التقدم والاشتراكية يطالب الحكومة بالكشف عن مَبالغُ الدعم المباشر لتفادي انتظاراتٍ تنتهي بخيْباتِ الأمل    مجلسا النواب والدولة في ليبيا يستغربان تدخل الخارجية الليبية في لقائهم في المغرب    نجاعة آسفي تهزم حماسة تواركة    تشييع جثمان الفنان محمد الخلفي بمقبرة الشهداء بالدار البيضاء    انخفاض طفيف في أسعار الغازوال واستقرار البنزين بالمغرب    جلالة الملك يستقبل الرئيس الموريتاني محمد ولد الشيخ الغزواني    بلينكن يشيد أمام مجلس الأمن بالشراكة مع المغرب في مجال الذكاء الاصطناعي    وقفة أمام البرلمان تحذر من تغلغل الصهاينة في المنظومة الصحية وتطالب بإسقاط التطبيع    الولايات المتحدة تعزز شراكتها العسكرية مع المغرب في صفقة بقيمة 170 مليون دولار!    الجزائر تسعى إلى عرقلة المصالحة الليبية بعد نجاح مشاورات بوزنيقة    الرجاء يطوي صفحة سابينتو والعامري يقفز من سفينة المغرب التطواني    العداء سفيان ‬البقالي ينافس في إسبانيا    مسلمون ومسيحيون ويهود يلتئمون بالدر البيضاء للاحتفاء بقيم السلام والتعايش المشترك    مباراة نهضة الزمامرة والوداد بدون حضور جماهيري    جرسيف .. نجاح كبير للنسخة الرابعة للألعاب الوطنية للمجندين    رسالة تهنئة من الملك محمد السادس إلى رئيس المجلس الرئاسي الليبي بمناسبة يوم الاستقلال: تأكيد على عمق العلاقات الأخوية بين المغرب وليبيا    رحيل الفنان محمد الخلفي بعد حياة فنية حافلة بالعطاء والغبن    لقاء مع القاص محمد اكويندي بكلية الآداب بن مسيك    لقاء بطنجة يستضيف الكاتب والناقد المسرحي رضوان احدادو    بسبب فيروسات خطيرة.. السلطات الروسية تمنع دخول شحنة طماطم مغربية    اتهامات "بالتحرش باللاعبات".. صن داونز يعلن بدء التحقيق مع مدربه    مقاييس الأمطار المسجلة بالمغرب خلال ال24 ساعة الماضية    دشنه أخنوش قبل سنة.. أكبر مرآب للسيارات في أكادير كلف 9 ملايير سنتيم لا يشتغل ومتروك للإهمال    ندوة علمية بالرباط تناقش حلولا مبتكرة للتكيف مع التغيرات المناخية بمشاركة خبراء دوليين    الرباط.. مؤتمر الأممية الاشتراكية يناقش موضوع التغيرات المناخية وخطورتها على البشرية    غزة تباد: استشهاد 45259 فلسطينيا في حرب الإبادة الإسرائيلية على غزة منذ 7 أكتوبر 2023    روسيا تمنع دخول شحنة طماطم مغربية بسبب "أمراض فيروسية خطيرة"    أكادير: لقاء تحسيسي حول ترشيد استهلاك المياه لفائدة التلاميذ    استمرار الاجواء الباردة بمنطقة الريف    البنك الدولي يولي اهتماما بالغا للقطاع الفلاحي بالمغرب    تفاصيل المؤتمر الوطني السادس للعصبة المغربية للتربية الأساسية ومحاربة الأمية    بنعبد الله: نرفض أي مساومة أو تهاون في الدفاع عن وحدة المغرب الترابية    ألمانيا: دوافع منفذ عملية الدهس بمدينة ماجدبورغ لازالت ضبابية.    خبير أمريكي يحذر من خطورة سماع دقات القلب أثناء وضع الأذن على الوسادة    تبييض الأموال في مشاريع عقارية جامدة يستنفر الهيئة الوطنية للمعلومات المالية    حملة توقف 40 شخصا بجهة الشرق    "اليونيسكو" تستفسر عن تأخر مشروع "جاهزية التسونامي" في الجديدة    ندوة تسائل تطورات واتجاهات الرواية والنقد الأدبي المعاصر    استيراد اللحوم الحمراء سبب زيارة وفد الاتحاد العام للمقاولات والمهن لإسبانيا    القافلة الوطنية رياضة بدون منشطات تحط الرحال بسيدي قاسم    ارتفاع حصيلة ضحايا الحرب في قطاع غزة إلى 45259 قتيلا    سمية زيوزيو جميلة عارضات الأزياء تشارك ببلجيكا في تنظيم أكبر الحفلات