قصور حكومة البيجيدي وضعف أدائها ليس مرتبطا بظروف انتشار وباء كورونا، وإن كان عمّقه وفاقم ارتباكها وارتجاليتها في اتخاذ القرارات، بل ميز النسخة الأولى لحكومة بنكيران لينسحب على باقي الحكومات التي تشكلت منذ 2012 حتى الآن. وأول تجليات القصور فشل بنكيران في الحفاظ على حزب الاستقلال ضمن التشكيلة الحكومية والاستفادة من تجاربه وخبرات أطره. وكان من نتائج هذا القصور تعطل المشاريع التنموية التي رصدت لها مئات المليارات من الدراهم؛ الأمر الذي انتهى بإقالة عدد من الوزراء. بناء على تقرير للمجلس الأعلى للحسابات انتهى فيه إلى أنه "تمت ملاحظة تأخر كبير في إطلاق المشاريع، بل إن الأغلبية العظمى منها لم يتم إطلاقها أصلا". بل إن التقرير ذاته انتقد عدم اجتماع اللجنة المركزية المكلفة بتتبع المشاريع إلا في فبراير 2017، أي بعد 16 شهرا بعد توقيع الاتفاقية. لم يستوعب البيجيدي الدرس ولم يبذل أي مجهود لتجاوز القصور عبر الانفتاح على الكفاءات الوطنية الحقيقة واستثمار خبراتها لإعداد برامج تنموية طموحة وذلك لعدة أسباب أهمها: 1 اعتماد استراتيجية الاستثمار في الفقر من أجل الاستمرار في الحكم. فالحزب لا يخفي توجهه للاستغلال السياسوي لكل البرامج الاجتماعية التي تستهدف الفئات الهشة من المجتمع. والخلفية السياسوية واضحة في كلمة بنكيران كرئيس حكومة حينها أمام البرلمان لما تمت الموافقة على إحداث صندوق دعم الأرامل (أما ملي نمشيو لقضية الأرامل فين كاين هاذ الشي في العالم لما تْجيب واحد الحاجة سخّرها الله.. وحنا تنشوفو ذيك المرأة المسكينة.. لي في المستوى الأدنى في المجتمع... وتَتْلقى راسها واحد النهار بين عشية وضحاها عندها 3،4، 5 ديال الدراري وكيف غاد دير لهم... اليوم كان خاص المغاربة يديرو حفلة ويعتبرو هذا يوم عيد وطني). إن استراتيجية الاستثمار في الفقر التي تبقي الفقراء رهائن بيد الحزب يدينون له بالدعم ويضمنون لمشرحيه أصواتهم الانتخابية، تتنافى مع استراتيجية الاستثمار والتشغيل التي تضمن الكرامة والاستقلالية للأجراء. فالحزب أسس ما يفوق 22 ألف جمعية يرصد لها تمويلا من المالية العامة، سواء من الوزارات التابعة له أو من المجالس الترابية التي يسيرها أعضاؤه بهدف تشكيل قاعدة انتخابية تضمن لمرشحيه الفوز في الانتخابات. 2 تهميش الكفاءات الوطنية والاستعانة بعديمي الخبرة من أتباعه ليضمن لهم الريع مقابل ضمان الولاء للحزب. فخطة الحزب هي تحسين الأوضاع المادية لعناصره. وهذا واضح من كلام بنكيران في إحدى اللقاءات التنظيمية لحزب العدالة والتنمية حين قال: (علاش جينا؟ واش جينا باش نحلو مشاكلنا أو مشاكل الدولة والمجتمع؟ نْحلّو شوي ديال المشاكل دْيَالنا وتتحسن الحالة المادية ديالنا ما فيها باس). إن خطورة هذه الخطة مركبة. فهي أولا تجعل مصلحة الحزب فوق مصلحة الشعب والوطن. وثانيا تحرم الدولة من الكفاءات التي هي ثمرة جهود الدولة في التعليم والتكوين؛ وثالثا، تزرع عناصر الحزب في مفاصل الدولة لتحقيق غايات شتى، من بينها التحكم في مستوى تدبير شؤون الدولة وتنفيذ المخططات التنموية بعرقلتها أو تعطيلها متى كانت لا تخدم مصلحة الحزب. يضاف إلى هذا زرع عيون الحزب في دواليب الدولة حتى يسهل التلصص عليها، ومن ثم إعداد الخطط المضادة. 3 الاستبداد بالرأي والانفراد بالقرار، ضدا على الدستور الذي ينص على الديمقراطية التشاركية باعتبارها آلية تقوم على الحوار والتواصل والتعاون مع جميع الفاعلين حول إعداد السياسات العمومية وتنفيذها. وهذا ما تنص عليه مثلا الفقرة الثانية من الفصل 12 من الدستور: (تُساهم الجمعيات المهتمة بقضايا الشأن العام، والمنظمات غير الحكومية، في إطار الديمقراطية التشاركية، في إعداد قرارات ومشاريع لدى المؤسسات المنتخبة والسلطات العمومية، وكذا في تفعيلها وتقييمها. وعلى هذه المؤسسات والسلطات تنظيم هذه المشاركة، طبق شروط وكيفيات يحددها القانون). فالنزعة الاستبدادية لدى الحزب أقصت الفاعلين الاجتماعيين وهيئات المجتمع المدني في كثير من المحطات والقضايا (إصلاح نظام التقاعد، قانون العنف ضد النساء، مشروع القانون الجنائي...) فعلى سبيل المثال قانون 103.13 لم يستجب لمطالب الحركة النسائية والحقوقية التي تم إقصاؤها من التشاور والمشاركة في بلورة مشروع القانون قبل عرضه على المصادقة بالبرلمان. وكذلك نظام التقاعد الذي انفرد به رئيس الحكومة حينها بنكيران مهمّشا الفرقاء الاجتماعيين. أمام هذا الإقصاء الممنهج للفرقاء الاجتماعيين وهيئات المجتمع المدني، شدد خطاب العرش لهذه السنة على ضرورة ممارسة الديمقراطية التشاركية (لذا، ندعو الحكومة، بتشاور مع الشركاء الاجتماعيين لاستكمال بلورة منظور عملي شامل، يتضمن البرنامج الزمني، والإطار القانوني، وخيارات التمويل، بما يحقق التعميم الفعلي للتغطية الاجتماعية. ولبلوغ هذا الهدف، يجب اعتماد حكامة جيدة، تقوم على الحوار الاجتماعي البناء، ومبادئ النزاهة والشفافية، والحق والإنصاف، وعلى محاربة أي انحراف أو استغلال سياسوي لهذا المشروع الاجتماعي النبيل). أيا كانت التوجيهات الملكية وأهمية الأفكار والمبادرات التي جاء بها خطاب العرش، فإن إيديولوجية الحزب الذي يقود الحكومة تمنعه من الانفتاح على اقتراحات الأحزاب والهيئات المدنية أو إشراكها في بلورة السياسات العمومية محليا أو وطنيا. فالحزب الذي أجهز على الحقوق والمكتسبات الاجتماعية عبر سلسة من القرارات الجائرة لا يمكنه أبدا أن يكون في خدمة الشعب ومصلحته العليا. ذلك أن إدارة الدولة وتدبير الشأن العام يحتاج إلى نساء ورجال دولة وليس إلى نساء ورجال دعوة.