وأنا أقرأ كتاب "لماذا نكتب ؟" "?why we write" للكاتبة والروائية الأمريكية ميريديث مران Meredith Maran جاءتني فكرة أن أقدم السؤال نفسه إلى الكاتبات والكتاب المغاربة، فاتجهت فورا نحو الحاسوب لأتفحص أسماء الكتاب والكاتبات الأصدقاء على الصفحة الزرقاء للتواصل الاجتماعي لأبعث السؤال "لماذا تكتب؟"، فتوصلت بمجموعة من الردود، أشاركها مع القراء الكرام. حورية خرباش¹ "كل شخص له جانب في حياته يفرغ فيه طاقته العاطفية والنفسية وتكون بمثابة نافذة على لا شيء يفرغ عبرها حمولاته النفسية. فالكتابة هي تلك النافذة التي أرمي منها حمولاتي. أحيانا لا أستطيع الأكل أو النوم إذا لم أكتب. أحس بارتياح كبير بعد أن أكتب وكأني كنت أحمل عبئا يثقل كاهلي وأصبه كله على الورق بعدما تغمرني سعادة وارتياح لا نظير لهما. وهكذا بالنسبة لي الكتابة كالأكل والشرب ضرورة للحياة". د.خالد التوزاني² "أكتب لأن حياة واحدة لا تكفيني، كما قال عباس العقاد: أقرأ لأن حياة واحدة لا تكفيني، الكتابة في نظري حياة أخرى، جسدها الكتاب أو المجلة، وروحها المعاني والأفكار، ولذلك أركّز في كتاباتي على روح الفكرة وجوهرها، أن تصل الرسالة إلى أكبر شريحة من القراء، ولا يهم الوقت، فبعض الكتب تُقرأ بعد رحيل الكاتب، ابن خلدون لم يلتفت الناس إلى مقدّمته إلا بعد موته بقرون، وأبو حامد الغزالي أحرقوا كتابه الإحياء، ثم تداوله الناس بعد ذلك قرونا طويلة، حتى قالوا: مَنْ لم يقرأ الإحياء فليسَ من الأحياء. أكتب لأن الحياة أكبر من مجرد حركة وانتقال في مراحل العمر إلى النهاية المحتومة، وهي الموت، ثم النسيان.. إنني أكتب لأن الكتابة ضد النسيان، لقد عرفنا ما عرفنا عن الحياة البدائية من خلال ما تركه الإنسان من كتابات على جدران الكهوف ومناطق تجواله وعبوره، أكتب لأترك الأثر، فالرّجل الرّجل الذي يترك أثراً، أكتبُ وأكابدُ الكتابة لأن الكلمةَ رسالة وولادة.. وخير ما يتركه المرء كتاباً يشفع له أو يدفع عنه سيئة أو يزيد من رصيد حسناته، الكتابة ذرية صالحة أو سيئة، ترفعك أو تضعك، شهادة لك أو عليك، فلا أكتب إلا ما أراه رافعاً للهِمَم مُعلياً للقيم ومُعيناً لمن رام بلوغ القِمَم، فما من كاتب إلا سيفنى ويُبقي الدهر ما كتبت يداه، فلا يكتب بيمناك إلا ما يسرّك في القيامة أن تراه، فالكتابة عندي خطوة نحو الحياة الأخرى الأبدية، حيث لا فناء، لا زوال.. أكتب لأن الكتابة عبور نحو ضفة الخلود والبقاء، فالأثر النافع يبقى للأبد، ثم أكتب لأنَّ الحياة لا تُعاد ولا تُعاشُ مرتين، فالكتابة فرصة ثانية للعيش العجيب والغريب بأبعاد أخرى لا يفقهها إلا مَنْ جال في كتابات السابقين، وعرف معنى خلود النص في الأزل". غادة الصنهاجي³ "لماذا أكتب؟ ولماذا أتكلم؟ ولماذا أسمع؟ ولماذا أفكر؟ وهل يمكن أن أجيب عن سؤال الكتابة قبل الإجابة عن باقي الأسئلة؟ أحيانا، يكون السؤال هو الإجابة. ربما نحن نكتب لأنه لا يوجد ما يقوم مقام الكتابة. ما يفكر فيه الإنسان يبقى حبيس عقله إذا لم يتحول إلى فعل بالصوت والصورة والكلمات.. من هنا، تأتي ضرورة الكلام والصراخ والغناء والرسم والتصوير والنحت، وأيضا الكتابة بأشكالها وباللغة التي يتقن الفرد منا حروفها. الإنسان العادي يمتلك، في الغالب، بعض الخواص التي تؤهله لفعل أغلب هذه الأشياء بطريقة عادية؛ لكنه أحيانا يكون محظوظا في إجادته للفعل والتميز فيه، وهذا ما يسمى بالإبداع. وبالعودة إلى سبب الكتابة، فهي عدا كونها وسيلة اتصال وتواصل الكاتب مع الأفراد ومع نفسه؛ فهي نوع من المصارحة أو التصريح بما يعتمل في داخله على المستوى العقلي والشعوري.. وغالبا نجد ما يكتبه الكاتب له علاقة مباشرة ببيئته الاجتماعية والثقافية وغيرها وبما تعلمه منها، ويكون من النادر ألا نصادف كتابة لا تشبه صاحبها حتى لو حاول أن يضلل القارئ بعكس ذلك. وإذا أردت الحديث عن تجربتي الشخصية مع الكتابة الإبداعية، فهي منذ بدأتها كانت شديدة الارتباط بحالتي المزاجية.. أكتب فقط حين أكون جد غاضبة أو حين أكون جد سعيدة.. وإذا لم أكن مندفعة نحوها بقوة شعورية كافية، أهجرها بل وأمقتها أحيانا. وعندما أكتب أفعل ذلك بكل مشاعر الحب والكره، لأغفر وأدين، لأتذكر وأنسى، لأهرب وأعود.. أكتب لأنني أشعر بالقوة والضعف، وأكتب لأكون كل شيء حين أحس بأنني لا شيء.. وأكتب ربما لكي لا أموت؛ فالكتابة عمرها طويل، بدليل أننا نقرأ كتبا عاشت قرونا طويلة.. وأكتب لأن القارئ مجهول، ولأنني حرة في خلق عالمي الخاص وتوزيع الأدوار على من أحب وبالمواصفات والشروط التي تروقني.. أكتب لأجعلهم يتصرفون كما أريد لهم، ويشعرون بما أمنحهم من شعور. وغالبا أكتب لسبر أغوار نفسي، وفي خلوة الكتابة أسمو بها لترتفع وتترفع.. وفي أوج الانطفاء الكامل، أتحرر منها وأصبح العالَم". حسن مزهار⁴ "الكتابة إثبات وجود للأنا وللآخر، انطلاقا مما تربطه من تواصل بين الذوات في عوالم قد تكون أو لا تكون ذات صلة بالواقع من حيث هو كينونة مرئية وملموسة، لكنها عوالم أكثر وجودا من الوجود نفسه. الكتابة بناء أو إعادة بناء لوجود يهدده الانهيار . والكتابة أيضا بالنسبة لي حماقة عاقلة !" مليكة صراري⁵ "الكتابة . ذلك السحر الغامض الذي يجذبنا لماذا أكتب؟ يبدو السؤال شبيها بأخيه: لماذا نتنفس؟ ويتدحرج الجواب المسطح: نتنفس لنحيا، فيتلوه سؤال عميق: وما الحياة؟ يتدحرج الجواب المسطح ثانية: أن يكون لديك قلب نابض، وقدمان تتحركان: وما الحركة ؟: أن تحمل قلما وتزرع حرفا وتغمض عينيك قليلا وحين تفتحهما يخضر العالم، وتنمسح الأضغان ويبتسم الأطفال، وتزول قطرات الدم العالقة بأبجدية التاريخ, تلتفت لنفسك مستغربا كيف يمكن لمجرد حرف أن يمسح أخطاء العالم؟ وتسأل نفسك عن العلاقة بين المطر والكتابة؟ وكيف يمكن للحرف أن يفتح نوافذ ذاتك حولك، ويقربك منك إليك وتصير رفيقا لذاتك، التي كنت تجهلها قبل الكتابة؟ وكيف غدوت ذاتا ترف كالفراشات الهاربة من حماقة الريح، وكيف غدت حروفك سربا من العصافير يحلق نحو اللامنتهي، كطفلة تكتشف العالم، فتسرج خيل خيالها المخدر بالدهشة وتنسج العالم من ألوان الطيف، وعبثا تحاولين أن توقفي شلال الحكي وأوتار القصيدة، يتعب الليل ويستلقي قبل أن تنطفئ النجمة، وخيول الحروف يعلو صهيلها ومداد الليل طريق لاحد لها لماذا نكتب؟ نكتب لنمحو ونهدم ونبني ونرسم، ونفكك ونركب كما الأطفال عالما على مقاس مزاجنا لكنه يؤسس مملكة قاسمتني مشاعر شتى، أشعر بعدها بأن العالم صار أرقى، وأن ذاتي التحمت وأن الكون بعثرته بأيادي الطفولة وصنعت من تربته الأولى بيتا يعانق الشمس ويستلقي للريح ويمد يده للعصافير العائدة من رحلة الشتاء، والأطفال العراة والمشردين وتوقظ الكتابة الإنسان بداخلي قبل أن يتحجر القلب، ويصير هذا الكائن مفرغا من كينونته التي لأجلها صفق العالم له، أكتب لأن الحرف لن يمزقني، في ظله أشعر بالأمان وأنام بين ذراعيه وأحلم أحلم، أركض علني أوقف الخطو حين ألتقي بشجرة تحدثني أنها اخضرت لأن شاعرا جلس تحت ظلها وكتب قصيدة مائية ثم انصرف، وأكتب لأن رحلة الكتابة مغمورة بالاكتشاف والدهشة، وكلما توغلت راقصتني طيور الحزن وعانقتني خيوط الأمل، وتحولت الحروف داخل كياني، شلال ماء للقرى البعيدة ولي أيضا، وأنا أكتب لأحيا لأن حياة المبدع كتابة" إدريس الملياني⁶ "ما معنى أن تكتبوا اليوم؟ لم لا يطرح السؤال بشكل آخر: ماذا لو لم يكتب أحد شيئا، منذ بدء الخليقة إلى اليوم؟ ربما كان الإنسان، الشفاهي، سعيدا بالحياة البسيطة بين أحضان الطبيعة الأم ينعم فيها بفضة الكلام وذهب الصمت والتأمل مكتفيا منها بلذة العمل والمأكل والمشرب والباه.. حقا، لم "يخرج" على العالم إلا الكتابة. وكلما ابتعد المرء عنها كان أسعد. أليس المجنون فاقد الذاكرة السكران النائم المبحر في أحلام اليقظى الأمي الميت كذلك إلا لأنه سليم من تعاسة الحضور ومعافى بسعادة الغياب؟ ومن لا يصدق ذلك فليتصفح ديوان العرب الحافل بالتجارب المرة المتخمة بالألم والعذاب: ذو العقل يشقى وأخو الجهل ينعم/ ناموا ولا تستيقظوا ما فاز إلا النّوم/ الموت رقدة يستريح الجسم فيها إنما الميْت ميّت الأحياء/ حياة شك وموت شك فلنغمر الشك بالمدام/ الجماهير التي يعلكها دولاب نار/ من أنا حتى أرد النار عنها والدوار عمق الحفرة يا حفار عمقها لقاع لا قرار وما في الهم إلا من يفهم وهلم شعرا ونثرا... ليست الكتابة إيمانا بالكلمة بقدر ما هي بحث مستمر عن الإيمان، بالوجود البشري الذي لا حقيقة فيه إلا المظالم والجرائم الجينوسيدية والشعراء أقارب وأجانب قالوا هذا بشتى اللغات: الظلم من شيم النفوس فإن تجد ذا عفة فلعلة لا يظلم ومن لا يظلم الناس يظلم وإني أتهم العالم وربما في وسط بؤسي هذا وجدت السعادة !.. كل شيء في العالم على أسوأ ما يرام والبشرية كلها مجتمعة على ضلال مبين ترفع عقيرتها الإعلامية بالمكاء والتصدية وبما يستلبها ويسيّبها من القيم الكتابية السوقية والرقمية رغم أنها لا يصدقها العقل والعلم والواقع العينيّ.. لا تريد حليمة أن تحيد قيد أنملة عن عاداتها القديمة ! لذلك كان لابد من سفر تكوين آخر، جديد تماما.. تلك أمنية الشعراء الملاعين وأتباعهم من الغواة المجانين.. ولكن، ما فائدة كتابة لا تستطيع شيئا، سوى أن تكون احتماء وراء الأصابع، المحترقة بنيران المدافع المندلعة في كل الجهات وصكوكَ إدانة للجميع شعوبا وقبائل لم تستطع، مهما عزت وجلت، أن تحقق للناس المسرة وعلى الأرض السلام. ولن يستطاع إلى ذلك سبيلا إلا عندما تسود حقوقه ولا يحكم أخاه الإنسان ويبيد "المخزن" الدولي، المدجج بالخرافات والتابوهات.. لا أحد من الأنام بريء إلا الطفولة الشقية ومن يرفع معها وسطى أصابعه "يقلّز" بها للعالم كله ! لعل المسؤولية الكبرى ملقاة على عاتق "البانثيون" !؟ ومثلما لم تكن لدون جوان إلا أمنية واحدة: لو اجتمعت نساء العالم في امرأة واحدة لقبلتها واسترحت ! ولكل طغاة العالم أيضا أمنية واحدة لو كان الشعب برأس واحد لقطعته واسترحت ! فإن لكاتبي المفترض كذلك أمنيته المستحيلة: لو اجتمعت آلهة الأولمب على كلمة سواء ! لما احتاج إذن بروميثيوس إلى سرقة النار منها وتقديمها إلى الإنسان هدية !" فؤاد بن أحمد⁷ "لماذا أكتب؟ لست أدري لمَ لمْ أفكر يوما في هذا السؤال. ربما لأني منشغل أكثر بأسئلة أخرى أقل غائية، من قبيل: لمن أكتب؟ وماذا أكتب؟ وكيف أكتب؟ لكن بعد أن طرحت علي السؤال شرعت في التفكير؛ وقد أخذ مني ذلك بعض الوقت. وها جوابي. يبدو لي أن الإنسان وهو يقاوم الانقراض، ويواجه حتمية الموت المادي، يسجل أفعالا تتعدى مجرد الحياة بمعناها الحيواني، عبر فاعلية الكتابة كشكل بديل لخلود النفس الإنسانية. فقد ضاع تراث هائل من تراث البشرية بسبب غياب الكتابة، سواء في الماضي السحيق أو عند الشعوب التي لم تهتم كثيرا بتدوين فنونها وآدابها وعلومها. صحيح أن الكتابة تحيل على الذاكرة وعلى الأذن وعلى الصوت، كما هو الشأن بالنسبة للكلام، لكنها تحيل بالأساس على العين، لأن الكتابة بصرية-يدوية في نهاية المطاف، وإن كانت التكنولوجيات الحديثة اليوم قد خلقت بدائل لليد وللعين عن طريق الكتابة والقراءة الصوتية. لكن هذه التطويرات لا تلغي فعل الكتابة وإنما تؤكده، بل تجوده(من الجودة). كنت، في البداية، أكتب مقاومة للزوال والهشاشة والأعراض التي تلازم وجودي ومقاومة للقهر والظلم والتسلط...شيئا فشيئا غدت الكتابة الممرَ الذي أعبر منه إلى الإنسانية وإلى الخلود، وإن لم يكن هذا ضمن غاياتي الأولى. لم أكن أتصور يوما أن يقرأ ما أكتب أناس من طاجيكستان أو من منطقة بعيدة بالبرازيل... ليس لدي أدنى فكرة عن مآل ما أكتب أو ما نكتب بعد ألف سنة أو آلاف السنين من الآن، لكن يكفي أن نتصور أن ما نكتبه اليوم سيحفظ بطرق أفضل أو أنجع مما حفظنا به تراث الأولين ليصبح هذا مشجعا على الكتابة وضامنا للبقاء؛ لذلك غدت الكتابة عندي مسؤولية في تقلدها عبء كبير علي. صحيح أيضا، أني لم أعد أهتم بوجود أقلام جيدة في محفظتي، وبدلا من ذلك أهتم بتنزيل خطوط جميلة لاستعمالها عند الكتابة على الكمبيوتر، لكن في كل الأحوال ما عاد بالوسع ألا أكتب وإن بحرص. لقد صارت الكتابة معيشي اليومي. وفي الحقيقة، فهي جزء أو لنقل مظهر من مظاهر حرفتي التي أحب: البحث". عبد الكريم عباسي⁸ "بالنسبة لي بحصيلة أعمالي الروائية بكل تواضع، الكتابة بالنسبة لي التزام ورسالة مجتمعية بوصفة إبداعية وتقنيات سردية تعتمد على الوصف الدقيق وملامسة أكثر للواقع والاعتماد على جعل العمل مقرونا بحمولة ثقافية يعتمد البحث والتنويع والإغناء وتجاوز الكتابة الكلاسيكية " سعيد الفلاق⁹ "أكتب لأرفع صوتي، لأقاوم، لأعيد إحياء الذكريات في قلبي. فما