غالبا ما ينظر إلى الضريبة على أنها عبء يتحمله الملزمون بأداء الضريبة، إلا أنها تعتبر ضرورة ملحة في بلدنا لكوننا بلد يعتمد على الضرائب بالدرجة الأولى كمورد أولي وهام لخزينة الدولة، تمكن الحكومة من الإنفاق على البنية الأساسية وتوفر الخدمات الأساسية للمواطنين. لذلك، يعتمد تقبل المواطنين بشكل عام للضرائب إلى حد كبير على مدى اتسام النظام الضريبي بالعدالة والإنصاف. بناء عليه، تحتل العدالة الضريبية حيزا مهما في إصلاح المالية العامة كونها ذات تأثير قوي على تحقيق العدالة الاجتماعية من خلال تقليل مستويات التفاوت في توزيع الدخل والثروة والفوارق الطبقية. فتحقيق العدالة الضريبية رهين بتحقيق العدالة في توزيع العبء الضريبي، ومنع التهرب الضريبي، ومراعاة العدالة في تصميم النظام الضريبي. لذلك، فالسؤال الرئيسي المرتبط بأي نظام ضريبي هو ارتباطه بوجود عدالة ضريبية، هذا المبدأ الذي يجد نفسه في كل من الفصول 39 و40 من دستور المملكة المغربية لسنة 2011، لكن، الواقع يؤكد عكس ذلك، فرغم دسترة مفهوم ومبدأ العدالة الضريبية، فالضريبة على الدخل مثلا ما يقارب 75% من الإيرادات الضريبية المتأتية من هذه الضريبة هي تلك المتحصلة من المنبع وهي الأجور والدخول المعتبرة في حكمها، أما في ما يخص الضريبة على الشركات ف 2% من الشركات تؤدي ما يقارب من 80% من إيرادات هذه الضريبة، أما الضريبة على القيمة المضافة فهي المورد الرئيسي لخزينة الدولة، في حين أن عبئها يتحمله الملزم. لذلك وجب علينا في الأول من أجل تنوير القارئ المغربي على وجه عام، ودافعي الضرائب بشكل خاص، معرفة ما هي العدالة الضريبية؟ وكيف يمكن للضريبة أن تحقق العدالة الاجتماعية؟ وكيف يمكن لنظام ضريبي عادل أن يشكل مدخلا لتحقيق العدالة الاجتماعية، خصوصا في ظل ما نعيشه اليوم من أزمة اقتصادية لا شك أنه سيخلفها وباء كوفيد-19؟ أولا: العدالة الضريبية ليس للعدالة مدلول مطلق، فهي ليست شيئا ماديا يمكن لأي شخص قياسه مثل متغيرات أخرى، إلا أن العدالة الضريبية قاعدة تميز الضريبة، وتتجمع تلك القاعدة عن طريق عدد من الوسائل التي تؤثر في الضريبة فتجعل الفرد يتقبل نسبيا، فلن يرتضي الفرد دفع الضريبة مختارا إلا إذا أيقن أنه يسهم في تغطية النفقات العامة للدولة بنصيب يتناسب مع نصيب كل فرد تبعا لدخله، واقتنع أنه مع هذا النصيب لن يؤثر في النهاية على دخله إلا بالقدر الذي يؤثر به على دخل غيره، ولا شك في أن هذا لا ينفي لما لقوة القانون من أثر في إجبار المكلف على دفع الضريبة ومن ثم تحقيق العدالة. فمبدأ العدالة الضريبية له مؤشرات ناظمة وضابطة، من بينها أحقية الملزم في مراقبة تصحيح إقراراته، واللجوء إلى الطعون ضدا على قرارات الإدارة، وتبني أحكام وإجراءات وآجال وأحكام فنية خالية من الغموض والتعقيد النصي، تقوم على تشخيصية السعر والوعاء، وتعتمد على سهولة التحصيل المالي ووضوحه، إضافة إلى عمومية المادة الجبائية، وكأداة تدخلية لتحقيق التنمية الاقتصادية والاجتماعية والعمرانية. لذلك، يكثر التساؤل عن أيهما أكثر عدالة، هل نظام الضريبة الواحدة أم نظام الضرائب المتعددة؟