يرتبط اسم ميمون صابر بمجموعة من الصيدليات ومصحة طبية في مملكة بلجيكا، لكن ما يثير الانتباه إلى مساره يتمثل في استهلاله المسار الدراسي متأخرا ب6 سنوات ونيف عن أقرانه متشبثا بتحقيق ما يبتغيه. ما جرى لصابر يجعله رافضا لأي بروز للاستعجال في الحياة، مصرّحا بأن الوصول متأخرا يبقى دوما أفضل بكثير من عدم الوصول، موردا أن "المراحل التي مررت منها تبقي شعلة الطموح متقدة في صدري دائما". خارج المدرسة لازم ميمون صابر "دار الكبداني" في منطقة الريف، بقبيلة "بني سعيد"، رغم أن والده كان مستقرا في الديار الفرنسية، وبالحيز الجغرافي نفسه، الذي كان تابعا لإقليمالناظور قبل تأسيس إقليم الدريوش، بدأ التمدرس متأخرا. ارتأى صابر الأب أن يبقي ابنه ميمون بعيدا عن فرنسا، وأن يلتحق صغيرا ب"المسيد" لحفظ الذكر الحكيم في المغرب، لذلك لازم صغيره الكتّاب حتى تمكن من 50 حزبا من القرآن الكريم، ولم يلج التمدرس النظامي حتى وصل 12 سنة من العمر. عن هذا الشأن يقول ميمون صابر: "شجعني أبي على التعليم الديني وأقبلت على ذلك فرحا .. وعندما صرت مميزا قصدت مدرسة قريبة من سكني لكي أطلب منحي فرصة للتعلم، مبتغيا استدراك ما فاتني". ما قبل الهجرة ولج ميمون ابتدائية تحمل اسم "دار الحاج الطيب"، مستهلا التمدرس في فصولها من المستوى الثاني، ثم التحق بالطور الإعدادي سنتين في مدينة الناظور، وبعدها في إعدادية "ابن بطوطة" وثانوية "ابن الخطيب" في طنجة. بعد الحصول على شهادة الباكالوريا، تقدم صابر بطلب متأخر للتسجيل في جامعة أجنبية لم ينل القبول، ليتوجه إلى دراسة البيولوجيا والجيولوجيا في كلية العلوم بتطوان، التابعة لجامعة عبد المالك السعدي. أصرّ ميمون على البحث عن آفاق أكاديمية خارج المغرب، منتزعا مقعدا للتخصص في الصيدلة على التراب الفرنسي، وبذلك أضحى منخرطا في البصم على مسار علمي متميز رغم تأخره في الولوج إلى ارتياد مدرسة "دار الحاج الطيب". بين حُلمين يؤكد صابر أن الهجرة إلى أوروبا كانت حلما بالنسبة إليه، خاصة أنه كبر وهو يرى أباه في فرنسا دون أن يتمكن من التواجد بجواره خلال تلك المرحلة، لذلك غمرته فرحة عارمة حين جرى قبوله للدراسة بالخارج وهو في مطلع العشرينيات من عمره. ويزيد ميمون أن هذه المحطة شهدت تحقق حلم آخر حين تم قبوله في تخصص الصيدلة؛ إذ كان يميل إلى ربط مستقبله بإحدى المهن الصحية، وسبق أن تحدى فترة مرض للمشاركة في اختبار ولوج كلية الطب في الرباط دون أن يحظى بنتيجة إيجابية. اكتملت فرحة ميمون صابر بحلول سنة 1998؛ إذ تخرج في هذا العام حائزا ديبلوم صيدلاني وبدأ في البحث، ضمن تحدّ جديد، عن الطريقة الأفضل كي يربط تكوينه النظري بممارسة ميدانية تجعله ممسكا بخبرة عالية في المجال الذي شُدّ إليه. أسرة في بلجيكا ارتبط ميمون صابر بخطبة فتاة من بلجيكا حين كان طالب صيدلة في فرنسا، وعقد قرانه وهو ضمن السنة الثانية من التكوين الجامعي، مقبلا على هذه الخطوة لكونه صاحب منحة مزدوجة، من المغرب وفرنسا، وزوجته لها مدخول مالي بدورها. يقول ابن "بني سعيد" في هذا الشق: "أمضيت سنوات متنقلا