نظمت مجموعة الدراسات والأبحاث في الإدارة والقانون – شعبة القانون العام- بكلية الحقوق بمراكش ندوة علمية وطنية بتعاون مع الكلية وجامعة القاضي عياض يومي التاسع والعاشر من شهر مايو 2014، في موضوع: "الإدارة الضريبية والملزم و القاضي: مساهمة في دراسة النظام الجبائي المغربي". وقد انطلقت أشغال الندوة العلمية بكلمة للسيد عميد الكلية ،ألقاها بالنيابة عنه نائب العميد للشؤون الإدارية والمالية الأستاذ محمد مومن ، بالتركيز على أهمية الموضوع والذي لا تخفى راهنيته على العديد من المستويات، أهمية تجد أساسها من العلاقة التي تربط عناصر الموضوع. فدراسة واقع النظام الجبائي المغربي لا يمكن أن يفهم إلا من خلال فهم طريقة اشتغال الإدارة الضريبية وعلاقتها بالملزم والأسس التي يبنى عليها فرض الضريبة، وكذا العبء الضريبي ومدى تحقق العدالة الضريبية باعتبار الضريبة إحدى أهم الوسائل الرئيسية في قيام الدولة بوظائفها وتمويل مشاريعها، خاصة في الدول النامية في غياب أو ضعف الإمكانيات الطبيعية لهذه الدول. كما أن الموضوع يستحضر عنصرا فاعلا في العملية الضريبية وهو الملزم والذي غالبا ما تتسم علاقته بالإدارة الضريبية بنوع من التشنج في غياب الوعي لدى فئات عريضة من المواطنين بأهمية الضريبة في نهوض الدولة بواجباتها من جهة، وفي غياب عدالة ضريبية بين الفئات الإجتماعية من جهة أخرى، وهنا يدخل العامل الثالث المتعلق بالقاضي. ذلك ان القضاء بوصفه حارسا للشرعية في مختلف أبعادها هو الموكول إليه الاضطلاع بمهمة البث في المنازعات المرتبطة بالضريبة مع ما يحكم هذه المنازعات من خصوصيات. إن هذا العمل إذ يسجل المجهود الكبير الذي بذله أعضاء المجموعة ويثمن عاليا الإسهامات القيمة لمجموعة من الأساتذة داخل مراكش وخارجها والذين أغنوا بأفكارهم ومداخلاتهم النقاش العلمي حول هذا الموضوع، والذي توج بنقاشات مستفيضة وضعت الأصبع على مكامن الخلل المتعددة والشروخ التي ظلت تطبع نظامنا الجبائي. وإن كنا نسجل أن هذا الموضوع كان سيأخذ أبعادا أكبر بحضور ممثلين عن الإدارة الضريبية وعن القضاء، رغم وجود مجموعة من الممارسين بالميدان والذين أسهموا بمداخلاتهم في إثراء النقاش من واقع التجربة العملية، وما يعتريها من مشاكل وعراقيل. وهنا لابد من التأكيد على أن الهدف من التقرير ليس إعادة تلخيص لما ورد في المداخلات، بل الهدف هو وضع أفكار عامة تترجم إلى حد ما، ما شهده هذا اللقاء العلمي من نقاش. أما التفاصيل فيمكن العودة فيها إلى المداخلات التي ألقيت، وهي غنية بمضامينها ولا شك. ولذلك، فقد توزعت أشغال الندوة إلى ثلاث محاور أساسية وهي كالتالي: 1- تأملات في النظام الضريبي المغربي. 2- الإجراءات الضريبية والغش الضريبي. 