شكلت الندوة الوطنية التي احتضتها مراكش يومي 4 و 5 فبراير 2011 حول موضوع الإشكالات القانونية والعملية في المجال الضريبي فرصة لكل الفاعلين في الميدان القضائي ومسؤولي الادارة الضريبية لطرح مختلف الإشكاليات القانونية والعملية المرتبطة بالميدان الجبائي، وأيضا مناسبة لتبادل الرؤى حول الحلول المقترحة لمعالجتها. نظم هذا اللقاء العلمي الرفيع المستوى المندرج في إطار الانفتاح على المؤسسات الوطنية والأجنبية والداعم لاستراتيجية التحديث والتطوير كل من المجلس الأعلى والمديرية العامة للضرائب. وعرفت هذه التظاهرة العلمية حضور ومشاركة وازنة لقضاة متميزين ورجال إدارة محنكين وصفوة من النقباء والمحامين والموثقين ورجال الأعمال وخبراء مختصين. وتميزت الجلسة الافتتاحية لهذا الملتقى بإلقاء مجموعة من الكلمات تصدرتها كلمة وزير العدل الأستاذ محمد الطيب الناصري التي ذكر في مستهلها بأهمية موضوع الندوة والتي تكمن في خصوصية المنازعات الضريبية، وفي طبيعة الصلاحيات التي يتوفر عليها القاضي الإداري وهو بصدد الفصل في المنازعات المعروضة عليه بهذا الشأن مشيرا إلى أن الملزم يعد شريكا في تمويل النفقات العمومية، وهو بهذه الصفة يتمتع قانونا بضمانات جبائية مهمة/ وبعد حديثه عن المنهجية الواجب توفرها في القاضي الإداري عند بته في المنازعة الضريبية أوضح دوره الهام والمتمثل في مستويات عدة أهمها تكريس مبدأ المشروعية ثم ترسيخ قواعد ثابتة تتقيد بها الإدارة الضريبية مشيرا إلى أنه من خلال ذلك يساهم القضاء، مساهمة فعالة، في استتباب الأمن القانوني والقضائي والعدالة الضريبية، وتكريس مبدأ المحافظة على المال العام، والتشجيع على الاستثمار، ودعم جهود التنمية الاقتصادية والاجتماعية. وقال السيد الوزير إن الطبيعة التقنية والإجرائية للنصوص الضريبية التي يتشكل منها النظام الجبائي، تجعل من المنازعات الجبائية، منازعات متميزة بتشعبها، بل بغموضها أحيانا، مما يطرح إشكالات قانونية وعملية في التطبيق، هذا فضلا عن الإشكاليات الناجمة عن التعديل المستمر للنظام الجبائي، عبر القوانين المالية، كما هو الشأن بالنسبة للتعديلات الجوهرية التي أقرها قانون المالية لسنة 2011 بشأن مسطرة تصحيح الوعاء الضريبي في إطار تعزيز الضمانات المقررة لفائدة الملزمين، هذا علاوة على مواضيع ترتبط بالإثبات في الميدان الجبائي، وخصوصية مسطرة فرض وتصحيح الضريبة. وأكد أن القضاء الإداري وعلى رأسه الغرفة الإدارية بالمجلس الأعلى يبقى هو المرجع في إيجاد الحلول العملية لمختلف الاشكاليات التي يعرفها ميدان الفصل في المنازعات الجبائية. وأوضح مصطفى فارس الرئيس الأول للمجلس الأعلى أن المجال الضريبي يحظى بأهمية كبرى من قبل الدولة باعتبار الضريبة أهم مصادر تمويل الخزينة العامة، خاصة بعد سياسة الانفتاح على العالم الخارجي التي تنهجها بلادنا والتي جعلت الحزبية تفقد العديد من مواردها، وباعتبار التشريع الجبائي يضيف يعرف تعديلات عديدة وبعضه يكتنفه الغموض والتشتت، فإن النزاعات بين الإدارة والملزمين تتسم بالأهمية الكبرى وبالتزايدالمضطرد. وأوضح أن هناك سبعة آلاف (7000) قضية تروج حاليا في مختلف محاكم المملكة مؤكدا الدور الهام الذي يقوم به القضاء الإداري للفصل في القضايا الضريبية. وقال مصطفى مداح الوكيل العام للملك إن القضاء باعتباره الجهاز المؤتمن على حقوق الناس، حريص على أن تؤدى الأمانات إلى أهلها وعلى إشاعة الأمن المالي من خلال التطبيق السليم للقانون ومعاملة أشخاص الحق العام والخاص على قدم المساواة. وأوضح أن فصل السلط لايعني التنافر والقطيعة مع باقي المكونات الإدارية للدولة إنما يفيد في معناه الحقيقي فكرة التعاون والتعاون والتكامل لما فيه