يساهم هذا الكتاب الموسوم ب˝ اللاعنف في الإسلام: مفكرون، ناشطون وحركات اللاعنف الإسلامية˝ للكاتب سمير محمد مرتضى، والذي يعتبر مهماً، في فهم الإسلام فهما صحيحا، مستعينا في ذلك بتقسيم منهجي مضبوط جاء في ثمانية فصول ومقدمة وخاتمة، إضافة إلى لائحة بأهم المصادر والمراجع، ومجموعة من الصور لمفكرين وناشطين ومنظرين في مجال اللاعنف الإسلامي. يعتبر هذا الكتاب تلخيصا لأهم مفاهيم الحركات في اخلاقيات اللاعنف الاسلامي في البلدان الناطقة باللغة الالمانية، كما يلعب دورا كبيرا في تجديد النظرة النمطية للاسلام عند المتلقي الألماني ومناقضته للرؤى المشوشة عليه: ففي العالم الغربي، يعتقد الرأي العام جازما أن الاسلام لا يملك أخلاقيات السلام بسبب التضليل الاعلامي، ونتيجة لأعمال العنف العديدة التي يرتكبها بعض الاشخاص المحسوبين على التيار الاسلامي فأصبح يُنظر إلى الإسلام على أنه تهديد للسلام الاجتماعي والعالمي. ويؤكد المؤلف أن هذا الاعتقاد الغربي يكشف عن جهل هائل بتنوع الإسلام وبمصادره. ورغم أن أخلاقيات السلام الإسلامية لها تاريخ طويل في اللاهوت والممارسة، فإن الغرب يتعمد تجاهل هذا التقليد المستمر، ولا توجد إلا حالات قليلة يظهر فيها الغرب بعض ممثلي السلام المسلمين، والذين غالبًا ما يتم تجاهل انتمائهم الديني، أو يُعتبرون "الاستثناء من القاعدة" الشهيرة، أو يُلاحظ وجودهم باستغراب، كما لو أن هؤلاء الأشخاص يساهمون في السلام رغم أنهم مسلمون، وليس لأنهم مسلمون. هذا الكتاب يجيب عن تساؤلات الجمهور الألماني عما إذا كان الإسلام هو السلام أو هو نذير العنف؟ وما هو "الإسلام" أو ما الذي يميز هذا الدين؟ وبطبيعة الحال تختلف الآراء على نطاق واسع لدى المسلمين عن دينهم بخلاف الغرب الذي يصور أن الاسلام في كثير من الأحيان على أنه الدين الذي انتشر بالنار والسيف منذ ظهوره وبدايات انتشاره. ويتعزز هذا التصور المتشدد ببعض أفعال المتشددين في بلاد المسلمين أو الذين يعيشون في الغرب بزعمهم أنه يحق لهم احتكار الاسلام وممارسة الوصاية عليه . يُظهر المؤلف محمد سمير مرتضى في أعماله التي تتناول الإسلام بطريقة مغايرة ومختلفة وموضوعية عما هو سائد في ألمانيا والغرب، أنه على العكس من المستنسخات السائدة، كانت هناك نقاشات متنوعة حول السلام واللاعنف على الجانب الإسلامي، ليس فقط في السنوات الأخيرة، بل منذ نشأة الإسلام، ساهم فيها وأثراها مفكروا اللاعنف الإسلامي، ونشطاء وحركات إسلامية سلمية. فكما هو الحال في كثير من الأحيان، فإن الواقع أكثر تعقيدًا من أنماط التفكير البسيطة التي يفسر بها الإسلام ويُفهم بها. لهذا جاء هذا الكتاب شاملا يتضمن آراء ونقاشات مجموعة كبيرة من المفكرين المسلمين، الذين يمثلون الخطاب السلمي والمنهج اللاعنفي في الإسلام: وإذا كان هؤلاء المفكرون يختلفون فيما بينهم من حيث الوظيفة، حيث يذكر المؤلف نموذجا من الباحثين والمفكرين والناشطين، وحتى الحركات الإسلامية، والذين يختلفون أيضا من حيث الإنتماء الفكري، حيث لدينا سنة وشيعة وإسماعيلية ومن جماعة الإخوان المسلمين، ويختلفون من حيث الجنسية التي تتوزع بين الهندي والأفغاني والباكستاني والعراقي والسعودي والسوري، والجزائري والمصري أو أي دولة أخرى يسكنها المسلمون، فإن هؤلاء يتحدون فيما بينهم في انتماؤهم إلى الدين الإسلامي، وفي دفاعهم عن الإسلام ونفي صفة العنف عنه، من خلال نقاشات وكتابات ومؤلفات ومحاضرات وعمل ميداني. وقدم المؤلف للقارىء في هذا الكتاب مجموعة من المفكرين الذين عالجوا مواضيع مثل أخلاقيات اللاعنف