أكدت مجموعة من القراءات والتحليلات السياسية المغربية، أن المستويات التي تحدد اختصاصات مجالس العمالات والأقاليم لا تتوفر على الوسائل القانونية التي تمنحها إمكانية الضغط للتعجيل بتنفيذ القرارات التي تصادق عليها. خاصة وأن رؤساءها لا يستفيدون من السلطة المفترض أن يتمتعوا بها في حالة ما إذا لم يحترم الولاة والعمال الآجال القانونية المرتبطة بتواريخ تلك المصادقات، ومدى تأثير هذا التأخير على السير الطبيعي لتدبير شؤون المجلس. لذلك ترى مجموعة من الفعاليات السياسية أن مسألة الترجمة الفعلية للقرارات المتخذة من قبل هذه المجالس، تبقى مرهونة بمستوى تفاعلها وتعاونها، أو بالأحرى بدرجة الرضا التي يقرها الولاة والعمال في المنتخبين التابعين لدائرة نفوذهم، وكذا بارتفاع نسب التمسح بالأعتاب حسب قدرات كل رئيس ومواهبه في قراءة الكف. رجالات السلطة يتحكمون في ميزانيات المجالس المنتخبة أجمع المتتبعون للمشهد الجماعي بالمغرب، أن عمال صاحب الجلالة ظلوا يهيمنون بصفة مطلقة على الميزانيات المرتبطة بالجماعات المحلية على امتداد المسافة الفاصلة بين صدور الميثاق الجماعي، والقانون المنظم لمجالس العمالات والأقاليم سنة 1963، إلى غاية صدور الظهير الشريف المنظم للجماعات المحلية سنة 1976، حيث استمر العمال على امتداد هذه المساحة الزمنية من تاريخ المغرب يتصرفون في ميزانيات ضخمة دون حسيب ولا رقيب. ويفيد ذات الإجماع، أنه وعلى الرغم من كون النظام الجماعي المحدث سنة 1976، حول الجماعات الحضرية والقروية إلى وحدات ترابية مستقلة إداريا وماليا، وتتمتع بالشخصية المعنوية والقانونية، إلا أنه لم يحرر مجالس العمالات والأقاليم من التدخل المباشر للعمال في صرف ميزانياتها المحلية علما أنها مؤسسات منتخبة،ومع ذلك ظلت أمورها المالية تُدبر تحت الإشراف الفعلي والمباشر للعامل، باعتباره من جهة آمرا بالصرف، ويتحكم من جهة أخرى في قراراتها الإدارية بصفته الساهر دستوريا على ترجمة مقررات المجلس الإقليمي، مما يعني حسب نفس الفعاليات أن أسلوب وضع اليد على ميزانيات مجالس العمالات والأقاليم من طرف النظام المخزني، ظل مفروضا على هذه المؤسسات منذ فجر الاستقلال، ولا يزال مستمرا ضدًا على الشعارات المرفوعة بخصوص الانخراط الفعلي في تطوير الفعل الجماعي وتوسيع اختصاصاته.. ويذكر أن مجموعة من الأصوات ارتفعت من داخل البيوت الحزبية المغربية، من بين الفعاليات السياسية والحقوقية، مطالبة بضرورة تحرير هذه المؤسسات المنتخبة (مجالس العمالات) من يد رجالات السلطة فيما يرتبط بتدبير شؤونها المالية، أسوة بالمجالس البلدية التي خلصها الميثاق الجماعي (ظهير1976) بتحويله عملية الإمرة بالصرف من يد العمال إلى رؤساء المجالس المنتخبة، وكذلك الأمر بالنسبة لمجالس الجهات التي خرجت من يد العمال بموجب القانون المنظم للجهات سنة 1997، وكان منتظرا أن يفصل الميثاق الجماعي المعدل سنة 2002 في أمر هذه المجالس(مجالس العمالات )، التي لا زالت تحت الحراسة النظرية لسلطة الوالي والعامل، إلا أن المشرع المغربي لم يفعل، فاستمر الوضع على ما كان عليه، فأصبحت المجالس الولائية التي جادت بها رياح وحدة المدن