3- القضاء الضريبي. ومن خلال ما تطرق إليه السادة الأساتذة في مداخلاتهم في المحور الأول تأملات في النظام الضريبي المغربي سواء في إطار تشخيص واقع النظام الضريبي المغربي أو حتى من خلال التشريع الضريبي. يتبين أن هذا النظام تشوبه العديد من الإختلالات والتي تتمثل بالأساس في العناصر التالية: - وجود اللامساواة أمام الضريبة بوجود دخول مضمونة الدفع لأنها تحجز من المنبع ودخول غير مضمونة ترتكز على الإقرار. - وجود لا مساواة في منازعة الضريبة وإقرار عدد كبير من المقاولات بالعجز، مما يؤدي إلى تسجيل خسائر تقدر بالملايير. - هناك تفاوت شاسع بين حجم المداخيل التي يمكن تحصيلها وبين الحجم المحصل فعليا بسبب الغش والتهرب الضريبي. - تقلص فئة الملزمين بالضريبة وبالمقابل تحمل هذه الفئة القليلة للعبء الأكبر من الضريبة. إضافة إلى ذلك، فثمة عناصر أخرى تؤثر سلبا على النظام الضريبي المغربي نجملها فيما يلي: * إنفراد الإدارة الضريبية بالتأويل القضائي والدفع بإصدار تشريعات قانونية وفق منظورها. * تراجع المساطر الضريبية بخصوص عدة ضمانات كفلها القضاء. * إنعكاس عدم إستقرار الترسانة الضريبية على إستقرار الضرائب وعلى عمل الفاعلين الإقتصاديين. * افتقاد سياسة الإعفاءات الضريبية إلى أسس موضوعية وعقلانية، بل وغياب العدالة في إقرارها في كثير من الأحيان. وبالنظر إلى أن النظام الجبائي المغربي موسوم بعدم استقرار القاعدة الجبائية بالنظر إلى العوامل السالفة الذكر، فإن الضرورة تدعوا إلى اتخاذ خطوات أساسية لإصلاح هذا النظام يمكن أن نجملها في العناصر التالية: تعويض قانون المالية بقانون الميزانية. و تقليص دور الإدارة الجبائية في مجال التشريع الضريبي. وفي مقابل تحجيم دور الإدارة الجبائية في جانب التشريع الضريبي، ينبغي تقوية دورها في مجال الباقي تحصيله وتوفير الإمكانيات البشرية اللازمة لهذا الغرض. تم إشراك الفاعلين جميعهم في المنظومة الجبائية. و دعم وتقوية سلطة البرلمان في المجال الضريبي. و تقوية الإمكانات البشرية لإدارة الضرائب. ولابد من التأكيد ،في هذا المقام، أن النقاش حول النظام الضريبي المغربي يستمد أهميته كذلك من خلال ارتباطه بالمسار الديمقراطي للدول ويرتبط أساسا بالإختيارات السياسية للأنظمة. ذلك أن الضريبة بهذا المعنى لها وظيفة سياسية لا يمكن إنكارها. ويجد هذا المبدأ أساسه من الصراع التاريخي بين السلطتين التنفيذية والتشريعية في المجال المالي. لذلك فإن الضرورة تفرض قيام حوار مجتمعي واسع لاعتماد نموذج تنموي يوفر مجهودات التنمية ويوزع ثمار النمو بشكل عادل، و كذا اعتبار الإصلاحات الجبائية بمثابة إختيارات سياسية. وهذا التوجه الإصلاحي من شأنه أن يساهم في استقرار النصوص والمعاملات ووضوح في المضامين والمساطر. كما أن المواطن عليه الالتزام بالمقتضيات الجبائية رغم القصور الذي يشمل الكثير منها. إضافة إلى أن الإدارة ملزمة بالوعي بأهمية الأمن القانوني، ناهيك عن ضرورة وعي القاضي بدوره في المسألة الضريبية. أما المحور الثاني الخاص بالإجراءات الضريبية والغش الضريبي فقد ركز السادة الأساتذة من خلاله على موضوع الإجراءات الضريبية والغش الضريبي، وما لذلك من آثار بالنسبة للنظام الضريبي عامة بإكراهاته المختلفة التي تمت الإشارة إلى بعضها. وقد ابتدأ الحديث في هذا المحور عند تحليل مقتضيات المادة 28 من المدونة