منذ أن دقت معامل الفواكه الحمراء طبول الحرب الوبائية، وارتفعت أعداد المصابين القياسية، ومنذ أن حصد الملاك الكبار منتوجاتهم من ثروات المنطقة ورحلوا سالمين غانمين، كان نصيب الساكنة السجن داخل الزنزانة رقم 2 في التصنيف الجغرافي الوطني، هو تصنيف مؤبد يدخل شهره الثالث، برغم أن المنطقة وعاصمتها سوق الأربعاء، لم تسجل إلا حالات معزولة جدا ومفردة على رؤوس الأصابع لدى بعض المصابين بفيروس كورونا. ومثلما أن مؤشر التنمية معطوب ومتوقف في هذه الجغرافيا المستلبة، فإن مؤشر تصنيفها في خارطة كورونا بدوره معطوب وشبه متوقف، إذ ما تزال داخل الزنزانة رقم 2، ولا ذنب لها في ذلك سوى التبعية الإدارية للقنيطرة ودهاليزها، وسوى أن أهلها مغلوب على أمرهم في كل شيء، بلا صوت، بلا حول، دراويش بوهيميون تأنف ربطات العنق الرسمية على الانتباه لأوضاعهم المبتئسة. وإذ حل الصيف بأيامه العجاف، فإن استمرار إغلاق شاطئ مولاي بوسلهام على التوالي بشكل يثير الدهشة، قد زاد من استفحال الشهور العجاف، وشدد الخناق على واردات ومداخيل المئات من الشرائح الاجتماعية، سواء أصحاب منازل الكراء، أو أصحاب الأنشطة التجارية والخدماتية والمرافق المتعلقة بالاصطياف التي تشكل الغوث السنوي الأساسي لهؤلاء، إنها ضربة الصيف القاضية. ناهيك عن استمرار الاحتقان النفسي والاجتماعي لدى ساكنة المنطقة بعد شهور طويلة من تدابير الحجر الصحي والضغط والرعب، إذ يشكل شاطئ مولاي بوسلهام المتنفس الوحيد والأوحد الذي يتلاءم مع القدرة الاستهلاكية لساكنة مفتقرة إلى ما عند سواها، ساكنة قد تفلح في رحلة ذهاب وإياب خلال اليوم نفسه لتأخذ قسط راحة مسروقة من قتامة الزمن. ما ينكأ الجرح الغرباوي بشكل أعمق وأدق، أن شواطئ العديد من المناطق الموبوءة، أو المتاخمة لبؤر الوباء، تظل شطآنها ومنتزهاتها البحرية مفتوحة مثل: تطوان، مارتيل، المضيق، سلا، الرباط، الدارالبيضاء، أكادير ... ولأن تلك المناطق تقع تحت الضوء، في الواجهات الحضرية ذات الأنياب الكبرى والدروع الطويلة، فإن التراتبية الوطنية المستشرية، تمنحها حق الحياة، أما مناطق العتمة في الهوامش الملحقة فإنها خرساء، في الركن القصي المنسي. وأمام حقيقة العجز عن تدبير منضبط وعقلاني لجغرافيات الأزمة الوبائية، لا سيما في بعض الأقاليم، ومنها إقليمالقنيطرة، كجغرافية متأخرة تاريخيا في كل المؤشرات الوطنية، فإن الحل الأسهل الأصعب كان هو العبقرية الإدارية التي تفتقت لدى القاعدين على كراسي المسؤوليات، إنه المنع والإغلاق، وكفى الله المسؤولين شر كورونا. *ناشط مدني