لم يكن إطلاق لقب "ملك الفقراء" "Le Roi des pauvres" على الملك "محمد السادس"، منذ اعتلائه عرش أسلافه المنعمين، عبثا أو صدفة بل إن الملك عبَّر مرارا عن ذلك كدعوته بأن تخصص جل برامج المبادرة الوطنية للتنمية البشرية للمشاريع الاقتصادية، ذات البعد الاجتماعي ولصالح الفات الهشة والفقيرة في القرى كما في المدن. وها هو الملك اليوم ينتصر للفقراء من شعبه بسبب التداعيات السلبية لجائحة كورونا، فلأول مرة في تاريخ المغرب الدولة توزع الأموال على الناس، والتي تضررت أكثر من غيرها من تطبيق قانون الطوارئ الصحية والحجر الصحي ومنع التنقل، حيث وجدت فئات عريضة من المجتمع نفسها بدون مصدر رزق، فكانت المبادرة الملكية لتأسيس صندوق كورونا مبادرة رائدة لبعث الأمل في نفوس الفقراء والمحتاجين وإعادة الثقة بين الدولة والمواطنين والمواطنات وتجسير الفجوة بين الفات الهشة والمحظوظين، مما أبان عليه "المجتمع المدني" من تضامن وتآزر، وهذا ليس بغريب عن تقاليد وأعراف المجتمع المغربي العريقة. وهو ما عبر عنه الملك قائلا: "فقد عشنا مشاهد لا تنسى من التعاون والعمل التطوعي، بين الجيران، ومع الأشخاص المسنين، والأسر المحتاجة، من خلال توزيع المساعدات، وتقديم الدعم والإرشادات. كما سجلنا، بكل اعتزاز، لحظات مؤثرة تجسد روح الوطنية العالية، خاصة خلال عزف النشيد الوطني من نوافذ المنازل، وتبادل التحيات بين رجال الأمن والمواطنين". وإذا كان من الطبيعي أن يشعر الإنسان، في حالات الأزمات الظروف الاستثنائية، بالقلق والخوف؛ فإن ما أعطى ويعطي الثقة والأمل، للمواطنين والمواطنات هي التدابير والقرارات الحاسمة التي اتخذتها السلطات العمومية وعلى رأسها المؤسسة الملكية. وهي قرارات، وإن كانت صعبة وقاسية واستثنائية فإن الظرفية التي أملتها هي كذلك صعبة وقاسية واستثنائية، وتستلزم الحزم والانضباط والتعامل معها بصرامة وعقلانية، وذلك لحماية المغرب ليس فقط من تداعيات الآثار السلبية ل"كوفيد 19" على الصحة العامة بل لحماية الجانب الاقتصادي والاجتماعي كذلك. إن القرارات الاستباقية التي اتخذها المغرب لمحاربة الجائحة والتصدي لها أدهشت العالم وجعلته نموذجا يحتذى به، وبالخصوص أن الجالس على العرش فضل التضحية بالجانب الاقتصادي على التضحية بأرواح المواطنين والمواطنات، عبر إغلاق الحدود وتوقيف مجموعة من الأنشطة الاقتصادية، وهو ما استلزم من الحكومة إحداث صندوق خاص لمواجهة التداعيات الصحية والاقتصادية والاجتماعية لهذا الوباء. وهو ما مكن من تعبئة 33 مليارا و700 مليون درهم. وقد بلغ مجموع النفقات 24 مليارا و650 مليون درهم، تم صرفها لتمويل تدابير الدعم الاجتماعي، وشراء المعدات الطبية الضرورية. "كما سيتم رصد خمسة ملايير لصندوق الضمان المركزي، في إطار إنعاش الاقتصاد. وقد وجه الملك الحكومة لدعم صمود القطاعات المتضررة، والحفاظ على مناصب الشغل، وعلى القدرة الشرائية للأسر، التي فقدت مصدر رزقها". لقد اعتبر الملك أن المخاطر الناجمة عن الجائحة يجب تحويلها إلى فرص لإعادة ترتيب الأولويات، وبناء مقومات اقتصاد قوي وتنافسي، ونموذج اجتماعي أكثر إدماجا. وفي هذا الإطار، وجه الملك الحكومة ومختلف الفاعلين للتركيز على التحديات والأسبقيات التي تفرضها المرحلة. وفي مقدمتها إطلاق خطة طموحة للإنعاش الاقتصادي تمكن القطاعات الإنتاجية من استعادة عافيتها، والرفع من قدرتها على توفير مناصب الشغل، والحفاظ على مصادر الدخل. وفي هذا الإطار دعا الملك إلى إحداث صندوق للاستثمار الاستراتيجي مهمته دعم الأنشطة الإنتاجية، ومواكبة وتمويل المشاريع الاستثمارية الكبرى بين القطاعين العام والخاص، في مختلف المجالات. كما يجب الإسراع بإطلاق إصلاح عميق للقطاع العام، ولهذه الغاية، دعا الملك كذلك لإحداث وكالة وطنية مهمتها التدبير الاستراتيجي لمساهمات الدولة، ومواكبة أداء المؤسسات العمومية. إن الهدف من كل المشاريع والمبادرات والإصلاحات هو النهوض بالتنمية، يقول الملك، وتحقيق العدالة الاجتماعية والمجالية. وتوفير الحماية الاجتماعية وتعميمها على جميع الفئات الاجتماعية. *أستاذ التعليم العالي بكلية الحقوق – جامعة الحسن الأول