المعطيات الكرونولوجية بعد إعلان حالة الطوارئ الصحية، وصدور الأمر الملكي بإجراء الفحوصات الاستباقية، شكلت المندوبية الإقليمية للصحة بالقنيطرة خمسة فرق طبية، تتكون من طبيب وممرضين وتقني مكلف بالتحاليل المخبرية على مدى أكبر إقليم في المغرب. وفي 5 يونيو، قام فريق طبي بزيارة إلى الوحدة الإنتاجية نايت بيريNatberry جماعة الشوافع، التابعة لدائرة لالة ميمونة، حيث أُخذت عيّنات عشوائية شملت 30 عاملة من أًصل قرابة 3000، كشفت التحاليل الأولية عن وجود 18 حالة إيجابية تحمل فيروس كورونا، ثم تَبيّن لاحقا أن الحالات المؤكدة لا تتجاوز 5، واستمرت الوحدة الإنتاجية في عملها مع الاكتفاء بإرسال طبيب أجرى الفحوصات على عشرات العاملات بواسطة الاستمارة رغم ظهور البؤرة. وفي 11 من الشهر نفسه، عادت اللجنة لإجراء تحاليل إضافية شملت 318 عاملة، وتوالت عمليات الفحص والتحاليل بعد ذلك أيام 12 و15 داخل وحدات إنتاجية أخرى إلى أن انفجر الوضع يوم الجمعة 18 يونيو برقم وطني قياسي منذ ظهور الوباء بالمغرب بلغ 168 حالة إيجابية في الوحدة الإنتاجية التي ظهر فيها الوباء منذ قبل أسبوعين واستمرت في العمل وتوسيع خارطة الانتشار. ثم ارتقى الرقم صاروخيا إلى 452 حالة حاملة للفيروس داخل معمل التلفيف والتصبير فريكو دار Frigodar. وفي وقت سابق، بالضبط خلال الأسبوع الأول من شهر ماي، ظهرت أول حالة إيجابية داخل وحدة تلفيف الفواكه الحمراء متواجدة بمركز الدلالحة التابع لجماعة مولاي بوسلهام داخل تراب دائرة لالة ميمونة، وظهرت العاملات في شريط موثَّق على يوتوب، يبعثن نداء استغاثة ومطالبة بإجراء الفحوصات الاستباقية، مؤكدات أن الوباء "طلا الدنيا"؛ بل هناك العديد من التصريحات المصوَّرة لعاملات يشتكين من عدم الاستجابة لمطالبهن بإجراء الفحوصات، على الرغم من وجود زميلات لهن مصابات بالفيروس. ومعلوم أن موسم إنتاج الفراولة والفواكه الحمراء وجني ثمار الثروة ينتهي منتصف شهر يونيو، مما يفسر الكُلفة الباهظة للصمت عن ظهور الوباء والتباطؤ في إجراء الكشوفات الاستباقية والالتفاف على التعليمات الملكية والتوجهات الرسمية بهذا الشأن. تدبير لجنة اليقظة الوبائية لعمليات الكشوفات الاستباقية حسب ما أورد فرع العصبة المغربية للدفاع عن حقوق الإنسان بالقنيطرة، فإن لجنة اليقظة إقليميا قد أجرت حوالي 32000 تحليلة استباقية بعد أن صدرت التعليمات الملكية السامية. وقد شملت هذه العملية شركات الألياف في المنطقة الصناعية الحرة أولاد بورحمة ضواحي القنيطرة والوحدات التسويقية والبنكية وسيارات الأجرة داخل المدار الحضري للقنيطرة، بما نسبته %95 من مجموع التحاليل؛ بينما كان نصيب باقي الإقليم %5 علما أن دائرة لالة ميمونة والشريط الساحلي لمولاي بوسلهام يضم رسميا 30 معملا و400 ضيعة فلاحية تُشغّل في مجموعها ما قدره 25 ألف عاملة من أهالي المعذبين في الأرض. بنية التشغيل داخل المعامل والضعيات الفلاحية تنحدر العاملات من جماعات ترابية تمتد إلى أقاليم وزان، سيدي قاسم، العرائش إضافة إلى القنيطرة، مما يعني أن امتداد خارطة الوباء تطرح تحديات وإكراهات جمّة على المجهودات العمومية لاحتواء الفيروس. ومن المعروف أن المنطقة تُعتبر سوقا سوداء للوساطة والسمسرة في اليد العاملة، سوق لها رموزها وشفراتها ودهاليزها للتجارة في البؤساء، بحيث إن أرقاما كبيرة من العاملات لا يرتبطن بعقود عمل، وينتقلن حسب الطلب بين وحدة إنتاجية وأخرى، ويستعملن نفس أسطول وسائل النقل المكتظ الذي لا يراعي شروط التباعد الاجتماعي