تعد اللغة من بين الأنشطة العصبية المعرفية الأساسية للإنسان التي صارت موضوعا للدراسات الوراثية. ويحاول الباحثون في البيولوجيا الجزيئية وعلم النفس واللسانيات جميعهم ربط الإنجاز اللساني للإنسان ببنيته الوراثية الفطرية. وقد مكّن اكتشاف الجين فوكس ب2 (Foxp2) من تركيز الاهتمام على طبيعة العديد من الاضطرابات اللسانية والعجز اللساني (الخصائص الخارجية للغة الإنسانية) وتغريد الطيور في مختلف مستوياته (الوراثية والعصبية والوظيفية). والجين فوكس ب 2 ليس جينا لغويا في حد ذاته، بل هو جين نَسْخ (transcription) يوجد في الصبغي 7، ويتحكم في نشاط باقي الجينات الأخرى التي تلعب دورا في نمو ووظائف الدماغ؛ وهو يرتبط بالعمل الطبيعي والمناسب لمهارات القشرة الحركية، واقترح باعتباره يلعب دورا مهما في اكتساب اللغة. وحينما تحدث طفرة في هذا الجين ينتج عن ذلك ضعف لغوي، كما هو الحال عند الأسرة البريطانية المعروفة بالأسرة كي (KE)، التي أظهر نصف أفرادها خلال أجيال مختلفة عسرا في القراءة وصعوبات حادة في مراقبة العضلات الوجهية الفمية التي يحتاجون إليها في تمفصل الكلام، خلافا لذكائهم غير لفظي الذي كان سليما (Courtney Chrush and Liane Gabora, 2014: P499). وإذا كان الجين فوكس ب2 مسؤولا عن اضطراب اللغة والكلام عند أفراد هذه الأسرة البريطانية، فإنه مسؤول أيضا عن التصويت عند العصافير التي تتعلم هذه المهارة من خلال عملية التقليد. والسؤال الذي يطرح يتعلق بوجود أو عدم وجود تماثل بين مختلف نسخ فوكس ب2 الموجودة عند الإنسان ومثيلاتها عند باقي الثدييات. وللإجابة تشير التقارير الأخيرة للأبحاث البيولوجية المقارنة إلى أنها متماثلة، إلا أن بروتين فوكس ب2 عند العصافير زبرة Zebra finich يختلف عن بروتين فوكس ب2 عند الفأر في خمسة مواقع للحمض الأميني، وعن فوكس ب2 عند الإنسان في ثمانية مواقع للحمض الأميني، وهذا من بين ما يفصل العصافير عن الإنسان في هذا الجانب. والطفرة في الجين فوكس ب2 ينتج عنها لغة وكلام غير طبيعيين. كما تبين أن فوكس ب2 يكون محفوظا بدرجة عالية جدا، ما يشير إلى أنه يلعب دورا أساسيا عند الثدييات (Faraneh Vargha-Kadem et al., 2005: P137). ويشير عريف (, P: 1732009Arif,) إلى أنه منذ 49 سنة الماضية عمل اللساني شومسكي وعالم الأعصاب إيريك لينبيرغ Eric Lenneberg معا في هذا الحقل وأظهرا من خلال أبحاثهما مشكل القدرة اللغوية الإنسانية، وجذورها الوراثية. أما مناطق الدماغ التي يعمل فيها هذا الجين فتظهر عند الجنين وعند البالغ، وهي تشمل العقد القاعدية (caudate nucleus) والمخيخ (cerebellum) والمهاد (thalamus) والنخاع العظمي (medulla) (Massimo Piattelli-Palmarini and Juan Uriagereka, 2005: P4). في ما يتعلق بخصوصية هذا الضعف اللغوي وارتباطه بالجانب اللساني نجد رأيين مختلفين: الأول يتعلق بعالمة النفس اللساني ميرنة غوبنيك (1990، 1994) Myrna Gopnik التي كانت الأولى في مجالها التي درست أعضاء الأسرة كي؛ وهي تشهد على حالة تامة لخصوصية لغوية تتميز بها هذه الأسرة التي يتوفر لديها ذكاء طبيعي يقترن بضعف نحوي صرفي خاص. أما عالمة الأعصاب فرانيه فاركة قادم Faraneh Vargha-Khadem والمشتغلون معها فيرفضون هذا الزعم؛ وهم يرون أن الضعف الأساسي يرتكز أساسا في مجرد عائق للحركات الشفوية الدقيقة، كما افترضوا أن هذه الأسرة المصابة لا تظهر ذكاء طبيعيا.. كما أن هذا الضعف يمس أيضا بعض المهام المعرفية غير اللسانية. أما نتائج اختبار الطفرة الموجودة عند الأسرة كي فأظهرت خلل الأداء الوجهي الفموي (oro-facial dyspraxia) ما يؤدي إلى: - ضعف نحوي ومشاكل تتعلق بفهم الجمل الموصولة. - ضعف في القدرة على تكرار الكلمات وخاصة الكلمات المركبة. - ضعف إنتاج واستعمال الصرف الصرفي والصرف الاشتقاقي. - ضعف إنتاج الزمن الماضي. - ضعف في تحديد المعجم (تحديد الكلمات واللاكلمات). - عدم القدرة على قراءة الكلمات. - عدم القدرة على تسمية الأسماء أو رسمها. - عدم القدرة على تذكر الرموز في علاقتها بالأعداد (Massimo Piattelli-Palmarini and Juan Uriagereka. 2005: P4.).