أشّر الشّارع الجزائريّ "الغاضب" على إمكانية إرسال وحداتٍ من الجيش الوطنيّ في مهمّات خارجية. ورغمَ محدودية المشاركة الشّعبية في التّعديل الدّستوري الأخير، إلا أنّ الطّرف الرّسمي في الجارة الشّرقية اعتبر أن هذا الورش سيغيّر عقيدة الجزائر العسكريّة. وصار بإمكان الجزائر إرسالُ وحداتها البرّية والبحرية والجوّية إلى مناطق خارج البلاد، وهو ما يقرؤه الخبراء كمؤشّر على عودة جزائرية إلى الواجهة الإقليمية، إذ تبحث الجارة الشّرقية للمملكة عن موطئ قدمٍ في الملفّات الحدودية، عسكرياً هذه المرّة، بعدما فشلت في مجاراة واقع "الصّراع" دبلوماسيا. وحسم الجيش الجزائري موقفه من الجدل الدائر حول مقترح تضمنه مشروع التعديل الدستوري، يقضي بإمكانية إرسال قوات عسكرية في مهمات خارجية. وتعد هذه المرة الأولى التي تشهد فيها الجزائر تغييرا على مستوى "عقيدتها العسكرية" منذ آخر مشاركة لقواتها في الحرب الإسرائيلية عام 1973. واقترحت مسودة التعديل الدستوري في الجزائر فقرة ثانية في المادة 31 من الدستور تنص على أنه "يمكن للجزائر في إطار الأممالمتحدة والاتحاد الإفريقي والجامعة العربية، وفي ظل الامتثال التام لمبادئها وأهدافها، أن تشارك في عمليات حفظ واستعادة السلام"؛ بالإضافة إلى المادة 91، التي ورد فيها أن "رئيس الجمهورية الذي يتولى مسؤولية الدفاع الوطني يقرر إرسال وحدات من الجيش إلى الخارج بعد مصادقة البرلمان بأغلبية الثلثين من أعضائه". وبين رافضٍ ومؤيّد، طغى الانقسام على آراء الشّارع الجزائري حول مسألة المهام الخارجية للجيش، فهناك من اعتبر أنّ الأمر يدخل في إطار سيادة الدّولة، ومن اعتبر الخطوة "مغامرة" قد تحشر الجزائر في مطبّات وأزمات "خطيرة". ويرى الخبير في العلاقات الدّولية شرقي خطري أنّ "هذه الخطوة تحمل مجموعة من الدلالات، تتوقف على مستویین؛ الأول یهدف، حسب ما هو معلن، إلى المشارکة في بعثات السلام الدولیة والانخراط في الحفاظ على السلم والأمن الدوليين، والتفاعل مع التهدیدات التقلیدیة وغير التقلیدیة، وعدم الاقتصار على العقيدة الدفاعية للجيش". واعتبر المحلل ذاته أنّ "العقيدة العسكرية تتماشى مع الإستراتیجیة الدفاعية الجزائریةالجديدة، التي تبتدئ منذ 'مدارس أشبال الأمة'، مرورا بباقي القطاعات الخاصة بالعدة والعتاد، وتقدیر الموقف وإعادة النظر في مرکز الثقل الخاص بالجيش الجزائري". أمّا المستوى الثّاني فيتمثّل، حسب الخبير ذاته، في محاولة لعب أوراق جدیدة علی مستوی المنطقة تقوم على تمثل القوة الإقلیمیة والتدخل في مجالات منطقة الساحل والصحراء، مالي ولیبیا"، مبرزاً أنها "محاولة لرسم معالم غیر معلنة تتجه إلى عقیدة هجومية تحشد القوات والوسائل لتثبیت أدوات السیطرة". كما قال المتحدث ذاته إنّ "الجزائر تتجه نحو محاولة سیطرة قائمة علی سیناریوهات إعادة الانتشار وفرض الأمر الواقع، وبالتالي تعدیل الدستور بوضع المادة 95 والمادة 29 منه يؤشر على مرحلة جدیدة لتأكيد العقلية السابقة للجیش الجزائري، الذي يستمر کسادس مستورد للسلاح في العالم". وتابع خطري: "لكن ذلك سيتم بأدوات جديدة تفرض خيارات المؤسسة العسكریة الجزائریة، التي تعاني من ترهل علی مستوی الداخلي برفض موادها في عدة مناطق، وضعف نسبة المشارکة واستمرار الحراك المدني في الاحتجاج".