والالتزام بعالم خالٍ من الأسلحة ومفهوم الجهاد اللاعنفي، ووحدوا وجهة النظر من منظور إسلامي حول هذا الموضوع المعقد، ويعيد بذلك هذا الكتاب الاعتبار لباحثين وعلماء وناشطين، معروفين وغير معروفين في العالمين العربي الإسلامي وفي الغرب، ويشيد بأعمالهم، وبما قدموه للعالم، من أجل إبراز سلمية الدين الإسلامي، وتسامحه، وتقبله للآخر، واهتمامه بالمشترك الإنساني. وكانت نظرة مؤلف هذا الكتاب شمولية، غير مختزلة، ولا مختصرة، ذلك أنه لم يقتصر في نماذجه على فئة معينة، أو جنسية معينة، بل عمل على تنويع نماذجه بين عالم وباحث وفقيه وإمام وناشط حقوقي، كما نوع في جنسيات هذه النماذج بين هندي وسعودي وسوري وأفغاني ومصري. هذا التنوع نفسه يؤكد تنوع مشارب الإسلام وتقبله للآخر، وعالميته. ومن النماذج التي ذكرها الباحث في كتابه نجد العالم جودت سعيد الذي ولد سنة 1931، وهو مفكر سوري معاصر، لقب بغاندي العرب، وكان قد تعرف أيضا على مالك بن نبي وتأثر به، كما تأثر بمصلحين آخرين مثل جمال الدين الأفغاني، ومحمد عبدو، ومحمد إقبال، ومحمد أسد. اهتم في كتبه ومحاضراته بالأخلاق واللاعنف في الإسلام، واعتبر الإسلام طريق الأنبياء، كما أن اللاعنف هو الطريق الوحيد للتغيير. ويركز مؤلف هذا الكتاب في عرضه لسيرة جودت سعيد، على وصفه بمؤسس نظرية الجهاد اللاعنفي، والدعوة السلمية ونبذ العنف، فقد دعا إلى التحول الديمقراطي كحل للمعضلات التي تواجهها أمة الإسلام، عن طريق فكر التغيير اللاعنفي، رافضابذلك الخيار المسلح، واشتهر بكتابه˝ مذهب ابن آدم الأول، أو مشكلة اللاعنف في العمل الإسلامي˝. وبينما يواصل مفكرون مسلمون آخرون الحديث بحرية حول السؤال الشرعي متى يكون الجهاد مشروعًا دفاعا عن النفس، وكيف يمكن خوض مثل هذا الصراع وما هي حدوده؟، فإن الباحث جودت الذي درس في جامعة الأزهر سوف يتخذ اتجاهًا معاكسًا ويضع طاقته الفكرية في خدمة السلام الإسلامي، ويركز فيه على الدعوة إلى اللاعنف التي يعتبرها دعوة للعقل في جوهرها.وكان قد رفض تشدد جماعة الإخوان المسلمين المصرية في أواخر الأربعينيات،ذلك أن محاولاتهم تحقيق التغيير السياسي من خلال الاغتيالات لم تؤذي الإسلام فحسب، بل خلقت أيضًا مناخًا اجتماعيًا من الخوف، جعل الدولة تميل إلى تقييد أكثر للحريات المدنية. لذلك فهو يرى أن تعامله مع حق المقاومة الإسلامية اللاعنفي نقطة عكسية للجماعات الإسلامية في العصر الحديث، الذين يستخدمون العنف في أغلب الأحيان وسيلةًلتحقيق تغيير للحقائق السياسية. وهو يعارض التفكير الإيديولوجي لسيد لسيد قطب على وجه الخصوص، ويدعو إلى نبذ العنف. لهذا وجد أنه من المناسب تذكير الناس بالسؤال المحوري: متى يكون من الضروري توقف الرجل العقلاني عن صنع الأسلحة لإبادة نفسه وإبادة الآخرين؟ لذا فإن ممارسة اللاعنف على المستويات المحلية والعالمية والجزئية ليست فقط خيارًا لا غنى عنه، بل هي الخيار العقلاني الوحيد المتبقي. وقد وصف سعيد هذا بأنه عملية نضج. كما تحدث مؤلف الكتاب عن المعلم مولانا وحيد الدين خان، وهو مفكر مسلم هندي معاصر، قامت دعوته على مهاجمة العنف ومواجهة الجماعات التي تتبنى العنف المسلح، ودعى لتبني المنهج العلمي والجهاد السلمي في الدعوة. وصفته مجلة الأمة القطرية فكتبت: ˝وحيد الدين خان أحد المفكرين المسلمين القلائل الذين جمعوا بين ثقافة العصر في أعمق ظواهرها وأعقد تشعبانها، وبين ثقافة الإسلام الخالدة في أدق خصائصها وأشمل معطياتها وهي ميزة؟ قلما وجدت بين مثقفي هذا العصر˝. يؤكد المؤلف على أن خان كان في بداية أمره أحد العلماء المتحمسين لفهم الإسلام على طريق المودودي، وكان المودودي قد بشر في كتابته بثورة إسلامية في باكستان، مستلهما في ذلك الثورة الفرنسية في عام 1789 وثورة أكتوبر عام 1917. لذلك نأى خان بنفسه عن المودودي وقراءته السياسية للدين. وحذر خان من أن مثل هذا التحول في الإسلام سوف يسلم الدين للتلاعب السياسي. وانضم خان إلى حركة التبادل السياسي تبليغ غير السياسية لفترة طويلة حتى عام 1975. ثم أسس سنة 1970 في دلهي المركز الإسلامي وفي 2001 المركز من أجل السلام والروحانية، والمركزان معا يعملان على نشر دين السلام الإسلامي والعمل التنويري. وصنفته جامعة جورج تاون، نتيجة جهوده من أجل إحلال السلام بين الأديان والوئام الاجتماعي، ضمن 500 شخصية مسلمة من أكثر المسلمين نفوذاً في العالم في عام 2009 ووصفته بالسفير الروحي للعالم. ويضيف المؤلف أنه على الرغم من أوجه القصور في مفهوم خان للاعنف وقبوله للاضطهاد في نهاية المطاف، إلا أن أفكاره مهمة للسلام الإسلامي.لم يكن النبي محمد(ص) قائدًا عسكريًا، ومن المهم التأكيد على ما فعله النبي(ص) في حياته. نكتشف هنا درسًا يحاول احتواء العنف. إنه يلبي احتياجات الشباب المسلمين الذين يرغبون في القيام بشيء ما في مجال السلام.فقد ساهم خان في جمع كلمة السلام والإسلام معًا، وما يزال الأمر متروكا الآن للمسلمين لبذل جهد كبير لخلق أغلبية تتبنى الجهاد السلمي، وتعمل على السيطرة على مرتكبي العنف وتصحيح مسارهم المشؤوم.إن الدعوة إلى التغيير لا تخلو من الأمل ومن افتراض وجود مستقبل إذا قمنا بدورنا لجعل العالم أكثر سلمية سواء فيما بين المسلمين أوبين المسلمين واليهود والمسيحيين أو المسلمين أو غيرهم. وكان المثقف أصغر علي الذي ولد سنة 1939 وتوفي سنة 2013، حتى وفاته من أهم المثقفين المسلمين في الهند، وهو من عائلة إسماعيلية، تعلم أصول الدين من أبيه قربان حسين، واهتم بالعلاقات بين المسلمين والهندوس، والتصالح بينهم، كما عمل على نشر التسامح والتصالح داخل المسلمين أنفسهم، فقدم تصوراته عن اللاعنف باعتباره نموذجا قدمه النبي محمد (ص). فعمل على تحقيق التصالح بين المسلمين، وبين المسلمين والهندوس، من أجل تجنب المواجهات الدامية بين الهندوس والمسيحيين والمسلمين التي حدثت وما زالت تحدث اليوم في الهند.ومن أجل التزام متواصل بقضايا السلام والتسامح. وأيضا مساهمات في نقاشات مضنية تم توشيحه بجائزة السلام البديلةسنة 2004 مناصفة مع الناشط الهندي سوامي أغنيفيشو أثناء تقديم كتابه الذي يروي فيه سيرته سنة 2011 أشاد به الرئيس السابق للهند محمد حامد أنصاري وقارنه بالفيلسوف سبينوتزا. ويعرف أصغر علي اللاعنف على النحو التالي: عدم الاعتداء، ونمط الحياة هذه هي موقف للحرية، لأن العدوان ينتهك دائما حرية الآخر، لكن أصغر علي مقتنع أنه لا يمكن مساواة عدم الاعتداء بمسألة التخلي عن العنف الإيديولوجي الحتمي، لأن استعمال العنف في حالات الضرورة والدفاع عن النفس والعقاب مسموح به، وهو بهذا يعلن عن اقتناعه بفهمه لسيرة حياة النبي محمد صلى الله عليه وسلم في مكة وفي المدينة. ويستنبط المؤلف في هذا الكتاب هدف أصغر علي الذي يتجلى في تخليص سمو تفسير القرآن من استحواذ المتشددين عليه، فدعاة السلام ودعاة العنف من المسلمين يقرؤون النص ذاته، لكنهم يفهمونه على نحو متباين ومتناقض، بينما يوجب التعامل الموضوعي مع الدين النقاش المثمر حول سمو التفسير. فالرد المعاصر على جواب أول مرتكب للجريمة من أبناء آدم عليه السلام على سؤال الرب عن أخيه، فيقول: ˝لا أعلم. هل أنا وصي على أخي؟