المصلحة العليا للوطن والمواطنين أشخاصا طبيعيين أو اعتباريين. وقال إنه تأسيسا على هذه القناعة إن القضاء واع بأهمية الانفتاح على باقي الفاعلين الذين يؤثثون فضاء المحيط الذي يتحرك داخله، مشيراً إلى أنه على الانفتاح والتواصل يتوقف تحقيق ما يصبو إليه من تكريس لمبادىء العدل والإنصاف وحماية الحقوق والواجبات. وأكد عبد اللطيف زغنون المدير العام للمديرية العامة للضرائب إن التحديات التي يفرضها تمويل خزينة الدولة، ولاسيما المشاريع التنموية الكبرى التي تتم بالمبادرة والإشراف الفعليين لصاحب الجلالة، تتطلب مساهمة الجميع كل حسب قدرته في تحمل التكاليف العامة للدولة مشيرا إلى أن الوفاء بالالتزامات الضريبية أصبح من الركائز الأساسية للمواطنة الحقة، وهو ما يتطلب من الجميع العمل على التطبيق السليم للقانون كما سنه المشرع. وأوضح أن هذا الهدف يستلزم بطبيعة الحال مجهودا بين الإدارة والقضاء الإداري من أجل الوقوف على مواطن الغموض أو الاختلاف في تأويل بعض المقتضيات القانونية وتقريب الرؤى بالشكل الذي ينسجم مع إدارة المشرع. وقال إن الوفاء بالالتزامات الضريبية رهين بمدى انخراط المُلزم ووعيه واقتناعه بكون الضريبة التي يؤديها هي تجسيد لقيم المواطنة وليست انتقاصا من ملكيته الخاصة. وأكد زغنون أن العمل التشريعي الذي تساهم فيه الإدارة الضريبية عن طريق اقتراح التدابير التي من شأنها تكريس الضمانات ورفع الغموض، هو عمل، يجب أن تتضافز في جهود الجميع وخاصة لرجال القضاء وباقي شركاء الإدارة الضريبية من هيئات الخبراء المحاسبين وغيرهم من المهتمين بالميدان. وأشار إلى أن الإدارة الضريبية عاقدة العزم على الاستمرار في هذا النهج الاصلاحي بتشارك مع جمبع المبادرات. وقال إن المديرية العامة للضرائب تعمل على إعداد دورية تفسيرية لجميع مقتضيات المدونة العامة للضرائب المتضمنة لمختلف الاجتهادات المرتبطة بالموضوع والمرتقب إصدارها بداية شهر أبريل المقبل. وأكد أن مختلف التدابير المتخدة سواء منها المتعلقة بتطوير وتحديث المنظومة القانونية أو البنيات المعلوماتية والتواصلية أو بتأهيل الإدارة الضريبية تستهدف بالأساس تحسين مناخ الثقة بين هذه الإدارة وبين الملزم بالضريبة، ودعم مرتكزات المواطنة الجبائية ورفع مستوى الحس الحضاري لدى الملزم، كما ستمكن هذه وتقدم قضاة وأطر إدارية من ذوي الخبرة والكفاءة المتميزة، وفي إطار جلسات مغلقة، بمجموعة مواضيع توزعت على أربعة محاور تروم إغناء العمل الاداري والاجتهاد القضائي وتقريب وجهات النظر حول الكثير من النقط القانونية وإيجاد حلول ملائمة للاشكالات الأكثر إثارة. وهكذا اهتم المحور الأول للندوة بالعمل القضائي حيث كان الهدف إلقاء الضوء على اجتهادات المجلس الأعلى على وجه الخصوص باعتباره محكمة قانون وقراراته ملزمة. أما المحور الثاني فاهتم بالإثبات والتحقيق في المنازعات الجبائية ليتم تسليط الضوء على الاستثناءات من الوسائل المنصوص عليها في قانون المسطرة المدنية وقانون الالتزامات والعقود، وكذلك تحديث سلطة القاضي الإداري والتحقيق في الدعوة الضريبية ودور الخبرة القضائية وحكمها. وفي المحور الثالث المتعلق بمساطر فرض وتصحيح الضريبة تم إبراز كيف أن المشرع أعطى للإدارة كملزم الحق في تدارك الأخطاء والاختلالات التي يمكن أن تقع في مرحلة الرد. وتطرق المحور الرابع الخاص بمنازعات التحصيل لإشكاليات الطعن وآجاله وكذا مسطرة تطبيق الاكراه البدني. تبقى الإشارة إلى أن المداخلات القيمة والنافذة لعمق الإشكالات المطروحة خلال هذا اللقاء شكلت أرضية خصبة لنقاش هام ساهم في بلورة توصيات مهمة من شأنها إثراء الترسانة القانونية للضرائب وبالتالي إغناء العمل القضائي والممارسة الإدارية بالبلاد.