، فهناك من يرى أن العدالة التي تحققها الضريبة الوحيدة هي عدالة ظاهرية بعيدة عن الواقع العملي، وذلك لأنها تقتصر على نشاط اقتصادي واحد أو مالي معين أو إحدى طبقات المجتمع وهذا يعني أن الخطأ إذا ما وقع في نظام الضريبة الواحدة لا يمكن تلافيه على عكس نظام الضرائب المتعددة، إذ يمكن تصحيح الخطأ إذا ما وقع، فضلا عن أن نظام الضرائب المتعددة يحافظ على مصدر النشاط الاقتصادي لأنه يمكن من المعاملة الضريبية المتنوعة بما يتفق وطبيعة هذا المصدر وظروفه وهو ما يتفق مع العدالة الضريبية. وتبعا لذلك، فالضريبة يجب أن تكون عادلة يشترك في تأديتها كل المواطنين، بحسب قدرة كل منهم على الدفع، وذلك حسب منطوق الفصل 39 من دستور المملكة المغربية لسنة 2011، الذي ينص على أنه "على الجميع أن يتحمل كل قدر استطاعته التكاليف العمومية، التي للقانون وحده الصلاحية لإحداثها وتوزيعها، وفق الإجراءات المنصوص عليها في الدستور". وأيضا الفصل 40 من نفس الدستور، الذي ينص على أنه "على الجميع أن يتحمل، بصفة تضامنية، وبشكل يتناسب مع الوسائل التي يتوفرون عليها، التكاليف التي تتطلبها تنمية البلاد، وكذا تلك الناتجة عن الأعباء الناجمة عن الآفات والكوارث الطبيعية التي تصيب البلاد". كما يجب أن تكون الضريبة في باب العدالة، محددة على سبيل اليقين دون غموض في تحديد مقدارها ومواعد دفعها وطرق جبايتها وإجراءات تحققها وتنفيذها. ويدخل في هذا الإطار استقرار النظام الضريبي وثباته، فلا يكون عرضة للتبدل والتغيير المستمر، إذ يجب أن يتعود المكلف على دفعها ولا يشعر بازدياد عبئها عليه، بحيث لا يتعارض ذلك مع المرونة، وأن تجبى بالطرق والأوقات الأكثر ملاءمة للمكلف والإدارة معا. ثانيا: العدالة الضريبية والعدالة الاجتماعية تعد السياسات الضريبية من أهم الآليات الفاعلة في إعادة توزيع الدخول والثروات بين الأفراد، وبالتالي تحقيق العدالة الاجتماعية والحد من التفاوت الاجتماعي، وذلك لأن النظام الضريبي يتحكم في الفوارق الاجتماعية والاقتصادية من خلال توفير الخدمات والفرص العادلة عن طريق الإنفاق العام. فالنظام الضريبي غير العادل يزيد من حدة وتفاقم ظاهرة عدم المساواة، كمثال على ذلك فالشركات المتعددة الجنسيات وأصحاب الثروات والأثرياء يرون أن ثرواتهم وأرباحهم تزداد وتنمو بدون وجود أي عائق أو حاجز أو رادع، في حين ترى الدولة عائداتها الضريبية تقل وتختفي. زيادة على ذلك، نجد ما يصطلح عليه بالملاذات الضريبية (les paradis fiscaux)، وهي بصفة عامة شكل من أشكال التهرب الضريبي، والتي تساهم بشكل فعلي وقوي في زيادة التفاوتات الاجتماعية وعدم المساواة (inégalités). فالأغنياء وأصحاب الثروات والشركات المتعددة الجنسيات زادت في أرباحها وفي نسبة ثرواتها بواسطة هذه الملاذات الضريبية، وبسبب هذه الظاهرة فالعديد من الدول خسرت أكثر من 156 مليار أورو من المداخيل الضريبية، ويقدر بأن 30% من الموارد المالية لإفريقيا توجد بالخارج "offshore". إن خير دليل على أن النظام الضريبي المغربي نظام غير عادل، هو تأكيد المناظرتين الوطنيتين، سواء الأولى التي انعقدت في أواخر سنة 1999، أو المناظرة الثانية حول الجبايات التي انعقدت بالصخيرات سنة 2013، على ضرورة سن تشريع جبائي يضمن العدالة الجبائية بين جميع الملزمين، وذلك من خلال التدابير التالية: خلق توازن بين الضرائب غير المباشرة التي تشكل حوالي 3/2 من المداخيل الجبائية والضرائب المباشرة التي تراعي وتتماشى مع مبدأ وأهداف العدالة الجبائيى سن نظام ضريبي يراعي المقدرة التكليفية للملزمين. ثالثا: العدالة الضريبية في ظل جائحة كورونا إن قاعدة العدالة في فرض ضريبة تلائم مستوى دخل الفرد المكلف بدفع الضريبة