العامة للضرائب، وخاصة ما تعلق بالهبات النقدية والعينية التي تستفيد منها بعض المؤسسات، وقد توقف أحد الأساتذة المتدخلين هنا عند خصوصية استفادة جامعة الأخوين من هذه الهبات مع العلم أن هذه المؤسسة الجامعية تفرض رسوما كبيرة على المستفيدين من التكوين بداخلها. وكذلك استفادة مؤسسات القروض الصغرى على الرغم من كونها تفرض نسب فوائد تفوق بكثير ما تفرضه المؤسسات البنكية العادية على زبنائها. كما أن عملية استرداد الفوائد عن القروض يخضع لمبدأ التقادم الرباعي في علاقة غير متوازنة بين الملزم والإدارة، إذ لا يستفيد الملزم فعليا سوى من ثلاث سنوات فعلية. و لذلك،فِان الحاجة تبدو ماسة لوضع مجموعة من الإجراءات تم إجمالها فيما يلي: مراجعة لائحة الهيئات المستفيدة وخاصة جامعة الأخوين. و إلزام الإدارة الضريبية بأجل معقول للرد على طلبات الملزم. تم احتساب أجل التقادم من تاريخ انتهاء السنة التي تم تقديم الطلب خلالها. وفي موضوع آخر لا يخلو من أهمية في تنفيذ الضرائب، أثيرت إشكالية توفر الضمانة لدى الملزم لوقف تنفيذ الضرائب الصادرة على إثر مراقبة مالية، وهو ما قد لا يتوفر لدى كل الملزمين الذين ينازعون في مبلغ الضريبة وبالتالي فإن مقتضيات المادتين 117 و118 من مدونة تحصيل الديون العمومية جاءت لخدمة طبقة من الملزمين دون أخرى. وقد كان للقضاء رأي في هذا الموضوع على الرغم مما عرفه من تردد قبل الحسم فيه من قبل محكمة النقض (المجلس الأعلى سابقا) سنة 2009، حيث اعتبرت أن الضمانة ليست شرطا في الحالة التي ينازع فيها الملزم في شرعية فرضها أو في تحصيلها بصورة جدية. ومما يميز النظام الضريبي في جانبه الإجرائي عدم وجود أي نص قانوني يلزم الإدارة بإرجاع المبالغ المحصلة بدون وجه حق إلى الملزمين. ذلك أن مسألة إسترداد الضريبة مشروطة بتوجيه طلب إلى جهة الإدارة من قبل الملزم الذي قد يعتبر ضحية لجريمة الغدر من قبل المحاسب العمومي المكلف بالتحصيل إذا توفرت كل الأركان المادية والمعنوية. وكم كانت الدعوة بليغة إلى عدم التركيز بشكل أساسي على العقوبات الجنائية لمواجهة ظاهرة الغش والتهرب الضريبي التي يلجأ إليها بعض الملزمين إما لخفض مبلغ الضريبة أو تجنب أدائها، مادام أن للإدارة الضريبية وسائل تمكنها من تحصيل واسترداد المبالغ المستحقة من خلال مقتضيات المدونة العامة للضرائب ومدونة التحصيل. وإذا ما دعت الضرورة، وكانت المخالفة ثابتة في حق الملزم فإن إحالتها على القضاء مباشرة تبدو منطقية، بل ولازمة أساسية مادام أن الغش الضريبي لا يجب تكييفه على أنه مخالفة مستقلة في حق الإدارة الضريبية، بل في حق كل الملزمين. وكإجراء وقائي تم وضع وسائل بديلة ومصاحبة ترمي إلى مواجهة الفساد الضريبي، وهو إجراء الإفتحاص الجبائي والذي يستمد أهميته من خلال عمله على تقليص فرص التهرب الضريبي. ومن ناحية أخرى تقييم مدى إلتزام المؤسسات بالمقتضيات التشريعية في ميدان الضريبة. وإذا ما أثبت الإفتحاص الجبائي حالة من حالات الغش أو التهرب الضريبي، ينجز الفاحص الجبائي تقريرا ويرفعه إلى