عشته - على ما قلته - ينبغي أن يُحكى ويروى. لأن هوية الإنسان الشخصية بتعبير بول ريكور هي سروده. وهويتي الشخصية هي حكاياتي. أكتب لأني أحب ترويض الكلمات، ولأني لا أعرف غير ذلك. الكتابة قوة، انتصار على الخراب، محبة خالدة. الكتابة نور، نِعمة إلهية عظيمة. الكتابة أيضا همّ ومعاناة، إنها مهنة حزينة بلغة حنا مينه. لكنها حزن جميل على كل حال. أكتب لأني لا أريد أن أموت بسرعة، أن أحيا دوما في قبر كلماتي". ميلود عرنيبة¹⁰ "لماذا أكتب؟ الجواب بسيط جدا، إنني أكتب لأنظم حياتي وسط عالم مليء بالفوضى؛ فالكتابة تدفعني إلى القراءة، وتورطني ذلك التوريط الجميل الذي يعيد التوازن إلى إيقاع حياتي. ويدخلني في تفاعل مع الكتب، أقرأها، أناقشها، أعلق عليها، وأحيانا أنتقدها. هكذا تنقذني الكتابة من ذلك التيه الذي يعتريني عندما لا أكون بصدد أي مشروع في الكتابة. إنها وسيلة للهروب من قلق هذا الواقع ومن ثقله ومن أعطابه؛ فالانشغال بالكتابة هو الذي يخلصني من الاضطراب ويعيد إلى حياتي انتظامها وسيرها الطبيعي. إن الكتابة بهذا المعنى، بالنسبة لي، وسيلة للحياة ينبغي إدمانها يوميا حتى أضمن لجانب مهم فيّ الحياة؛ بل حتى أتمكن من عيش حيوات متعددة؛ فبالكتابة نقرأ، وبالقراءة نعيش حياتنا وحياة غيرنا في آن واحد. لذا فكلما اتسعت مجالات قراءتنا اتسع أفق حياتنا، وربما هذا ما يبرر كتابتي في مجالات مختلفة التي يراها بعضهم تيهانا وعدم امتلاك مشروع خاص يؤهلني للنجاح في مساري العلمي. أشكر هؤلاء إخلاص نصحهم، لكنني أكرر لهم أنه كلما اتسع أفق الكتابة اتسع معه أفق الحياة". زكية المرموق¹¹ "أكتب كي لا أصاب بالجنون، أكتب لأني أشعر بالبرد، لأني أحس بالاغتراب، أكتب كي أتأكد أني لست ميتة، كي ألوح للآخر، لأقول للموت: تبا لك" مليكة بنضهر¹² "أكتب كما تشاء الصدف أن أكتب، وأظل أحلم بالعظمة في التواضع كما قال طاغور وأختلي بي كلما سنح الزمن بذلك". سناء غيلان¹³ "أكتب لأنني أحتاج لذلك.. الكتابة بالنسبة إلي احتياج مرتبط بأنطولوجيتي وبكينونتي" الكبير الداديسي¹⁴ "أنا قارئ يحاول أن يشارك قراء ما يقرأ، ومن الصعب على قارئ نيف على الخمسين سنة أن يحكي عن تجربته مع القراءة والكتابة، فذلك أشبه بأن تطلبوا من رجل تلخيص نكهات وأذواق كل المأكولات والمشروبات التي تناولها في حياته.... أن أحكي عما كتبت يتطلب أن أحكي عما قرأت؛ فلا فصل بين القراءة والكتابة على حد تعببير بيير ماشيري P.Machery – ذلك أن العلاقة بين القراءة بالكتابة تكاد تكون كعلاقة البيضة بالدجاجة من الأسبق، فالكاتب لا يكتب إلا بعد قراءة، والقارئ لا يقرأ إلا ما هو مكتوب، لا قراءة إلا بوجود الكتابة، ولا قيمة لما هو مكتوب إذا لم يقرأ... لذلك أفضل صفة قارئ، القراءة متعة والقارئ مستمتع، لكن كل متعة زائلة، هنا تصبح الكتابة تثبيثا للذات وتخليدا للمتعة في زمان لا شيء أبقى من الحروف، يموت الكاتب وتبقى كتبه، والذي يكتب لا يموت... أليست بداية التاريخ مربوطة بالكتابة. لا أخفيكم سرا إذا قلت لكم أنه لولا الكاتبة والقراءة لكنت وقعت منذ زمن طويل فريسة لليأس والقنوط، لأنهما المتعة التي لا زيف