هي قاعدة قابلة للتغيير والتعديل، تبعا للتغير في الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية، والتي جعلت خبراء المالية العامة يطورون نظريات وفقً لتلك التغيرات الحادثة، وفقًا لنوع الضريبة المستخدمة، والتركيز على الضريبة التصاعدية. وبناء على ذلك، ظهرت نظرية التضامن الاجتماعي، والتي تنص على أن مبلغ الضريبة الذي يدفع يجب أن يكون وفقا لقيمة الدخل. فبالنسبة لأصحاب الدخول المرتفعة يجب أن يكون معدل الضريبة مرتفعا، وأن يكون معدل الضريبة معدومًا بالنسبة للطبقات الفقيرة التي يجب أن تستفيد من الإيرادات الضريبية. لتصبح الضريبة التصاعدية أكثر عدالة من الأنواع الأخرى للضرائب، كالضريبة النسبية، وبالتالي تفي بغرض دعم الطبقات الفقيرة، وتقلل من التفاوت بين طبقات المجتمع، عدا عن مراعاتها الظرف الاجتماعي للمكلف، بحيث يتم تقليل قيمة العبء الضريبي على المتزوج أكثر من الأعزب. فعلى المشرع الجبائي العمل على تبسيط القوانين وصياغة تشريع ضريبي بأسلوب ولغة متناسقة ومبسطة يسهل على الملزم فهمها، يحاول من خلالها التقرب إلى الملزمين، وتسهيل إجراءات التزامهم تجاه الإدارة، الأمر الذي عرت عنه هذه الأزمة، إذ لم يخرج أي بلاغ عن وزارة الاقتصاد والمالية بخصوص إجراءات دفع الضريبة والوسائل التي ستوفرها الإدارة الضريبية من أجل ضمان سلامة وصحة المرتفقين، وهل سيترتب عن عدم الأداء في هذه الفترة ذعائر وغرامات، ما يشكل عائقا في التواصل وفي تقريب الملزم من الإدارة الضريبية خصوصا في ظل الأزمات. زيادة على أن نظامنا الضريبي قد أبان خصوصا في ظل الأزمات (أزمة كورونا كوفيد-19 على سبيل المثال)، على أنه نظام غير مستقر، فعملية الاستقرار تعتبر شرطا لسهولة إدراك النظام الضريبي واستيفاء أحكامه، ولا تتعارض أبدا مع التعديلات الهادفة إلى استدراك الفجوات المكتشفة، أو توجيه سلوكات الأفراد قصد بلوغ غايات اقتصادية واجتماعية معينة، وإنما التغييرات المتوالية المدخلة سنويا لأغراض مالية بحتة وسياسات ظرفية غير مدروسة هي التي تكون وراء عدم الاستقرار، هذا الأمر نعيشه اليوم خصوصا في ظل اتجاه الفاعل الحكومي إلى الإعلان عن قانون مالي تعديلي هو الأول منذ سنوات، فكيف يعقل أن ننتظر أكثر من ثلاثة أشهر من أجل الإعلان عن الخطوط العريضة لهذا التصور التعديلي المالي المستعجل، الأمر الذي يفسح المجال للعديد من التأويلات. بالإضافة إلى اللغة التي كتبت بها المدونة العامة للضرائب، والتي تعتبر معقدة حتى على الممارسين والمتخصصين في المجال، فما بالك بالمواطن العادي بأن يستوعبها ويعرف كيفية تقديرها واحتسابها. لذلك، وجب إعادة صياغة المدونة العامة للضرائب وفق أسلوب مبسط وسهل الاستيعاب من طرف الجميع. فمن أجل إصلاح النظام الضريبي المغربي ليصبح نظاما عادلا ومتكاملا يمكن من خلاله مجابهة الأزمات، يجب الشروع الآن وبشكل سريع، في تحليل ودراسة نظامنا الضريبي المغربي وفق طريقة نقدية من أجل استخراج نواقص ونقط الضعف الكامنة في هذا النظام، والعمل على إيجاد حلول بديلة من أجل إصلاح نظامنا الضريبي في شقه المتعلق بالعدالة الضريبية، لأن أي إصلاح يرتبط بالعدالة فهو يمس بشكل أساسي مسألة غاية في الأهمية وهي العدالة الاجتماعية. لذلك، يجب إشراك الجميع في هذا المشروع حتى الأحزاب سياسية التي تغيب عنها الرؤى الشمولية للإصلاح الضريبي في جل برامجها الانتخابية. *باحث في العلوم السياسية