تعتبر الحناء رفيقة النساء في كل وقت وحين خاصة في المناسبات الاجتماعية والعائلية السعيدة، وأيضا لتزيين الجسد ونضارة الجلد، فهي صديقة المرأة التي لا تكاد تتخلى عنها، وهي الأصل الذي تعود إليه بالرغم من تقدم وسائل الزينة والتجميل. وترتبط الحناء، من جهة أخرى، ببعض المعتقدات والعادات الشعبية التي تجعل منها إما فأل خير أو نذير شؤم قد يضر بالنساء خاصة بالفتيات والمتزوجات حديثا، الأمر الذي يطرح عدة أسئلة حول هذا الحضور القوي لمادة الحناء في مخيلة وذهن المغاربة وحياتهم اليومية. فوائد صحية والذي يجذب المغربيات إلى مادة الحناء هو فوائدها الجمة من الجانب الصحي، وعلى مستوى ما تمنحه للجسد من زينة ونضارة طبيعية، ومن بين هذه الفوائد استخدامها من طرف العديد من النساء في تخضيب أصابع الأيادي والأرجل والشَّعر أيضا، فهي تعطي له القوة المطلوبة، كما أنها تعالج فروة الرأس من مشكلة القشرة.. وتستخدم مغربيات الحناء أيضا للتداوي من صداع الرأس وآلامه النصفية، وتشقق القدمين والفطريات التي تتخذ بين الأصابع مكانا لها، وعلاج بعض الأورام بعجن الحناء ووضعها عليها مدة محددة من الزمن. وتفضل بعض النساء صباغة شعورهن بمادة الحناء عوض اللجوء إلى الأصباغ التي تحتوي أغلبها على مود كيماوية تضر بخصلات الشعر ومنبته وفروة الرأس أيضا، وتحصل المرأة بفضل استعمال الحناء على شعر أحمر اللون من خلال خلط الحناء بعصير الليمون، وبعض المواد الأخرى مثل البن وبياض البيض للحصول على عجين متماسك، فيتم وضع قناع على الشعر.. حناء الأعراس ويبرز حضور الحناء أكثر في المجتمع المغربي في المناسبات الاجتماعية السعيدة خاصة، حيث لا تكاد تمر مناسبة الزفاف أو العقيقة مثلا دون أن تكون الحناء حاضرة تزين أيادي وأرجل العروس وأحيانا كثيرة يد العريس أيضا، أو كفي المولود الجديد، وحتى الحاضرات المدعوات إلى هذه الحفلات السعيدة. وفي الأعراس المغربية، يتم تزيين العروس بالحناء من طرف النكافة، وهي السيدة المتخصصة في تهيئ الفتاة المقبلة على العرس وتزيينها وتلبيسها الحلل والأزياء التقليدية الجميلة، فتعمد هذه النكافة إلى نقش يدي ورجلي العروس بالحناء بأشكال باهية مثل الورود والأشكال الهندسية المثيرة. وتسمى ليلة التزين هذه بليلة الحناء، ويُستدعى لها النساء فقط من أسرتي الزوجين معا، ويتم خلالها الاحتفال بالعروس والحناء معا، حيث تظل الفتاة جالسة فترة طويلة أمام النقاشة التي تزوق يديها ورجليها بتأني واضح حتى يخرج الشكل الفني لأطراف العروس في أجمل منظر، لكونها ليلة العمر بالنسبة للعروس ولزوجها، لهذا يكون الحرص على أن يكون تزيين الفتاة بالحناء بشكل مناسب وخلاب. وتمتزج طقوس تزيين العروس بالحناء مع أهازيج ومواويل غنائية من ترديد الفتيات والنساء الحاضرات، وأحيانا من طرف فرقة غنائية تحيي تلك الليلة الخاصة بالحناء إلى أن تنتهي العروس من تخضيب يديها ورجليها بالحناء، وفي الوقت ذاته ترمي الحاضرات بقطع نقدية على صحون الحناء التي تكون عادة بجانب قوالب السكر والبيض، وهي مواد ترمز إلى البياض وتؤشر على التفاؤل بحياة سعيدة بين الزوجين. ونفس الاحتفالات بيوم العقيقة عند ازدياد مولود جديد، تحضر الحناء بقوة لتزين الأم وطفلها أيضا، وتشبه العقيقة حفل الزفاف وكأنه عرس مُصغر، لكن الحناء تظل الطقس الأكثر تواجدا في العقيقة. وحتى في المناسبات الدينية من قبيل عيد الأضحى تحضر الحناء بقوة عند الأسر المغربية، حيث تعمد العديد من النساء إلى طلي مقدمة رأس كبش العيد بالحناء تفاؤلا وتبركا به، وأيضا في عيد الفطر ترسم النساء والبنات صغيرات السن على أياديهن أشكالا مميزة من الحناء. الحناء في المآتم وإذا كانت الحناء حاضرة في المناسبات الاجتماعية وفي الأعياد