إحساس پينينا سودري بهويتها المغربية دخل مرحلة كمون قبل أن يستفيق بطريقة فجائية، لتكتشف المولودة في مدينة مكناس جزءًا من شخصيتها يسري بين ذوي الأصل المغربي في بلجيكا. خبرت سودري العمل السياسي والفعل المدني التطوعي سنوات تلو أخرى، عابرة محطات متعددة لم يغب عنها تألق المغاربة بالجملة وفي ميادين متباينة، لتعلن فخر الانتماء إلى هذه الفئة المعطاءة. ملامح من مكناس لا تتذكر پينينا سودري، التي ولدت سنة 1951 في مدينة مكناس بين أحضان أسرة يهودية، أشياء كثيرة عن حياتها في المغرب، إذ غادرت المملكة في العقد الموالي من أجل الاستقرار في فرنسا. وعلى الرغم من الرحيل المبكر عن البلاد، فإن ذهن سودري يستحضر صورا جميلة عن العيش في حي "الملاح" وسط "العاصمة الإسماعلية"، كما تحتفظ بانطباع طيب عن الزمن الذي شهد انتقال أسرتها إلى "المدينةالجديدة". تقول پينينا: "أنتمي إلى أسرة يهودية معروفة في مدينة مكناس، وقد بدأت دراستي هناك من خلال ارتياد مدرسة فرنسية، بينما وصول يوم الأحد كان يعني تلقي دورس اليهودية". تدريس العبرية اضطرت أسرة سودري إلى التوجه نحو الديار الفرنسية قبيل حلول سبعينيات القرن العشرين، حاطة الرحال في مدينة مارسيليا بغرض الاستقرار؛ لكنها عاودت جمع أغراضها للبصم على انتقال آخر. تستحضر پينينا سودري ما وقع حينها بقولها: "من المغرب إلى فرنسا، ومن هذه البلاد الأوروبية هبت الرياح لتضعني في إسرائيل؛ لكنني عدت مجددا إلى فرنسا بعد الانتهاء من التعليم العالي". بدأت "ابنة مكناس" مسارها المهني بتدريس اللغة العبرية في مؤسسات على الأراضي الفرنسية، عابرة حواضر ك"تولوز" قبل أن تصل لاحقا إلى تراب المملكة البلجيكية؛ في "لوفن" تحديدا. انبعاث الهوية الأصل تعترف پينينا بأنها ابتعدت عن ممارسة التقاليد المغربية بمجرد ابتعادها عن الأسرة؛ لكنها عاودت اكتشاف جذورها عند الاستقرار في بلجيكا، مخالطة مغاربة وطنيّين تسببوا في انبعاث هويتها الأصل. "كنت أستاذة جامعية حين تعرفت على زوجي، ومن نتائج هذا المستجد حملي إلى بلجيكا.. هنا بدأنا اشتغالات قربتني من أيام مكناس وأنعشت فخري بكوني مغربية، وغدوت عاشقة لتقاليد المملكة وناسها"، تعترف سودري. كما تزيد پينينا سودري أنها تعمل، منذ سنوات طويلة وانطلاقا من مملكة بلجيكا، على دعم شريك حياتها في الخطوات التي يقوم بها للتعريف بالثقافة المغربية، وتقف بجانبه للدفاع عن قضايا المغرب والمغاربة. السياسة في "واطيرلو" برزت پينينا سودري ناشطة مدنية طموحة في مدينة "واطيرلو" البلجيكية، وأثارت إليها الانتباه بشدّة؛ ما دفع عمدة المدينة إلى دعوتها إلى المشاركة في الحياة السياسية من خلال الانضمام إلى لائحته في الانتخابات المحلية. تذكر المغربية عينها أن هذه الخطوة كانت إيجابية وجعلتها تتمرس على آليات التدبير المحلي بشكل تدريجي، وتضيف: "سكان هذه الحاضرة التاريخية اختاروني في ثلاث محطات انتخابية متتالية، وهذا يدعوني إلى تقدير الثقة التي أحوزها". تبقى سودري خبيرة في شؤون تسيير مدينة "واطيرلو" البلجيكية بعدما شغلت مواقع عديدة خلال السنوات الماضية، خاصة الترويج السياحي، بينما تتولى حاليا المسؤولية عن العلاقات الدولية في البلدية التي سكنتها قرابة 4 عقود من الزمن. لمعان مغربي تؤكد پينينا سودري أن عددا كبيرا من المهاجرين المغاربة بصموا على مسارات متميزة في بلجيكا، ولا يمكن أن ينكر ذلك إلا جاحد، ومن الإنجازات الكبرى لهذه الشريحة المجتهدة وصول امرأتين مغربيتين إلى الحكومة الفيدرالية بهذه البلاد. وبعدما أشارت إلى نسجها صداقات مع عدد من السياسيين ذوي الأصول المغاربة في حزمة من الأحزاب البلجيكية، تنبه المسؤولة في "واطيرلو" إلى أن الحضور المغربي قائم الذات حقا في كل الميادين الحياتية، ويقدمون صورة مشرفة للوطن الأم. وتسترسل المتحدثة عينها: "لمعان المغاربة في بلجيكا لا يقل عما يقوم به أبناء بلدي في عدد من الدول الأوروبية الأخرى، فالمغربي المجتهد يلازم الاحترافية ضمن أي مجال ينال اهتمامه؛ من الحلاقة إلى الفن والسياسة وغير ذلك، مخلفين الانبهار حيثما مروا". مدخل تقليدي تبقى الصناعة التقليدية تبعا للطريقة التي يتم التعاطي معها من لدن حرفيي المغرب، وفق سودري، ممارسة يمكن أن تلاقي رواجا كبيرا في المجتمع البلجيكي وتساهم في الترويج على نطاق واسع للعرض الثقافي والسياحي المغربي. وترى پينينا أن الوصول إلى التميز ينبغي أن يجانب النمطية أيضا، حيث يمكن للمتعاطين مع التراث الصناعي التقليدي للمغرب أن يضعوا لمسات تحديث على المنتوج كي يلائم الحاجيات في بلجيكا، وأن يتم الاعتماد على طرق التسويق البديلة لضمان إشعاعه. "بخصوص المقبلين على بلجيكا لأغراض أخرى، خاصة الدراسة وفرص العمل التي يقتنصونها، أومن بأنهم واعون بضرورة تعلم اللغات، خاصة الفلامانية، لاكتساب معارف وخبرات تفيد في تسلق المراتب هنا"، تختم پينينا سودري.