بين مدينة ليل الفرنسية، حيث كنت أدرس، ونواحي مدينة أنفيرس البلجيكية؛ إذ كانت زوجتي تسكن في زفاندريكت. وبعد وقت قصير من تخرجي، قررت جعل بلجيكا مستقرا لأسرتي". كما يذكر صابر أن قصد بلجيكا كان بدوافع مهنية أيضا بعدما تأكد من صعوبة الظفر بالفرصة التي كان يتحينها في فرنسا، بينما حصل في بروكسيل على عمل كمساعد، واشتغل بدوامين مع صيدلي بلجيكي وآخر من أصل لبناني. مجموعة صيدليات لم يفكر ميمون صابر كثيرا حين وجد صيدلية تباع بثمن مناسب في حي أعجبه، وقرر المغامرة بالإقبال على شرائها، مستفيدا من تسهيلات بلجيكية تمنح للشباب المستثمر كي ينطلق بلا رأسمال، زيادة على تمكينه من مساعدات إدارية تدبيرية ومحاسباتية. بدأ الوافد على بلجيكا من الريف عمله في الصيدلية الخاصة به بحماس كبير، مستعينا بتواجد زوجته معه 4 سنوات، ثم جلب مستخدمين قبل أن يشتري صيدلية ثانية وأخرى ثالثة، جامعا بين واحدة في أنفيرس واثنتين أخريين وسط العاصمة بروكسيل. "الأمور سارت بشكل جيد جدا حتى قمت بتأسيس مصحة متعددة التخصصات، بأطر في الطب الأسري ومروضين وأطباء أسنان. كما أن هذا الفلاح الذي تلاقيه خطواتي دفع بي إلى استهلال استثمارات في قطاع العقار أيضا"، يضيف ميمون صابر. محطات مستقبلية يبتسم صابر حين يتذكر الطريقة التي بدأ بها مساره الدراسي النظامي، وكيف تحرك لتسجيل نفسه في مؤسسة مكنته من بدء التعلم من المستوى الثاني وعمره يعادل عمر من حصلوا على الشهادة الابتدائية، لكنه يعقّب على ذلك بتأكيد أن الوصول متأخرا خير من عدم الوصول. ويعلن ميمون رضاه التام عن المسار الذي تأسس بصعوبة، والتشبث الذي أبداه لاستكمال التحصيل مع الانتقال إلى العيش خارج المغرب، عابرا فرنسا للتواجد في بلجيكا، مؤكدا أنه استفاد مما خبره في الحياة كي يقدم الدعم المبكر لأبنائه حتى يتطوروا ويصيروا كما يريدون. يربط ميمون صابر المحطات المستقبلية من حياته أيضا بعطاء مهني في "دار طبية" تقدم التتبع المستمر للمرضى بشكل أدق وتخصصات أوفر، ويقول إنه لن يتخلى عن الصيدلة بالإقبال على هذا المشروع الجديد الذي يراهن من خلاله على مواصلة التميز والتطور. الصبر المضاعف يرى الخبير الصيدلاني عينه أن شباب اليوم صاروا يعرفون ما يلزم كي يصلوا إلى النجاحات التي يريدونها، وأن أبناء المهاجرين المغاربة في بلجيكا تحسنوا فكريا رغم ترويج العكس عنهم، حيث عدد كبير من هذه الفئة لا يكف عن محاولة الوصول إلى مراتب رفيعة دراسيا ومهنيا. كما يؤكد صابر أن العاصمة بروكسيل، على الخصوص، تمثل صورة لتميز أبناء المغرب خارج وطنهم الأم، حيث الكثير منهم وضع بصمات واضحة في مجالات كثيرة جدا، أبرزها السياسة والطب والاستثمار، ومنهم من يعمل على تشغيل بلجيكيين أصليين في مشاريع كبرى بنيت على أفكار لامعة. "مقتنع في هذا الصدد بأن الصبر المضاعف يعين على التوجه بثبات نحو تحقيق الأهداف؛ إذ أرفض أن يتم استعجال الوصول إلى ما يبتغيه الإنسان بمجرد الحصول على ديبلومات متواضعة. يجب أن يحضر دعم الآباء لأبنائهم كي يتقدموا دراسيا إلى أبعد الحدود"، يختم ميمون صابر.