الإدارة التي ينتمي إليها. وخلال المحور الثالث الذي تمحور حول القضاء الضريبي فقد شكل محورا هاما إستحوذ على حيز هام من الاهتمام من لدن الأساتذة المتدخلين أثناء هذه الندوة بالنظر إلى محورية دور القاضي الإداري للحفاظ على مبدأ الشرعية فيما يتعلق بالضريبة من خلال حماية الملزم بالضريبة من جهة والحفاظ على حقوق الإدارة من جهة ثانية. وقد ركزت المداخلات على مراحل الدعوى في المجال الضريبي من حيث إبراز أطراف الدعوى، والإشكالية الكبرى المطروحة سواء على مستوى دور قاضي الإلغاء أو القضاء الشامل، وكذا دور القضاء الإستعجالي في هذا الميدان ،دون أن يغفل المتدخلون المرحلة الإدارية للمنازعة الضريبية. هذه المرحلة الإدارية تعتبر محطة إلزامية في إطار المنازعة الجبائية، بالنظر إلى أن الملزم بالضريبة مطالب في حالة منازعته في الوعاء بتوجيه طلبه إلى مديرية الضرائب، بينما عندما ينازع في مسألة التحصيل فيتعين عليه توجيه طلبه إلى الخزينة العامة. وفي هذا الإطار يجب التمييز بين المطالبة الإستعطافية والتي يسعى من خلالها الملزم إلى إستعطاف الإدارة لتخفيض مبلغ ضريبة معينة أو الإعفاء منها. وبين المطالبة النزاعية والتي يهدف الملزم من ورائها إلى المطالبة بتخفيض أو إلغاء ضريبة معينة نظرا لعدم وجود سند قانوني للضريبة. أما المرحلة القضائية فقد ركزت المداخلات خلالها على محاور ثلاثة أساسية تتمثل في قضاء الإلغاء والقضاء الشامل والقضاء الإستعجالي. فمجال قضاء الإلغاء في المادة الضريبية يعتبر ،كما ورد في مداخلات الأساتذة، جد محدود تبعا لكون الأحكام الصادرة في هذا الصدد جد قليلة، ومن بينها خاصة تلك المتعلقة بممارسة حق الشفعة من طرف الإدارة الضريبية المكلفة بالتسجيل، أو أثناء منازعة الملزم في مشروعية فرض الضريبة، أو الطعن في قرارات اللجان الضريبية. أما المجال الثاني المتعلق بالقضاء الشامل فالقاضي الإداري يتمتع بسلطات واسعة، حيث يملك سلطات تتمثل في تخفيض قيمة الضريبة أو الزيادة فيها أو حتى إلغائها. وفيما يتعلق بالقضاء الإستعجالي فتدخل القاضي الإستعجالي يتوقف على توفر بعض الشروط الضرورية من بينها عنصر الإستعجال، وعدم المساس بالجوهر، وجدية المنازعة، وأحيانا يتم إشتراط وضع الضمانة. ورغم أهمية ومحورية العمل القضائي في المادة الضريبية، فهناك مجموعة من الإكراهات التي تؤثر على جودة الأحكام التي تصدر في هذا المجال، من بينها خاصة كثرة الاعتماد على الخبرة، وإغفال عامل التخصص بالنسبة للقضاة في المجال الضريبي. وهذا ما ينعكس لا محالة على الأحكام الصادرة ويؤدي إلى طول آجال البت في مثل هذه القضايا.هدا كله مجمل ما دار خلال الندوة الوطنية في موضوع: "الإدارة الضريبية والملزم و القاضي: مساهمة في دراسة النظام الجبائي المغربي" والذي تبناها التقرير الختامي للندوة العلمية الذي تلاه الأستاذ عبد الكريم بخنوش أستاذ بكلية الحقوق بمراكش وتوصيات السادة الأساتذة والطلبة الباحتين في سلك الماستر والدكتوراه الذين أغنوا الندوة بالنقاش وبالمداخلات الجادة والهادفة.