الدينية، فإنها أيضا حاضرة بشكل بارز في طقوس الحمام الشعبي عند المغربيات خاصة النساء المتزوجات، حيث يحرصن على تخضيب أجسادهن بالحناء قبل الذهاب إلى الحمام وتدليك أجزاء من أجسادهن في هذا الفضاء الساخن، وذلك للحصول على جسد يتسم بالنضارة والليونة. وتحضر الحناء أيضا في الهدايا المتبادلة، حيث تحرص الأسر في بعض المناطق على إكرام ضيوفها من النساء باشتراط عدم مغادرتهم إلا بعد التزين بالحناء في الدين والرجلين، دليلا على كرم الضيافة، وهي العادة التي اشتهر بها سكان وأهالي منطقة مراكشجنوب البلاد. ولما للحناء من مكانة سامقة في المجتمع المغربي، صارت تشكل هاجسا أضحى بمثابة الاعتقاد والإيمان بقوتها وتأثيرها على حياة الفرد، باعتبار أن هناك العديد من الأسر المغربية تعتقد أن عدم تخضيب العروس بالحناء ليلة زفافها هو فأل سيء ونذير شؤم عليها وحتى على قريباتها من الفتيات المقبلات على الزواج، لهذا يكون الحرص شديدا منهن على التبرك بالحناء ولو بوضع قسط قليل منها على أياديهن على شكل دائرة. ومن الاعتقادات الشعبية المتداولة الأخرى في المجتمع المغربي مثل العديد من المجتمعات العربية الأخرى أن الإكثار من استعمال الحناء يقذف في قلب المرأة الحنان والعطف ويجعلها محبوبة عند الناس، كما أن وضع الفتاة العانس لأوراق الحناء في عنقها على شكل قلادة يتيح لها إمكانيات الزواج، لكن أغرب هذه المعتقدات تكمن في الإيمان بأن الجلوس تحت شجرة الحناء ليلا يصيب بالمس لأنها مأوى للجن.. لكن الشيء المثير أيضا في تواجد الحناء في جل مشاهد وفضاءات حياة المغاربة، أن التخضب بالحناء طقس ضروري لدى الكثير من الناس في بعض مناطق البلاد، حيث إنه في مناسبة الوفاة تعمد العائلة إلى وضع نسائها وفتياتها للحناء والتزين بها عند مرور ثلاثة أيام من دفن الميت في إشارة إلى أن مدة الحزن قد انتهت. وتظل زوجة المتوفى وحدها بدون ناء إلى أن تكتمل مدة عدتها الشرعية حينها تزيل ثياب الحداد، ثم تتزين بالحناء دلالة على أنها فارقت الحزن. مؤشر للقوة والحناء في المجتمع المغربي ليست فقط مادة لتخضيب الأرجل والأيادي وتزيين الجسد، ولكنها أيضا عند بعض النساء مؤشر على إظهار القوة أو التعبير عن التفتح، وبالنسبة للبعض الآخر هي مؤشر على تقليد للغير فحسب. ويعتبر النقش بالحناء من وسائل إظهار التفتح لدى الكثير من الفتيات المراهقات، ولم تعد الحناء مادة تخص النساء كبيرات السن مثل الأمهات والجدات، بل أضحى نقشها على الأذرع والرجلين وأسفل الظهر من مؤشرات الانفتاح على العصر ومواكبة تقليعات الموضة الحديثة. وتقول كريمة، 20 عاما، إنها تحرص على نقش أجزاء من جسدها بالحناء خاصة حين تذهب لمدينة مراكش المشهورة بالنساء النقاشات، وذلك لأنها تحب الحياة والاستمتاع بها، ولكونها تشعر أن النقش بالحناء يجعلها أكثر مرحا ومتابعة للنجمات في مجال الغناء والسينما حين يأتين إلى مراكش حيث يقمن أيضا بالنقش بالحناء سوداء اللون. وترى أخريات أن الحناء يعطيهن الشعور بالقوة والتفوق على الغير، وهو الوضع الذي يفسره الدكتور محمد عباس نور الدين الأخصائي الاجتماعي والنفسي في كتابه حول الشباب، بكون المراهق والشاب عموما يهتم بهذه المظاهر الخارجية بسبب انعكاس القلق الذي يعاني منه بسبب صورته غير الواضحة وأحيانا المهزوزة عن ذاته، بالنظر إلى التغيرات الفيزيولوجية والنفسية والاجتماعية التي تتميز بها المرحلة العمرية التي يعيشها. ويضيف الخبير بأن إشارات القبول التي يتلقاها المراهق والشاب تشعره بالارتياح والرضا وتمنحه ثقة بالنفس وتخفف من القلق الذي يعانيه، مشيرا إلى أنه بهذه الطقوس مثل الملابس أو الوشم أو التزين بالحناء يُشعر المراهق بالانتماء وبأنه مقبول من طرف جماعته وخاصة من الجنس الآخر.