هي الأخرى تعيش على نفس الإيقاعات القديمة، حيث يدبر الولاة شؤونها وفق الهواجس الأمنية التي تتحرك في نفوسهم بقوة، وعلى سبيل المثال لا الحصر أن والي مدينة الدارالبيضاء الكبرى الذي طالما تماطل في تنفيذ مجموعة من المشاريع التي أقرها مجلس الولاية، هرول وبسرعة البرق إلى بناء مخافر للبوليس (تيلي بوليس) التي انتشرت بقدرة قادر كالفطر في جميع أرجاء المدينةالبيضاء، فاحتلت على الطريقة البوليسية مواقع حساسة دون قرارات من المجالس المحلية ودون إذن حتى، مما يؤكد طغيان العقلية البوليسية في نفوس القائمين على تنفيذ مقررات هذه المجالس. هذه النظرة القزمية التي تملأ عيون السلطة تجاه منتخبيها، مردها حسب العديد من المحللين للصلاحيات الواسعة التي منحها القانون المحدث مؤخرا والمتعلق بتنظيم الأقاليم الصادر سنة 2002، والذي أعطى وبوضوح تام الأولوية وبشكل خاص للولاة والعمال قياسا بمكونات المجالس الإقليمية ومجالس العمالات ورؤسائها، وهو الأمر الذي أفضى إلى نوع من الاختلال في التوازنات الوظيفية لمكونات هذه المجالس عوض خلق نموذج للازدواج الوظيفي، كما غذى من جهة أخرى وبشكل كبير اللامركزية الإقليمية التي يحركها الهاجس الإداري، وساهم في تقويتها على حساب الانشغالات الاقتصادية والاجتماعية. وارتباطا بالموضوع أكدت فعاليات منتخبة من مجلس ولاية الدارالبيضاء ل (المشعل)، فضلت عدم ذكر اسمها، أن مجموعة من المقررات لاتزال في الرفوف لأن سيادة الوالي لا يراها من الأولويات، بالرغم من كون المجلس اتخذ مقررات بخصوصها، موضحة من جهة أخرى أن ميزانية المجلس التي تقدر ب 27 مليار سنتيم تخصم منها رواتب ما يقارب 3200 موظف بين مؤقتين ورسميين، أما الباقي فيصرف على أمور وصفتها بنفقات تشكل عبئا على ميزانية المجلس، كالسكن الوظيفي للقياد وكبار موظفي السلطة، إضافة إلى مصاريف البنزين الخاصة بالسيارات الموضوعة رهن إشارتهم معية التابعين لهم في الهرم الإداري، وهي نفقات يسهر الوالي على صرفها بانتظام وبسخاء في غالب الأحيان، أما المشاريع التي أقرها المنتخبون لفائدة الجوانب الاجتماعية لساكنة المدينة كرياض الأطفال ودور الحضانة وتهيئة بعض المنتزهات وبعض المرافق العمومية وغيرها.. فهي لاتزال مرهونة بمزاج السيد الوالي وطوع أمره، أو ربما لأنه يرى مصالح السكان ثانوية أمام المصالح الشخصية لرجالات السلطة المحلية،والغريب في الأمر تضيف مصادرنا أن السيد والي الدارالبيضاء (وزير المالية سابقا) تمكن من الحصول من مصالح وزارة المالية على حصة المدينة من ((tva عن سنوات 2007/2008/2009/ لتسديد بعض الديون التي تدخل في نسبة العجز المالي للمجلس، علما أن 90 بالمائة من المشاريع التي صوت لفائدتها أعضاء مجلس ولاية الدارالبيضاء لم تعرف طريقها إلى النور تحت مجموعة من التبريرات الفارغة، والتي يراد بها ذر الرماد في العيون ليس إلا. لذلك تقول نفس المصادر إن غالبية مشاريع هذا المجلس لازال وقف التنفيذ يلازمها، وتحكم الوالي في تدبيرها يحد من فعاليتها علما أنها تهم بالدرجة الأولى ساكنة المدينةالبيضاء. وبما أن الآمرين بصرف ميزانيات هذه المؤسسات ليسوا منتخبين يرى المراقبون أن المشرع