وفي حفل كعارضة أزياء    الأمن في طنجة يواجه خروقات الدراجات النارية بحملات صارمة    لأول مرة بالناظور والجهة.. مركز الدكتور وعليت يحدث ثورة علاجية في أورام الغدة الدرقية وأمراض الغدد    إسرائيل تتهم البابا فرنسيس ب"ازدواجية المعايير" على خلفية انتقاده ضرباتها في غزة    أمسية فنية وتربوية لأبناء الأساتذة تنتصر لجدوى الموسيقى في التعليم    وفاة الممثل محمد الخلفي عن 87 عاما    الممثل القدير محمد الخلفي في ذمة الله    دواء مضاد للوزن الزائد يعالج انقطاع التنفس أثناء النوم    المديرية العامة للضرائب تنشر مذكرة تلخيصية بشأن التدابير الجبائية لقانون المالية 2025    كودار ينتقد تمركز القرار بيد الوزارات    أخطاء كنجهلوها..سلامة الأطفال والرضع أثناء نومهم في مقاعد السيارات (فيديو)    "بوحمرون" يخطف طفلة جديدة بشفشاون    للطغيان وجه واحد بين الدولة و المدينة و الإدارة …فهل من معتبر …؟!!! (الجزء الأول)    حماية الحياة في الإسلام تحريم الوأد والإجهاض والقتل بجميع أشكاله    عبادي: المغرب ليس بمنأى عن الكوارث التي تعصف بالأمة    توفيق بوعشرين يكتب.. "رواية جديدة لأحمد التوفيق: المغرب بلد علماني"    توفيق بوعشرين يكتب: "رواية" جديدة لأحمد التوفيق.. المغرب بلد علماني    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الدكتور خالص جلبي لـ"التجديد": الحركة الإسلامية المغربية تتمتع بتعددية حقيقية وتتعايش العديد من الأفكار داخل سقفها
نشر في التجديد يوم 22 - 04 - 2009


يشرح خالص جلبي في هذا الحوار الدواعي التي دفعته إلى كتابة في ضرورة النقد الذاتي ويستعرض ثلاث مهمات قام بها في الفكر الإسلامي، مهمة المعادلة بين العلم والإيمان، ومهمة لفت الانتباه إلى أهمية التفكير الاستراتيجي، ونظرية اللاعنف، بالإضافة إلى مسألة النقد الذاتي، ويرفض خالص جلبي أن يناقش الانتقادات التي توجهت إلى نظريته اللاعنف خاصة عند تعميمها على الحالة الفلسطينية، ولا يخفي إعجابه بالحركة الإسلامية المغربية التي كانت سباقة إلى اعتماد المراجعات التي دشنها في كتابه النقد الذاتي، وينوه بثلاث ميزات لهذه الحركة، ويتعلق الأمر بالتعددية الفكرية والانفتاح الفكري الذي تتميز به، والحضور الوازن للمرأة، بالإضافة إلى تميز تدينها على النموذج المشرقي. كتابك في النقد الذاتي كان له دور كبير في مسار الحركة الإسلامية لاسيما في المغرب العربي، والمغرب تحديدا، في البدء نريد أن تحدثنا عن الدوافع التي جعلتك مبكرا تطرح قضية النقد الذاتي في الحركة الإسلامية، والمقاصد التي كنت ترجو تحقيقها من تفعيل آلية النقد الذاتي داخل الحركة الإسلامية؟ هذا الكتاب له قصة، ذلك أن الأستاذ سعيد حوى رحمة الله عليه قبل أن يقضي نحبه كان يحمل مشروعا كبيرا لتغيير سوريا، وبدأ يستقطب الكثير من الكوادر والكفاءات، وقد بعث لي يطلب مني أن أشاركه في هذا التطلع الكبير، فأجبته لذلك ، لكني بعثت له رأيي في العمل الإسلامي، وكتبت فيما أذكر واحدا وعشرين صفحة، للأسف لا أحتفظ بنسخة منها، وقد ضمنتها عشرين ملاحظة لا أذكر تفاصيلها. كان ذلك في السبعينيات أي قبل أحداث حماة بنحو عقد من الزمن تقريبا، وقبل أن يبتلى بالسجن رحمه الله. وقد كنت أسجل ملاحظاتي في شكل أفكار، وكنت أصر على كتابتها وتسجيلها حتى يتم الاستفادة منها، وقد ظللت أنتظر جوابه مدة طويلة، لكنه لم يجب بشيء، لا تحسينا ولا تقبيحا، ويبدو أنه كان يريد أن يجمع الناس الذين يدورون حول فلكه ممن يعتقدون نفس أفكاره، ولذلك، كان مصير