدراسية والمهنية والشخصية التي أطلقها من الدارالبيضاء إلى جهة بروكسيل، بينما يتشبث برغبته في الحصول على حياة هادئة وهو يواصل التزاماته الطبية؛ خاصة بعد توليه رئاسة إحدى المصحات بغية تطوير أدائها. أما بخصوص الانخراط في تجربة بديلة ضمن التكوين الطبي، والانتقال مرة أخرى إلى كلية الطب ملتزما بالتأطير الأكاديمي والإشراف على البحث العلمي، فإن "ابن البيضاء" يؤكد أن ذلك يبقى بعيدا عن المشاريع التي يركز عليها، خاصة خلال الظرفية الحالية. لا يتردد سعد بنشقرون في المشاركة ضمن حملات طبية مجانية في المغرب، بمبادرة من جمعيات في بلجيكا، إذ يساهم بخبرته في طب العيون للقيام بتدخلات جراحية خيرية؛ كما يكشف أنه يحاول، بمعية أطباء مغاربة في بلجيكا، خلق تشبيكات تطور مثل هذه البرامج بالوطن الأم. بلا نقائص يعتبر المنتمي إلى "كاليفورنيا الدارالبيضاء" أن المغاربة ليسوا أقل شأنا من أي إنسان عبر العالم، وبالتالي لا يحتاجون إلى نصائح خاصة كي يبحثوا عن ذواتهم في الأرض الفسيحة، والجميع يعلم بأن النجاح يرتبط أساس بتحديد هدف والتوفر على الإرادة. ولا ينكر بنشقرون وجود بعض العوائق المالية التي تعترض سبل المهاجرين المغاربة خارج البلاد، كالاصطدام بالغلاء عند التوجه إلى الأراضي البلجيكية؛ لكنه يرى أن الحرص على نيل منح دراسية يمكن أن يكون مفيدا جدا، زيادة على الاستعانة بجمعيات الجالية. "باستحضار هدف واضح والتحلي بإرادة متينة تتوفر شروط النجاح الأساسية، وذكاء الشباب المغاربة قادر على ابتكار الطرق التي تجعلهم يبهرون الجميع بالبذل والعطاء في كل ما يقومون به"، يختم سعد بنشقرون كلامه.