المغربي، من خلال ظهير 12 شتنبر 1963 المنظم لمجالس العمالات والأقاليم، لم يشر بصفة واضحة ومباشرة إلى كون الإقليم أو العمالة جماعة محلية ترابية تهم العمالة أو الإقليم، كما هو الحال بالنسبة لظهير 30 شتنبر 1976 المنظم للجماعات المحلية التي يباشر عملية صرف ميزانيتها المنتخبون. لذلك تجد الولاة والعمال بوصفهم آمرين بالصرف بالنسبة لهذه المؤسسات الجماعية (مجالس العمالات والأقاليم) يتصرفون فيها كما يحلو لهم، في ظل غياب قنوات قانونية تضعهم تحت المراقبة والمحاسبة، ولم لا المساءلة والعقاب أيضا، طالما أنهم مسؤولون عن صرف ميزانيات ضخمة، تخصم من الميزانية العامة للدولة التي تتألف من ضرائب المواطنين. ليخلصوا بالقول إلى أن نفس الهيمنة المضروبة على مجالس العمالات ظلت قائمة بالنسبة للمجالس الجهوية التي لم تتحرر من قبضة العمال إلا مع صدور القانون المنظم للجهات المرقم ب 47 -96 الصادر في 02 أبريل 1997، والذي تمكنت بموجبه مجالس الجهات من الانتقال إلى كيان مستقل يتمتع بالشخصية المعنوية والاستقلال المالي وكذلك بالاختصاصات القانونية المرتبطة بالتدبيرين المالي والإداري. ويرى المتتبعون للعمل الجماعي، أن هذا الشكل من الاستقلالية المشفوع بنص قانوني، يبقى غير ذي جدوى من الناحية العملية، خاصة في ظل الوصاية المضروبة على تدبير الشؤون المحلية لهذه المجالس، سواء من طرف الوصاية الإدارية التي تمارسها وزارة الداخلية في شخص العامل أو الوالي أو الوصاية المالية التي تمارسها وزارة المالية في شخص القابض البلدي، لكن وبما أن الدستور المغربي يعطي صلاحيات واسعة للولاة والعمال في تنفيذ القرارات الحكومية، تطبيقا لمقتضيات الفصل 102 من الدستور المغربي الذي ينص على (يمثل العمال الدولة في العمالات والأقاليم والجهات، ويسهرون على تنفيذ القوانين، وهم مسؤولون عن تطبيق قرارات الحكومة كما أنهم مسؤولون، لهذه الغاية، عن تدبير المصالح المحلية التابعة للإدارات المركزية). مما يعني أن القابض البلدي بوصفه تابعا للإدارة المركزية ووصيا من جهة أخرى على مالية الجماعات المحلية، فإنه تماشيا مع روح النص الدستوري يخضع لسلطة الوالي والعامل، من ثمة يرى المهتمون بالشأن المحلي أن يد العمال والولاة تبقى طويلة بالقدر الذي يضمن تحكمها المطلق في جميع مناحي التدبير اليومي للفعل الجماعي سواء في شقه المالي أو الإداري، وانطلاقا من ذات المعطيات استخلص هؤلاء المهتمون أن التدبير المالي لغالبية المؤسسات المنتخبة على اختلاف مواقعها من الهرم السياسي بالبلاد، لا يتم في نطاق محترم من الحرية، بما يمكن الهيئة المنتخبة محليا من التعبير عن نضجها واستقلالها المطلق في تدبير شؤونها المحلية المرتبطة بالتنمية الشاملة، إنما ظلت جميع حركاتها وسكناتها على امتداد مساحة التجربة الجماعية بالمغرب مرهونة بوصاية العمال والولاة، ومربوطة بمستوى التعاطي الإيجابي مع مؤسسة الوالي أو العامل، وكذا بدرجة التمسح بتلابيب رجالات السلطة، من قبل رؤساء المجالس الجماعية المنتخبة، وتبعا من جهة أخرى لارتفاع درجات الاحترام التي يقرأها الولاة والعمال على محيى هؤلاء الرؤساء من ممثلي الشعب يوميا . سلطة