فيها، المتعة التي تبقى بعد أن تتلاشى كل المتع الأخرى، متعة الكتاب الصديق الوحيد الذي ما خلف يوما موعدا، يظل دائما مصدر نور يتلألأ، إنه بالنسبة لي العبد المعبود والمعبد يُعلِّم يصنع، ويربي الأذواق بصمت الحكماء دون أن يرفع صوتا أو سوطا. ... إن وراء كل كلمة في سطر كتبته كتابا قرأته مستحضرا أنه نقش بدم كاتبه، لخص فيه تجاربه، عصر عقله وقلبه ليقدم حياة ... أين الملوك والقياصرة والفراعنة ومن ملكوا الأرض ... ومن خلد اسمه في التاريخ منهم فبفضل كاتب.... لأقدم لكم كتابي الأخير، أقول لكم إني قرأت عشرات الكتب وكل كتاب قرأته كان يزيد حياتي معنىً وكلما كتبت عن كتاب شعرت بأني مواطن في ديمقراطية النصوص الخالدة، القراءة تحقق لذة تجعل الكاتب حاضرا في الغياب.... وتجعل لصوته ذبذبات غير قالبة للتلاشي، وتمنح ذبذبات صوته رنينا يزداد كلما اتسع المدى، يلوي أعناق الحاضر بالنوستالجيا ... الكتابة هي العزاء الوحيد في عالم يشعر فيه الإنسان بالوحدة وسط الحشود الغفيرة... على الرغم مما ينتابنا من شعور بقلة القراء، والسؤال الذي يحاصر كل من يفكر في الكتابة (لمن تكتب) فإننا في هذا الزمن المادي أحوج ما نكون إلى الكتابة؛ لأن الكتابة بعث للحياة داخل الموت ويصبح أقصى ما يطمع فيه الكاتب هو موت ممتع، بعد أن غدا محاصرا وسلعته في نظر الأغلبية مرادفة للامعنى واللاشيء... الكاتب اليوم لم يعد من الأغلبية وإن تكلم بلسانها، يجد متعته في أن يرى كل المعاني في اللامعنى لذلك تصبح سعادته هي أن يجد أدبا مستحيلا عصيا على الآخرين، كتابة تخيف وترعب كل الخائفين من هذا المستحيل، وقد تصبح هذه الكتابة أكثر استحالة عندما تتحلل من الأشكال ومن النمطية لتأخذ شكلا هلاميا يتسلل عبر المسام يخدر ويؤثر دون ألم، يفعل مفعوله بالشكل والحجم الذي يريده الكاتب ولكل كتابة تأثيرها فلا كتابة بيضاء... وإذا كانت اللغة للجميع والمعاني مطروحة في الطريق فإن الكاتب يكسبها شحنة موجبة فتحوله من قارئ إلى كاتب، مولد للمعاني ومانح التعدد للمفرد، يعطي عدة معاني للنص الواحد بل يناسل المعاني من الكلمة الواحدة.... لكي أقدم لكم هذا العمل قرأت عشرات الكتب النقدية والإبداعية في الرواية، وكلما قرأت كتابا كنت أشعرني عريسا يدخل قفصا ذهبيا اختاره بنفسه، متعبدا داخل خلوة صوفية الكتاب فيها معبود ومعبد.. وكلما كتبت عن رواية كانت الكتابة تخلصني من الزمن، وتحطم أمام عيني حدود المكان، لأقف ساخرا: يا زمن يا لعين أخذت أبي، خدني وستأخذ أولادي ما بنيت وما اشتريت... لكن اعلم أنني بهذه اللطخة السوداء وهذه الحروف المزروعة في عبث قد رسخت سرمديتي ... أتحداك وإن سجتني في المكان، أن تنهي زنين حروفي في الزمان... الكتابة بساط ريح طفت به كل الأقطار وسافرت عبر كل الأزمان، وتسللت لدواخل الكتاب... ومَن غير الكتابة يعطيك قوة التحليق من غرب إلى شرقستان ... الكتابة إذن خلود لأن ما يُكتب يحفظ ويبقَى... وما يقال تذرهُ الرياح والنسيان، وعندما يقرأ القارئ يستقبل المعاني بقلبه فتصبح قراءة آخر صفحة في كل كتاب تشعره بفقدان صديق... وعندما يجلس للكتابة لا يتذكر من الأصدقاء إلا الأعزاء، وإذا كان كل مصحوبٍ ذا هفوات، قد تأتيك منه أحيانا نكبات، فإن الكتاب مأمون العثرات... ومهما كانت تفاهة كتاب لا بد أن تستفيد منه شيئا... لأن الكتب عصارة الفكر ونتاج العلم وخلاصة الفهم ودوحة التجارب وعطية القرائح وثمرة العبقريات.... إنها النوافذ التي نطل منها على عالم الخيال، على الماضي وعلى المستقبل... والإنسان الذي ما طالع في حياته كتابا بيت بلا نوافذ، وسرداب من دون منافذ...