˝ كما جاء في سفر التكوين، يكون على النحو التالي: ˝نعم، أنا وصي على أخي˝. ومن أهم النماذج التي أكد على أهميتها المؤلف في هذا الكتاب، نموذج آيات الله الكبرى محمد الحسيني الشيرازي، الذي ولد في عائلة شيعية بالنجف بالعراق، ويشهد تاريخ عائلته على منطلقها السلمي، وأن النظرية التي تقول إن الإسلام انتشر بالعنف، نظرية قاصرة، وأن الدين الإسلامي إنما يتوخى تحمل الإنسان لمسؤوليته. ناضل من أجل عالم خال من الأسلحة، وهي مسؤولية المجتمع الدولي، كما هي مسؤوليةالمسلمين بوصفهم صانعين للسلام. ودعا إلى ضرورة تحكيم الاخوة الإسلامية وإلى الحوار الحر والمؤتمرات والتعددية السياسية، وإلى شورى المراجع. وقد اهتم في كتبه ومحاضراته بمواضيع مهمة جدا ومؤسسة لتربية السلام والتسامح، من بينها: اللاعنف، التربية، الفكر الحيوي، الأخلاق الرفيعة، الجهاد المستمر بالأساليب السلمية، وكان مبدأه في الحياة هو السلم واللاعنف. وكان يقتدي بسيرة النبي محمد عليه الصلاة والسلام، الذي عالج مسألة العنف حين دعا قومه ثلاثة عشر سنة، سلميا، رغم ما سببته له قريش من أذى. كما أنه تأثر بمنهج النبي عيسى عليه السلام السلمي، لهذا دعا الشيرازي أنصاره إلى تبني منهج سلمي في الدعوة والكفاح، تعبيرا عن الحركة السلمية التي يتبناها، وبالتالي فإن المسيحيين والمسلمين مجتمعين سيقودون الناس نحو نمط عيش سلمي. أما الناشطان والسياسيان خان عبد الغفار خان ومحمد علي جناح فقدكافحا من أجل استقلال الهند، من خلال اتباع توجه جديد أساسه بناء المدارس، ودراسة القرآن في السجن، وتأسيس جيش اللاعنف، والقيام بثورة سلمية.لقب محمد علي جناح بموسى المعاصر، وأعلن أن السياسة هي مواجهة بين الشرفاء، ومكانها هي البرلمان. وكان خان عبد الغفار رفيق غاندي في الهند، وهو أفغاني ورائد ثقافة اللاعنف في الإسلام، دعا إلى المقاومة السلمية، وأسس حركة خدام الله التي آمنت بتوافق الإسلام مع اللاعنف، رغم أن البلد كانت تستعمرها بريطانيا. وكان عاشقا للعلم والتعليم، فبنى بمبادرة منه مدرسة، وآمن بالمقاومة السلمية من خلال العصيان المدني سبيلا للتغيير عن مواقفه، وكان مبدأ الحركة مؤسس على العمل واليقين والحب، وهي مفاهيم يعتبرها خان قلب الإسلام.ولهذا كان قانون الالتحاق بالحركة هو قسم طالب الالتحاق أن تكون له فلسفة إسلامية سلمية، وثقافة المقاومة اللاعنفية. وقد لقب بدوره بالمسلم المسالم، وبفخر الأفغان. يمكننا في نهاية هذا العرض أن نتبين عجز تاريخ العنف القائم على التعصب والطائفية عن إفراز مجتمع تترسخ فيه الديمقراطية الوطنية والاستقرار الإقليمي والتعاون بين الجوار أو التنمية البشرية.وكما يقول تيم أندرسون، فإن ˝للإسلام توجها مجتمعيا قويا وشاملا، على المستوى السوسيولوجي، ويعترف بالتعددية ويحث على التسامح. ويشدد القرآن على الرحمة، وينبذ الإساءة للجماعات الأخرى، ويحث على التعاون فيما بين الجماعات المختلفة من المؤمنين˝. وفي هذا يستشهد الكاتب بمفكرين وباحثين وناشطين مصريين وعراقيين وإيرانيين وسعوديين وسوريين وهنود وأفغان المعاصرين، والمؤثرين الذين يعززون التسامح والتنوع بطرق مختلفة، ودون التخلي عن الهوية الإسلامية. فالعنف والطائفية هما بدعتان سياسيتان أكثر من كونهما تعبيرا عن القيم الدينية. * محمد سمير مرتظى، اللاعنف في الإسلام: مفكرون، ناشطون، وحركات اللاعنف الإسلامية، الناشر Vergangenheitsverlag ، ألمانيا، عدد الصفحات: 224، سنة 2019. اللغة: الألمانية. *باحث في الدراسات الثقافية المقارنة والألمانية/ الرباط المغرب.