الولاة والعمال تفوق سلطات الحكومة يؤدي الولاة والعمال أدوارا طلائعية داخل الهرم الإداري للسلطة بالمملكة المغربية، ويتمتعون وفقا لفصول الدستور المغربي والقوانين المرتبطة به بصلاحيات واسعة تمنحهم سلطات أوسع في الضبط والمراقبة والتتبع وفي المنع والتوقيف أيضا، خاصة وأنهم يملكون القوة القانونية في الجمع بين الرفض والقبول باعتبارهم ممثلين للدولة ومنفذين لمشاريع الحكومة داخل الوحدات الترابية المعينون بها. و ترى بعض التحليلات السياسية أنهم يستمدون هذه القوة من الدستور المغربي في طبعته الأخيرة لسنة 1996 التي أقرها الشعب المغربي من خلال الاستفتاء الشعبي في الاقتراع العام المباشر، والذي منح صلاحيات ما أتى الله بها من سلطان لفائدة الولاة والعمال، حيث حولهم من مجرد منسقي نشاطات (مصالح الوزارات) بالولاية أو العمالة حسب مقتضيات دستور سنة 1992، إلى مسؤولين عن تطبيق قرارات الحكومة، وهو التحول الذي أصبحوا بموجبه يملكون صلاحية تنفيذ ما يرونه (حسب تقديراتهم المخزنية والمطبوعة بالهاجس الأمني) مناسبا، ويضعون في المقابل علامات قف وإشارات المنع أمام جميع المشاريع والقرارات الحكومية التي تخالف نظرتهم في تصريف الأمور وطرق أجرأتها على أرض الواقع، مما يعني أن صلاحياتهم الدستورية تشير نفس التحليلات تخول لهم سلطة الانتقاء بامتياز، وتمكنهم من ذلك عبر توفيرها الحماية القانونية لهم، من أجل الاستمرار في عملهم دون حسيب أو رقيب، علما أن الوزير الأول وتماشيا مع المقتضيات الدستورية المعمول بها في أرجاء المملكة، لا يملك الحق في مساءلة الولاة والعمال لأنهم مسؤولون أمام الملك وحده، وهو ما يؤكد في المقابل أن سلطة الولاة والعمال تفوق سلطة الحكومة نفسها، ولا يحق لهذه الأخيرة أن تنبس ببنت كلمة طالما الدستور المغربي يعطي الحق لمؤسسة الولاة والعمال سلطة تطبيق قرارات الحكومة على أرض الواقع، كما يعطيها سلطة التعفف عن ترجمتها تماشيا مع السلطة التقديرية التي تتمتع بها في الضبط والمراقبة، و ترى ذات التحليلات أن السلطة الممنوحة لمؤسسة الولاة والعمال دفعت بالعديد من الفعاليات السياسية والحزبية إلى الذهاب بالقول على أنها المؤسسة التنفيذية الأولى بالمغرب، قبل الحكومة ذاتها، وأنها تمثل، بالفعل والممارسة، السلطة التنفيذية، لكنها تفضل حسب تكوينها المخزني أن تبقى في مناطق الظل، خاصة وأنها تملك المفاتيح التي تمكنها من تسيير البلاد وفق المستويات التي تراها مناسبة، ووفق الشروط التي تمليها ظروف كل مرحلة، وتماشيا كذلك مع إملاءات وزارة الداخلية التي تعتبر الوعاء المركزي الذي يقترح الولاة والعمال على الملك، وفقا للقنوات القانونية التي تنظم عملية تعيينهم من طرف الملك، وهو ما دفع بالعديد من ممثلي الملك عبر تراب المملكة إلى تقليد الملك في الكثير من مناسباتهم الرسمية، حيث تغلق الطرقات في مواكبهم، وتنصب الخيام وتتسابق الخيول وتدق الطبول لاستقبالهم في العديد من مناطق المملكة المغربية، وأغلبهم يدقق في البروتوكول الخاص بموكبه بشكل غريب جدا، قد يتجاوز في الكثير من الأحيان التدقيق الذي تمارسه مديرية التشريفات والأوسمة في البروتوكولات الملكية. ""