قالت ورقة بحثية إن فيروس كورونا ضرب الولاياتالمتحدةالأمريكية في الوقت الذي كانت تستعد فيه للانتخابات الرئاسية المقرر لها في الثالث من نوفمبر المقبل. وبجانب الأزمات السياسية التي تعاني منها البلاد بالفعل، أظهرت عديد من استطلاعات الرأي التي أُجريت قبل انتشار الجائحة أن الناخبين الأمريكيين يفتقرون إلى الثقة في نظامهم الانتخابي. وأوضحت الورقة، التي تدرس تأثيرات فيروس كورونا على الاستحقاقات الأمريكية، أن انعدام الثقة في الانتخابات الأمريكية ليست ظاهرة جديدة؛ ففي استطلاع "جالوب" العالمي السنوي، أعرب غالبية الأمريكيين عن شكوكهم حول نزاهة انتخاباتهم كل عام منذ 2012. وتشير الورقة البحثية، التي أعدها مركز المستقبل للأبحاث والدراسات المتقدمة، إلى أن هناك أسبابًا عديدة لدى الأمريكيين لعدم الثقة في نظامهم الانتخابي، تتمثل في: أولًا، يمنح الدستور للمسؤولين الحكوميين والمحليين سلطة إدارة الانتخابات، وهو الأمر الذي يُحجِّم الرقابة الفيدرالية، ويمنح الفرصة الكبيرة للخطأ البشري وعدم الكفاءة. ووفقًا للخبراء، فإن معظم مسؤولي الانتخابات الأمريكيين أكفاء، ولكنّ هناك جيوبًا من عدم الكفاءة يمكن أن تقوِّض الثقة في النظام. وغالبًا ما يتم الاستشهاد بما حدث في ولاية فلوريدا في انتخابات عام 2000، حيث وقعت أخطاء في عمليات الفرز نتيجة أعطال بأجهزة إحصاء البطاقات في بعض مقاطعات الولاية، مما أدى إلى إهدار عشرات الآلاف من الأصوات، وباللجوء إلى المحكمة العليا، تمت إعادة فرز الأصوات يدويًّا، مما أدى إلى إعلان "جورج بوش الابن" فائزًا بأصوات الولاية في المجمع الانتخابي على حساب منافسه "آل غور"، بفارق في الأصوات بلغ 537 صوتًا فقط. ثانيًا، تعاني المنظومة الانتخابية الأمريكية من عدم وجود مسؤولين انتخابيين مستقلين وغير حزبيين، وغالبًا ما تكون المشاكل المرتبطة بهذا الخلل واضحة للغاية. فعلى سبيل المثال، في انتخابات حاكم ولاية "جورجيا" عام 2018، كان "برايان كيمب" أحد أبرز المسؤولين داخل الولاية وكبير موظفي الانتخابات، وفي الوقت ذاته كان المرشح الجمهوري لمنصب الحاكم، وذلك في مواجهة "ستايسي أبرامز"، مرشحة الحزب الديمقراطي. كانت هناك العديد من المشاكل في قاعدة بيانات تسجيل الناخبين، التي كان "كيمب" مسؤولًا عنها، مما جعل من الصعب على بعض الناخبين ممارسة حقهم في التصويت، وكذلك صارت المعلومات الشخصية لكل ناخب عرضة لانتهاكات أمن البيانات. ثالثًا، ساهم الاستقطاب الحزبي بين الديمقراطيين والجمهوريين في عرقلة جهود إصلاح النظام الانتخابي الأمريكي، فالجمهوريون يرغبون في قواعد وأنظمة أكثر صرامة للتعامل مع عمليات التلاعب والاحتيال المحتملة، بينما يُفضِّل الديمقراطيون قواعد ولوائح أكثر تساهلًا للتعامل مع القمع المحتمل دائمًا للناخبين. ويبدو أن كل حزب يحاول فرض تشريعات أو "إصلاحات" تستهدف الفئات التي تصوِّت-في العادة-للحزب الآخر، أو تستهدف حماية جمهورها من مخططات الحزب الآخر. وقد كانت انتخابات 2016 إشكالية بشكل استثنائي من حيث تقويض ثقة الناخبين في الانتخابات الأمريكية. فقبل الانتخابات، دأب المرشح "دونالد ترامب" على الادعاء بأن الانتخابات سيتم تزويرها أو سرقتها، بل وأعلن رفضه المسبق لقبول النتائج إذا خسر. وبعد الانتخابات، كرر "ترامب" مزاعم-لا أساس لها من وجهة نظر الكاتبة-حول عمليات تزوير على نطاق واسع أفقدته جزءًا كبيرًا من شعبيته. ومنذ ذلك الحين، لجأ أعضاء كلا الحزبين السياسيين إلى استخدام كلمات "السرقة" و"التزوير" عندما لا تسير الانتخابات لصالحهم، مما يغذِّي دورة متنامية من عدم الثقة ونزع الشرعية عن العملية الانتخابية. وجاءت المحاولات الروسية للتدخل في الانتخابات