بتسجيلها أزيد من خمسة ملايين حالة إصابة وأكثر من 163 ألف حالة وفاة، باتت الولاياتالمتحدة البلد الأكثر تضررا في العالم من وباء كورونا، الأزمة الصحية غير المسبوقة ذات التداعيات الاقتصادية والاجتماعية، والتي أرخت بظلالها على الحملة الممهدة للانتخابات الرئاسية الأمريكية المقبلة، ولا يستبعد أن تكون لها الكلمة الفصل في حسم السباق نحو البيت الأبيض. فمنذ اكتشاف الحالات الأولى للإصابة بفيروس كورونا في يناير الفائت، غير واقع الوباء مجريات الحملة الممهدة لرئاسيات الثالث من نونبر القادم. وباستثناء بعض التجمعات، كان أبرزها التجمع الذي انعقد في تولسا بأوكلاهوما بمبادرة من دونالد ترامب، وسط انتقادات حادة، انتقلت الحملة إلى الفضاء الافتراضي، حيث حلت شبكات التواصل الاجتماعي محل التجمعات الحاشدة في القاعات وصالات الألعاب الرياضية لفريقي حملتي الجمهوريين والديمقراطيين على حد سواء. وبدورها لم تبق المؤتمرات السياسية للحزبين بمعزل عن هذا التحول، حيث اضطر فريقا حملة دونالد ترامب ومنافسه المحتمل جو بايدن إلى تغيير خططهما وتكييفها مع سياق القيود التي فرضها وباء كورونا. وللحد من مخاطر تفشي الوباء، سيتم إجراء هذين الحدثين الكبيرين بشكل افتراضي. ووفقا للتقاليد السياسية الأمريكية، تعد المؤتمرات الحزبية فرصة للمندوبين لدعم المرشحين للرئاسة ومنبرا لتقديم البرامج والأولويات وجذب الناخبين. فالمؤتمر الديمقراطي، الذي كان مقررا أن ينعقد مبدئيا في ميلووكي بولاية ويسكونسن، من 17 إلى 20 غشت الجاري، سيتم بشكل افتراضي، تحت شعار: "توحيد أمريكا". ومن المنتظر أن يحضر الرئيس السابق باراك أوباما، الذي لا يزال يحظى بشعبية داخل الحزب الديمقراطي، والسيدة الأولى السابقة ميشيل أوباما، إلى جانب جيل بايدن، زوجة مرشح الحزب للبيت الأبيض، المؤتمر الوطني الديمقراطي، الذي سيتوج بخطاب قبول ترشيح جو بايدن من معقله في ديلاوير. وسيكون من بين المتحدثين أيضا المرشحة الرئاسية السابقة هيلاري كلينتون، والنجمة الصاعدة للجناح اليساري للحزب، ألسكندريا أوكاسيو كورتيز. وبعد فترة ترقب طويلة، اختار بايدن، عضو مجلس الشيوخ كامالا هاريس، لتولي منصب نائبته في استحقاقات الثالث من نونبر المقبل، والتي سيواجه فيها الرئيس دونالد ترامب، الطامح لولاية ثانية. وفي حال فوز بايدن في الاستحقاق الرئاسي، ستكون أول امرأة تشغل هذا المنصب الاستراتيجي. وتعد هاريس، 55 عاما، ثالث سيدة في تاريخ الولاياتالمتحدة يتم اختيارها لمنصب نائب الرئيس لمرشح رئاسي. وكانت عضو مجلس الشيوخ عن كاليفورنيا، المنافسة السابقة لبايدن في الانتخابات التمهيدية للحزب الديمقراطي، التي اضطرت للانسحاب منها بسبب نقص الدعم المالي، الأوفر حظا لتولي منصب نائبة الرئيس، لاسيما في أعقاب الاحتجاجات المناهضة للعنصرية التي اجتاحت البلاد إثر مقتل المواطن الأمريكي من أصول إفريقية على يد الشرطة في ماي الفائت. وقد تعالت العديد من الأصوات، لاسيما المشاهير الأمريكيين من أصل إفريقي، مطالبة باختيار سيدة ذات بشرة سوداء لمنصب نائبة بايدن، وهي ورقة قد تسعف الأخير في استقطاب هذه الأقلية التي كانت حاسمة في فوزه في الانتخابات التمهيدية للحزب الديمقراطي. وفي معسكر الحزب الجمهوري، من المقرر مبدئيا أن ينعقد المؤتمر الذي سيعلن رسميا ترشيح دونالد ترامب لإعادة انتخابه، في الفترة من 24 إلى 27 غشت الجاري. وقد أجبرت جائحة كورونا ترامب، الذي طالما رغب في تنظيم حملة انتخابية حاشدة مثلما حدث سنة 2016، على التخلي عن رغبته هاته وقبول إعلان ترشيحه في شارلوت بولاية كارولينا الشمالية، ثم في جاكسونفيل، بفلوريدا، حيث يمكن اختزال الحدث في يوم 27 غشت فقط. وإذا كان لا يزال من المنتظر أن يصوت حوالي 336 مندوبا في شارلوت، بما في ذلك التصويت بالوكالة، نيابة عن بقية المندوبين (أزيد من 2.500)، لصالح ولاية جديدة لترامب، فيمكن أن يعلن هذا الأخير خطاب ترشيحه عبر مؤتمر فيديو من البيت الأبيض. وقد أثار هذا الاختيار حفيظة المعارضة الديمقراطية التي تعتبرها محاولة لتسييس إقامة الرؤساء الأمريكيين. وثمة تحد آخر يرتبط بالمخاطر التي يطرحها وباء كورونا، ويتعلق بالتصويت عبر البريد. فبينما يدعو الديمقراطيون إلى اعتماد هذه النمط من الاقتراع من أجل الحد من مخاطر تفشي الوباء، يعارض قاطن البيت الأبيض هذا المقترح بشدة. وقد بلغ به الأمر أن طرح إمكانية إرجاء اقتراع الثالث من نونبر بسبب المخاوف من حدوث تزوير انتخابي واسع النطاق، وهو الاحتمال الذي استبعده لاحقا. وفي خضم هذه الفترة الانتخابية، يفسح التصويت عن بعد المجال لمعركة سياسية جديدة. خصوصا وأن نمط الاقتراع هذا معمول به على نطاق واسع في عدد من الولايات، بينها ولايات تعتبر حاسمة بالنسبة للانتخابات الرئاسية. ولقطع الطريق على ولاية ثانية لدونالد ترامب، يعول الديمقراطيون على توسيع اعتماد التصويت عبر البريد من أجل ضمان مشاركة أكبر للشباب والأقليات، الذين يزداد عزوفهم عن التصويت في الانتخابات، والذين لا يحبذون إعادة انتخاب الرئيس المنتهية ولايته، خصوصا في السياق الحالي المرتبط بالأزمة الصحية والاقتصادية وبالتوترات الاجتماعية.