بالكتابة بدأ التاريخ... ومن دونها يخرس الإبداع، يتحجر الفكر وينتهي التاريخ فكان الكتاب خير سلاح لقتل الضجر، وملء الفراغ وتحقيق مجد لا يورث، وحظ لا يقسم بالأزلام ووواقع لا يُرى في المنام... ومن لم تكن نفقته على الكتب ألذ عنده من إنفاق الندامى على الخمر ونفقة العشاق على القيان لن يكون قارئا عاشقا... والقارئ العاشق لا توحشه خلوة وما شعر يوما بغربة، ولا فاتته سلوى، لأن القراءة عنده عبادة والكتابة خلود والجمع بينهما تكريم، امتلاك البصيرة، تهذيب للنفس، تنمية العقل وتوسيع المدارك... والقراءة مع الكتابة والدربة تجعل القارئ ناقدا قاردا على مساءلة الكتب المنصوبة منارات في عتمات هذا الزمن المظلم، وتخلصه من التبعية لأنها تمنحه حرية أن يقرأ ما يختار، ولن يختار إلا ما يعجبه، وما يعجبه أكيد يسعده ولا هدف في هذه الدنيا غير السعادة. الكتابة تجعل الفردي النفسي المخبأ في الأعماق عاما مشاعا، من خلال البوح والارتماء على أديم الأوراق وتجعل الذات منشورة تتناسل عبر الكلمات والمفاهيم " ********* - حورية خرباش¹: شاعرة مغربية لها دواوين شعرية عديدة؛ منها: "ترانيم على بياض الروح" و"تراتيل في مهب الريح". - د.خالد التوزاني²: أكاديمي مغربي، أستاذ باحث في مجال لأدب المغربي والأندلسي والتصوف الإسلامي وحوار الحضارات، من إصداراته: "جماليات العجيب في الكتابات الصوفية"؛"الرحلة وفتنة العجيب"؛ "التصوف الإسلامي"، "التسامح بين الأديان"؛"أدب الرحلة"؛"الرواية العجائبية في الأدب المغربي الحديث". - غادة الصنهاجي³: كاتبة قصة وإعلامية مغربية في الحقل الثقافي. صدرت لها مجموعات قصصية عديدة، منها: "الهاربة" (2014)، و"هي وهو" (2016)، و"البلابل لا تحلّق في الأعالي" (2016). وهي معدّة ومقدّمة البرنامجين الثقافيين "كتاب اليوم" و"ثقافة بلا حدود" على القناة الفضائية المغربية Télé Maroc. - حسن مزهار⁴: شاعر وقاص له من الإصدارات: ديوان أعلَنتُ عليكم هذا النذير، 2009"؛"ديوان حين ينبت الأطفال، 2011"؛" ديوان هذا القادم"؛ المجموعة القصصية"أيام من زمن عاق"؛ المجموعة القصصية"سيدي يوب..حكايات الزمن الأول". - مليكة صراري⁵: كاتبة وقاصة لها: المجموعة القصصية" رعشات معطف الليل"؛ المجموعة القصصية" لعبة الأقنعة". - إدريس الملياني⁶: شاعر وكاتب ومترجم، حاز على جائزة المغرب، له دواوين وكتب مترجمة وروايات عديدة، أبرزها "ديوان أعراس الليل"، رواية"كازانوفا"، - فؤاد بن أحمد⁷: 2009 أستاذ للفلسفة ولمناهج البحث بدار الحديث الحسنية، التابعة لجامعة القرويين، الرباط. وهو عضو في مجموعة من الجمعيات الدولية المتخصصة في الفلسفة والعلوم في العالم