لتزيد الأمر تعقيدًا. ولم تكن الاتهامات التي طالت "ترامب"، حسب الورقة، تمهيدًا لعزله عام 2019، نقطة تحول لاستعادة ثقة الأمريكيين في نظامهم؛ بل على العكس، فقد اعتبر العديد من الناخبين الجمهوريين إقالة "ترامب" من قبل مجلس النواب (الذي يسيطر عليه الديمقراطيون) محاولة غير عادلة من قبل الحزب الديمقراطي لإسقاط الفائز الشرعي في انتخابات 2016 لمصلحتهم السياسية الخاصة، مما ترك هؤلاء الناخبين يشعرون بأن خصومهم السياسيين لا يحترمون العملية الديمقراطية. ومن ناحيةٍ أخرى، تقول الورقة، يشعر العديد من الناخبين الديمقراطيين بأن الحزب الجمهوري وضع الرئيس فوق القانون لمصلحتهم السياسية، ويخشون من أنّ تبرئة مجلس الشيوخ (الذي يسيطر عليه الجمهوريون) لترامب قد تشجِّع على المزيد من التدخل الأجنبي في انتخابات 2020. وحسب المصدر ذاته، من المحتمل أن يستمر فيروس كورونا في تهديد حياة الأمريكيين خلال هذا الخريف، ليكون من غير المرجح أن يتمكن جميع الناخبين المؤهلين من الذهاب بأمان إلى صناديق الاقتراع في نوفمبر 2020. ويقول حوالي ثلثي الأمريكيين إنهم لن يشعروا بالراحة عند الذهاب إلى أماكن الاقتراع للتصويت وسط تفشي الفيروس. فإذا لم يتم إجراء أي تغييرات على كيفية إجراء الانتخابات لضمان سلامة الناخبين، فهناك خطر حقيقي من انخفاض نسبة إقبال الناخبين (المنخفضة أصلًا في الانتخابات السابقة)، وهو الأمر الذي قد يقوِّض شرعية الانتخابات. ومن المرجّح أن يكون خطر الإصابة بفيروس كورونا أعلى بشكل ملحوظ في بعض أجزاء من البلاد عن أجزاء أخرى، مما قد يؤدي إلى إقبال مُوزّع بشكل غير متساوٍ. وحتى هذه اللحظة (يونيو 2020) يؤثر فيروس كورونا على الناخبين الديمقراطيين المحتملين أكثر من الناخبين الجمهوريين المحتملين، جغرافيًّا وديموغرافيًّا، حيث كانت أسوأ النقاط الوبائية الساخنة في المدن الكبرى التابعة تصويتيًّا للحزب الديمقراطي، وكان الأمريكيون من أصل إفريقي ومن أصل لاتيني هم الأكثر عرضة للإصابة بالمرض من الأمريكيين البيض. ومع ذلك، قد تتغير هذه الديناميكية قبل نوفمبر إذا طوّر الأشخاص الذين مرضوا في الموجة الأولى من الوباء مناعة ضد الفيروس. وتضيف الورقة أنه بالرغم من الإشكاليات التي يطرحها فيروس كورونا على الانتخابات الرئاسية؛ إلا أنه من غير المرجّح أن يتم تأجيلها، حيث سيتطلب ذلك قانونًا من الكونغرس، ومن غير المحتمل أن يوقّع كل من مجلس النواب الذي يسيطر عليه الديمقراطيون ومجلس الشيوخ الذي يسيطر عليه الجمهوريون على هذا التأجيل. وينصّ دستور الولاياتالمتحدة على أن ولاية الرئيس في منصبه يمكن أن تستمر أربعة أعوام فقط. لذا فإن تأجيل الانتخابات لن يُغيِّر من حقيقة أن الولاية الأولى للرئيس "ترامب" ستنتهي عند الظهر في 20 يناير 2021. ولتعقيد الأمور أكثر، فإن الرئيس ليس السياسي الوحيد الذي ستنتهي ولايته في ذلك اليوم أو قبله. ما لم يتم إجراء الانتخابات، حيث لن يكون هناك نائب رئيس، وسيكون مجلس النواب فارغًا، ولن يكون لمجلس الشيوخ سوى ثلثي أعضائه. وهذا الوضع لا يكاد يرغب فيه أيٌ من الطرفين. لذا، ومن أجل إجراء انتخابات 2020 بأمان ونجاح، يلزم، وفق المصدر، إجراء تغييرات جذرية. ويبدو أن توسيع الفرص أمام الأمريكيين للإدلاء بأصواتهم الغيابية عن طريق البريد هو الطريقة الأكثر واقعية لحماية الناخبين من الفيروس، حيث يتم بالفعل استخدام شكل من أشكال التصويت بالبريد في جميع الولايات الخمسين. ووفقًا لاستطلاع "مركز بيو للأبحاث" الذي أُجري في أبريل 2020، يفضِّل 70% من الأمريكيين السماح لأي ناخب بالتصويت عبر البريد هذا العام إذا رغب في ذلك. ومع ذلك، تزيد الورقة، فبسبب الطبيعة اللا مركزية للنظام