ولا تدابير حالة الطوارئ الصحية ولا كرامة المرأة. كما أن الكثير منهن كُنّ يتوقّعن، بل ويعلمن بوجود حالات الإصابة، ولم يقدرن على مغادرة العمل بسبب الظروف الاجتماعية الهشّة وبسبب الخوف من تضييع فرصة عمل قلّما تُتاح لهن وإن بأجر بخس يتراوح بين 60 و80 درهما لليوم في أفضل الأحوال. إن الوقائع والأحداث المتعلقة بتشغيل القاصرات، والتسبب في الهدر المدرسي في صفوف التلميذات، وعدم التصريح الحقيقي بساعات العمل، والحرمان من الانخراط في الضمان الاجتماعي، وقصص التحرش الجنسي والتعنيف اللفظي والتوظيف الانتخابي لفائدة الطغمة المتحكمة تُعدّ ولا تحصى بين المُعذبات في الأرض، تحت ظلال الاستبعاد الجديد؛ وهو ما يفرض بقوة إعادة النظر في معادلة النمو الاقتصادي للرأسمال على حساب تحقيق العدالة الاجتماعية وضمان الحقوق الاقتصادية والاجتماعية للسواعد المنتجة، وتجويد العلاقة بين أطراف الإنتاج. ينضاف إلى ما سبق التجاوزات المرتبطة بما صار يسمى الحقوق البيئية وحق الأجيال المقبلة في موارد العيش، حيث يجري استنزاف خصوبة التربة عبر المواد الكيماوية وعدم احترام الدورة البيولوجية للأرض عن طريق الاستغلال متعدد المحاصيل خلال الموسم الواحد، ناهيك عن التلوث البيئي، واستنزاف الفرشة المائية، والزحف المهول على حساب المجال الغابوي والإيكولوجي بالمنطقة، مما يعيد إلى الواجهة سؤال جدية المغرب تجاه التزاماته الدولية في الشأن البيئي. التدابير الرسمية المُتَّخذة بعد الانفجار الوبائي على وجه السرعة، نزل محمد اليعقوبي، والي جهة الرباطسلاالقنيطرة، إلى مدينة القنيطرة، حيث عقد اجتماعا بمقر العمالة، وانتقل على إثره عامل الإقليم فؤاد المحمدي إلى جماعة لالة ميمونة لمواكبة عمليات نقل المصابين والمخالطين، بينما توجه الوالي إلى مدينة سيدي يحيى الغرب للإشراف على تجهيز مستشفى كان قد أُحدث سابقا بالقاعدة الجوية ولم يتم استعماله، وقد تم استنفار مصالح عمالات القنيطرةوسيدي قاسم وسيدي سليمان لتجهيز المستشفى الميداني في ظرف قياسي، لا سيما بعد الأنباء الواردة من مستشفى بن سليمان المكتظ، حيث وصلت إليه قوافل المصابين دون تنسيق مسبق، مما اضطرها إلى العودة وتدبير أمرها بين الحي الجامعي الساكنية في القنيطرة وسيدي يحيى الغرب. وإلى حدود كتابة هذا المقال، تستمر زيارات الوالي اليعقوبي المباغتة لجماعات منطقة الغرب، بينما كان الظهور الأهم ذاك الذي سجله عبد الوافي لفتيت، وزير الداخلية، معلنا تكوين لجنة رُباعية تضم وزير الداخلية، وزير الفلاحة والصيد البحري والتنمية القروية والمياه والغابات، وزير التشغيل والإدماج المهني، ووزير الصحة، للشروع في البحث والتحري حول أسباب انفجار الوضع الوبائي في لالة ميمونة. كما تم تكثيف تدخل مختلف عناصر القوات العمومية لتحديد لوائح مئات المخالطين، وتكثيف الكشوفات الطبية في صفوف عاملات الوحدات الإنتاجية بالمنطقة، وإعطاء الأوامر بإغلاقها، بينما تروج توقعات وأنباء متضاربة عن متابعة بعض رؤوس المسؤولية إقليميا وضمن دائرة لالة ميمونة؛ لكن "هل يستطيع التابع أن يتكلم !! ". الوضع الراهن في منطقة الغرب لا يخفى أن منطقة الغرب تنطبق عليها مفارقة: "غنى المجال وفقر الإنسان"، بحيث إن معدل الفقر والهشاشة مرتفع حتى داخل الجماعة الحضرية سوق الأربعاء، التي تُعتبر باشوية تضم دائرة لالة ميمونة وهي مصنفة رسميا ضمن قائمة "الهشاشة في المجال الحضري". وككل المغاربة، فإن الشرائح الاجتماعية من مختلف المهن والأنشطة الاقتصادية قد تضررت بشكل بالغ نتيجة شلِّ الحركة الاقتصادية؛ غير أن ساكنة هذه المنطقة تعاني الآن بشكل مضاعف وتؤدي الفاتورة أغلى، خصوصا ونحن على أبواب عيد الأضحى، نظرا لتشديد حالة الطوارئ إلى حد أقصى لم يسبق أن عاشته المنطقة بسبب الأرقام المهولة في الحالات الإيجابية ومستوى التوقع للحالات الجديدة التي لا تهدأ لأجل تنقيلها الحافلاتُ وسياراتُ النقل المزدوج وسياراتُ الإسعاف على مدار يكاد يقارب 24/24 ساعة منذ انفجار الوضع. أكثر من ذلك، فإن الأثر النفسي يشتد بحدة في الأوساط الغرباوية، لا سيما داخل الوسط القروي، حيث إن ترحيل المخالطين والمصابين يخلق ظروفا اجتماعية عسيرة ومعضلة لا يُنتبَه إليها، ترتبط بتدبير المحصول الفلاحي المعيشي والماشية وغيرها من الأنشطة الأساسية للأسر والأهالي، وتلك المرتبطة بإجراء تلاميذ المنطقة لامتحانات الباكالوريا في ظل هذه الأجواء الرهيبة. أسئلة الشارع والرأي العام والمجتمع المدني بالمنطقة إن الرأي العام المحلي والمجتمع المدني، بعد إصدار سلسلة من البيانات والبلاغات وتنظيم العديد من الندوات والحوارات التفاعلية، يتساءل عن جدوى كل الإجراءات الوقائية التي التزم بها منذ فرض حالة الطوارئ الصحية، كما يتساءل عن جدوى كل الجهود التي بذلتها القوات العمومية في المنطقة على امتداد هذه الفترة، وينتظر ما سينتهي إليه البحث الذي يقوده وزير الداخلية والجزاءات التي ستترتب عنه شاملة مختلف مستويات المسؤولية، المتعلقة بتهديد الأمن العمومي والصحة العامة كأركان أساسية في النظام العام المنوط بمسؤولية الدولة. الدرس المُستفاد إذا كان الهدف من البرامج التنموية كما تُمليها الأممالمتحدة، وضمنها اعتماد الاقتصاد الفلاحي الموجَّه نحو التصدير لكسب العملة الصعبة وتقليص الهوة بين رقم الصادرات والواردات في الميزانية العمومية للدولة، فإن منطقة الغرب وحدها تُسهم بحوالي %80 من إنتاج الفواكه الحمراء بالمغرب، وتُنتج بذلك حوالي 2 مليار درهم سنويا من الثروة الوطنية أغلبها من موارد التصدير، ترفع المغرب إلى المرتبة الخامسة عالميا من حيث تصدير هذه المنتجات الفلاحية عالية القيمة، علما أن الأرباح الصافية يتم تحويلها إلى البلدان المستثمرة، بينما - ويا للمفارقة - تبقى منطقة الغرب تحتل مرتبة مُتدنية جدا وطنيا في مؤشر الفقر، إذ يتراوح بين %20 و%16 خلال السنوات الأخيرة، حيث لا تحظى المنطقة بما تستحقه من برامج السياسات العمومية ومشاريع التأهيل التنموي الذي ينعكس على المعيش اليومي للمعذبين في الغرب. مثلما تقول الحكمة: "من يزرع الريح يحصد العاصفة"، ذلك أن انفجار الوضع الوبائي وما يستتبعُه من تكلفة مالية ونفسية هائلة على كاهل البلاد هو نتيجة الإهمال الطويل الذي لحق منطقة الغرب التي كانت ضحية لغياب العدالة المجالية. وحين يتعلق الأمر بظروف العاملات في المعامل والضيعات الفلاحية بدائرة لالة ميمونة، فإن الإهمال يتخذ طابعا مهولا من حيث الظروف التي أشرنا إليها أعلاه، وهو ما يجعل الانفجار الوبائي تحصيل حاصل لا أكثر. إن إعادة النظر في أثر السياسات العمومية على منطقة الغرب أصبح ضروريا أكثر من أي وقت، وهو الأمر الذي لا يمكن معالجته خارج تحقيق المطلب التاريخي لسكان المنطقة عبر الارتقاء بباشوية سوق الأربعاء إلى مستوى عمالة وتدبير الإمكانات البشرية والطبيعية والجغرافية المتميزة بالمنطقة وفق معايير الحكامة في ظل نظام الجهوية الموسعة كتدبير ترابي من شأنه أن يرفع مؤشرات التنمية في المنطقة، ويُبوِّئها المكانة اللائقة على المستوى الوطني. *ناشط مدني، سوق الأربعاء.