الإسلامي، ينصب اهتمام بن أحمد على تاريخ الفلسفة والعلوم العقلية في الإسلام، وخاصة على الفترة التاريخية التي تمتد من زمن أبي حامد الغزالي إلى ما بعد ابن رشد. من منشوراته: - ‘Three Masters and One Disciple: Ibn Ṭumlūs Critical Incorporation of Al-Farābī, al-Ġazālī, Ibn Rušd,' In Andreas Speer and Thomas Jescke (eds.) Schüler und Meister, 39th KölnerMediaevistentagung (Berlin- Boston: De Gruyter, 2016). - موفق الدين عبد اللطيف البغدادي، الأعمال الفلسفية الكاملية، الجزء الأول، تحقيق وتقديم وفهرسة فؤاد بن أحمد (بالتعاون مع فدواش نظيرة ويونس أجعون) (بيروت- الجزائر- الرباط: منشورات ضفاف – منشورات الاختلاف- دار الأمان: 2018). - ابن طملوس الطبيب والفيلسوف. سيرة وثائقية (بيروت- الجزائر- الرباط -تونس: منشورات ضفاف – منشورات الاختلاف- دار الأمان- كلمة للنشر: 2017). - ابن طملوس، كتاب الأمكنة المغلطة وكتاب الجدل، تحقيق وتقديم وتعليق فؤاد بن أحمد (بيروت- الجزائر- الرباط - تونس: منشورات ضفاف – منشورات الاختلاف- دار الأمان- كلمة للنشر: 2016). - منزلة التمثيل في فلسفة ابن رشد (بيروت- الجزائر- الرباط: منشورات ضفاف – منشورات الاختلاف- دار الأمان: 2014). - 'طريقة الجدل الفلسفي عند ابن رشد: المنافع والقيم والحدود، ‘Mélanges de l'Université Saint Josef، 63، 2010-2011 (صدر في 2012). - عبد الكريم عباسي⁸: أستاذ مكون بالمركز الجهوي لمهن التربية والتكوين، مُؤلِّف لعشر حكايات أمازيغية تربوية، له إصدارات أدبية عديدة منها قصة " المصيدة"؛ رواية" ملاذ الوهم والتيه"؛ رواية " رياح المتوسط". - سعيد الفلاق⁹: كاتب شاب حائز على جائزة راشد بن حمد للإبداع بالإمارات 2019، فئة الدراسة النقدية عن الدراسة" التخييل التاريخي في الرواية العربية المعاصرة". - د.ميلود عرنيبة ¹⁰: كاتب وباحث، يعتبر كتاب" التقابلية منهاجا لانسجام خطاب التأويل" أول عمل مستقل له، "على مرمى حجر". - زكية المرموق¹¹: من أبرز الشاعرات المغربيات حاليا لها ثلاثة دواوين "واخرج إلى النهار"؛"المشي على الماء وأكثر"و" كلّ غياب وأنت أكثر". - مليكة بنضهر¹² كاتبة وشاعرة مغربية. - سناء غيلان¹³ كاتبة وشاعرة لها دراسة نقدية "القصص الشعبي في أصيلة" وديوان شعري " جداريات خلف الذاكرة " وآخر بحديث " شهقة لسوناتا العطش". - الكبيرالداديسي ¹⁴ كاتب مغربي، من مؤلفاته: كتاب بيداغوجي تحليل النص السردي والمسرحي صادر عن دار الحرف بالقنيطرة، كتاب الحداثة الشعرية العربية بين الممارسة والتنظير، دار الراية للنشر والتوزيع عمانالأردن 2014· تأليف كتاب المدح في عصر المرابطين، دار الراية للنشر والتوزيع عمانالأردن 2014· تحليل الخطاب االسردي والمسرحي، دار الراية للنشر والتوزيع عمانالأردن2015 .في الرواية العربية المعاصرة ج1 دار الراية للنشر والتوزيع عمانالأردن 2015 .أزمة الجنس في الرواية العربية بنون النسوة . مؤسسة الرحاب الحديثة بيروت2017. كتاب "مسارات الرواية العربية المعاصرة" مؤسسة الرحاب الحديثة بيروت2018. رواية انتقام يناير . مؤسسة الرحاب الحديثة بيروت2020.