الانتخابي، يبدو أنه من غير المحتمل أن تُتاح لجميع الناخبين فرصة متساوية للتصويت عبر البريد. فقبل تفشي الوباء، كانت 5 ولايات تخطط لإرسال اقتراع غائب لكل ناخب هذا العام ليُسهِّل التصويت بالبريد. وستسمح 28 ولاية لأي شخص بطلب اقتراع غائب. لكن 17 ولاية كانت ستطلب سببًا للتصويت الغائب، ويبقى أن نرى ما إذا كانت تلك الولايات ستعتبر الخوف من فيروس كورونا سببًا صحيحًا للتصويت عبر البريد أم لا، تزيد الورقة. إضافةً إلى ما سبق، فإن التصويت عبر البريد أكثر عرضة للتزوير من التصويت الشخصي، حيث تنتقل بطاقات الاقتراع إلى ما وراء أعين المسؤولين والمراقبين الانتخابيين اليقظة، ويمكن بسهولةٍ شراؤها أو بيعها أو تغييرها أو تدميرها. وكان الرئيس "ترامب" مُنتقِدًا صريحًا للتصويت الغائب، حيث قدّم ادعاءات بأن التصويت عبر البريد يزيد بشكل كبير من خطر التزوير. وبينما اقترح الديمقراطيون تفويض جميع الولايات لضمان حق الناخبين في التصويت عبر البريد بسبب الوباء، عارض الجمهوريون مثل هذا التدخل الفيدرالي. وترصد الورقة عوامل أخرى قد تؤثر بشكل غير مباشر في مسارات التصويت ونتائج الانتخابات. أحد هذه العوامل البارزة هو مقدار التغطية الإعلامية التي تلقّتها انتخابات 2020 هذا الربيع. ولولا هذا الوباء لكانت الانتخابات تهيمن على الأخبار، ولكن الآن أصبح لفيروس كورونا الأسبقية في كل شيء. فقد صار الأمريكيون يتحدثون عن الانتخابات بشكل أقل، حيث إن عقولهم مليئة بالصراعات اليومية الشخصية الناشئة عن الفيروس وتأثيره على الاقتصاد. وعلى جانب آخر، أثّرت فكرة الابتعاد الاجتماعي على طبيعة الحملات الانتخابية السياسية. حيث أصبحت مصافحة الأطفال وتقبيلهم أمرًا غير وارد، وكذلك تشكيل المسيرات وحملات جمع التبرعات. ناهيك عن أن الناخبين الذين يواجهون المرض وموت أحبائهم، أصبحوا غير مبالين-نسبيًّا-بالحملات السياسية وعمليات التصويت. لذا كلما كانت قواعد وإجراءات التصويت الجديدة أكثر تعقيدًا، زادت احتمالية أن يقرر بعض الناخبين عدم الذهاب إلى التصويت في انتخابات 2020. ومن ناحية ثالثة، وفي ظل أجواء انتشار الوباء، وحالة عدم اليقين بشأن الانتخابات المقبلة وقواعدها الجديدة، ستصبح لدى أيّ شخص القدرة على زعزعة المشهد الانتخابي عن طريق نشر معلومات مضللة في وسائل التواصل الاجتماعي، سواء كان مواطنًا أمريكيًّا أو عميلًا أجنبيًّا، لأنه كلما ازدادت الأمور الفوضوية في الحياة الواقعية، زاد احتمال أن يصدقك الناخبون إذا روّجت إلى تغير مواقع الاقتراع، أو أرسلت تعليمات غير صحيحة حول كيفية التصويت عبر البريد. يمكن أيضًا استخدام التضليل عن طريق تضخيم مخاوف الإصابة بالفيروس عند التصويت. ومن المرجّح، تقول الورقة، أن يُشكّك "ترامب" في نتائج الانتخابات إذا جاءت في غير صالحه، خاصة في ضوء اعتراضه على آلية التصويت عن طريق البريد. وكذلك، فإن الديمقراطيين سيقاتلون بشراسة في هذه الانتخابات، خاصة في ضوء أزماتهم الكبيرة والواضحة مع إدارة "ترامب" للبيت الأبيض. يشعر كلا الجانبين أنهما يقاتلان من أجل مستقبل أمريكا، ومن المرجَّح أن يواصلا المعركة حتى آخر نفس. ومن المحتمل أن يجد الجانب الخاسر على الأقل سببًا معقولًا للطعن في النتائج أمام المحكمة، وعلى الأرجح لن يكون قرار المحكمة العليا مقبولًا لجميع الأطراف. وأخيرًا، تُظهِر الاحتجاجات وأعمال الشغب الأخيرة في جميع أنحاء الولاياتالمتحدة أن هناك الكثير من الغضب المكبوت في بلد دمره الفيروس القاتل. كما يثبتون أن الخوف من الفيروس لا يكفي لإبعاد الناس عن الشوارع. إذا أسفرت الانتخابات عن نتيجة مُتنَازَعٍ عليها، فإن خطر الاحتجاجات العنيفة وأعمال الشغب سيكون مرتفعًا للغاية.