الأفكار التي أرسلتها له أنها لم تناقش ولم يتح لها حق التداول بين طليعة العمل الإسلامي وقتها. وعلى الرغم من أن أفكاري لم تلق جوابا، إلا أني عكفت على تأصيلها وتفصيلها، فكانت منطلق كتابي وخميرته الأولى، إلى أن انتهى في صيغته النهائية. وبالمناسبة، فالكتاب الذي بين أيديكم، هو مختصر ما انتهيت إليه مما كتبت في الموضوع، فالكتاب أصلا يضم أكثر من خمسمائة صفحة، أما الكتاب الذي بين أيديكم فهي نسخة مضغوطة لا تتعدى ثلاثمائة صفحة. وقد جمعت في هذا الكتاب المفصل كل أفكاري وملاحظاتي عن العمل الإسلامي وشروط ترشيده وتصويب مساره، ثم هاجرت بعد ذلك إلى ألمانيا، بعد أن اشتدت الأحداث، ومن هناك أرسلت النسخة الأصلية إلى رجل معتبر في العمل الإسلامي هو الشيخ عصام العطار، وكان ذلك تحديدا في سنة ,1975 غير أني، لم أتلق منه أي رد أو تفاعل مع مضمونه أو ملاحظاته، فأيقنت أن حجم الأفكار الموجودة فيه يمكن أنه تناقش في حلقات ضيقة، لكن أن تنشر أو تروج أو تنزل إلى قاعدة التنظيم، فهذا غير ممكن لأن التنظيم لا يمكن أن يتحمل هذه الأفكار، وأنه إن حاول ذلك فأكيد أنه سوف ينسف من الداخل. ومن ثمة، توصلت إلى إدراك لا زال يرافقني إلى اليوم، وهو أننا لحد الآن لم نفتح ما يمكن أن نسميه طريقا سيارا داخل الفكر الإسلامي، تتحرك فيه الأفكار فتمضي وتروح من غير أن تحدث رجات تقلب الطاولة، طريق سيار تناقش فيه الأفكار الكبيرة. بعد وصولك إلى هذه القناعة والإدراك، ما هي المهام التي أخذت على عاتقك القيام بها لتجاوز هذه الإعاقة التي لن تصب حسب تقديركم الحركة الإسلامية وإنما الفكر الإسلامي برمته؟ أنا أزعم لنفسي، أني قمت بثلاث مهام ريادية في الفكر الإسلامي، الأولى، وهي شق الطريق لإيجاد معادلة بين العلم والإيمان، فكتبت الطب محراب الإيمان الذي توسع أكثر من مرة، والآن هو في طريقه إلى أن ينزل في شكل موسوعة ربما تصل إلى عشرين مجلدا، أما المهمة الثانية، وهي أنني شقيت الطريق نحو مشروع نظري استراتيجي يهتم بترتيب أولويات العمل وفق حاجات كل بلد، إذ لا ينبغي للحركة الإسلامية أن ترتهن إلى العمل اليومي، ولا أن تأخذها الأحداث التي تنغمس فيها، ولا أن تغتر بما كسبت في هذه الانتخابات من مقاعد، فهذه المكاسب لا تساوي شيئا في غياب رؤية إستراتيجية تحدد أولويات المرحلة، و يكون معيار القياس والتقويم هو ماذا تحقق وبأي نسبة مما هو مسطر في أولويات هذه الحركة. ولذلك، حين كنت ألتقي بعض الإخوة والأخوات في المغرب، كنت أبادرهم للسؤال: ما هو الشيء رقم واحد الذي تضعونه على رأس أولوياتكم؟ ومن ثمة، فالمطلوب من الحركة الإسلامية، أن يفتح صدرها ليس فقط لقبول الرؤية الإستراتيجية، ولكن لتبنيها ودفع عشرات الأطر للتخصص في التفكير الاستراتيجي. فالحركة الإسلامية التي لا تمتلك أدمغة واستراتيجيين لا يمكن أن يعول عليها في البناء والتدافع. ولذلك، يبدو أن أول شيء ينبغي للحركة الإسلامية أن تهتم به هو أن تنشئ مراكز للدراسات الاستراتيجية، أما المهمة الثالثة، فأنا أعترف فيها بأستاذية جودت سعيد، إذ لولا هذا الرجل، ما أظن أنه كان بالإمكان أن يتبلور عندي القناعة بهذه المهمة، ويتعلق الأمر بقضية اللاعنف، وأعتقد أن الفكر الإسلامي لا زال يحتاج في هذا الصدد إلى بلورة نظرية قوية متراصة متكاملة في الموضوع، تقرأ النصوص القرآنية والحديثية الخاصة بالقتال والجهاد على أرضيتها، وهي مهمة بذل فيه الأستاذ فاضل المهدي جهدا كبيرا، إلا أن الورشة لا زالت مفتوحة، ولا زال ينتظرنا فيها عمل كبير. وماذا عن قضية النقد الذاتي داخل الحركة الإسلامية، أليست هي كذلك ضمن هذه المهام التي كنت سباقا إلى طرحها؟ كتاب النقد الذاتي تخمر في ذهني تقريبا سبع سنوات، مثل ما تخمر كتاب الطب محراب الإيمان. لكن إذا كان الطب محراب الإيمان رزق قبولا واسعا وتلقاه الجمهور العربي والإسلامي الكتاب بحفاوة كبيرة وطبع عدة مرات ولا زال يطبع إلى الآن، فإن كتاب النقد الذاتي أحدث إزعاجا كبيرا لبعض الحركات الإسلامية خاصة في منطقة المشرق العربي التي أصدرت قرارا وجهته إلى أعضائها والعاطفين عليها تحظر فيه شراءه وقراءته، واعتبروني متمردا ومارقا أو شبه مجنون. وهل كان الكتاب سبب خروجك من جماعة الإخوان المسلمين بسوريا؟ لا، ليس الأمر كذلك، فتجربتي داخل الإخوان المسلمين يمكن أن أحكيها لك باختصار. كنت أحضر معهم في بعض الحلقات التربوية التي كانوا يحفظون فيها خمس آيات ويقرؤون حديثين ويختصرون كتابا وما عدا ذلك لا تكاد تجد شيئا، وكنت لا أرى في هذا العمل ما يجذبني إليه، بل كنت أرى أن هذا العمل ليس وراءه أي طائل، وأتذكر أنني في أول اجتماع لي معهم، وكنا وقتها في الجامعة، كانوا يأتون ببعض الكتب المقررة علينا ويقرؤونها علينا، وكنت أستاء من ذلك وأعبر لهم عن عدم رضاي بهذا العمل الذي لا أرى أي إبداع فيه، بل إنه كان يبعث على السخرية والضحك، وكنت أقترح أن يتم دفع الطلاب إلى البحث والإبداع بدل التقليد وبرمجة مقررات تقرأ بشكل مكرور لا يقدم شيئا في ميزان الإبداع والتجديد. فكنا بدل أن نجمع عشرين أو ثلاثين بحثا وننظر إلى ما تتضمنه من أفكار ونجتهد في إنتاج خلاصات لها، كنا نقرأ كتاب المصطلحات الأربعة في القرآن الكريم للأستاذ أبي الأعلى المودودي، ويتم بناء تفكير هؤلاء الشباب على أساس المفاهيم التي يصوغها هذا الكتاب، والغريب، أني قبل هذه انطلاق الحلقة التربوية، قرأت الكتاب في خمس ساعات، وسجلت ملاحظاتي على مباحثه، فما انطلقت الحلقة، كان الذي تصدر لإلقاء الدرس غير محضر ولا مستوعب لما تضمنه الكتاب من مفاهيم، فكانت هذه بداية ملاحظاتي على منهجية لا تتأسس على قواعد العلم. وقد وجدت بعد ذلك أني أضيع وقتي، وكنا نطرح العديد من الأسئلة حول الجدوى من تبني أفكار سيد قطب، وما إذا كان القصد عند الحركة الإسلامية في سوريا هي قلب نظام الحكم بالقوة المسلحة، وكانوا ينفون عنهم ذلك، ويقولون إنهم لا يؤمنون باستعمال القوة العسكرية لتغيير النظام السياسي، وقد كانت ملاحظاتي على هذا التنظيم أنه تنظيم يحمل اسما كبيرا لكنه تنظيم هش، وفوق ذلك هو تنظيم سري عبارة عن خليط ممن يؤمن بفكرة قلب النظام، ومن يتبنى التغيير السلمي، يتمتعون بأخلاق عالية وأدب رفيع إلا أني لم ألمس في هذا التنظيم جدية في مسألة التغيير، ولذلك نفضت يدي من هذا التنظيم بسرعة، إذ لم أشتغل معهم أكثر من ثلاث سنوات، ثم غادرتهم واتصلوا بي مرة أخرى، وطلبوا مني أن أعرض عليهم أفكاري ومقترحاتي وأن أذكر لهم بعض الأنشطة التي أقتنع بها، فسردت لهم بعضا من نشاطي البحثي والثقافي والاجتماعي، فكانت نقطة الخلاف بيني وبينهم هي قضية العلنية والسرية، بحيث أبدوا بصراحة رفضهم للعمل العلني، واقترحوا علي أن أؤطر بعض الجلسات سريا، ثم ما أدري كيف تسرب إلى التنظيم أنهم جمدوا عضويتي، ولا أدري كيف تم ذلك ولا متي تم؟ وهل هذا ما قادك إلى البحث عن ذاتك أو للدقة للبحث عن جودت سعيد؟ التقيت بجودت سعيد، ووجدته شخصا مختلفا تماما عما عرفت في تجربة الإخوان المسلمين. كانت بداية تعرفي عليه سنة ,1965 وقد وجدت نفسي في ما كتبه عن مذهب ابن آدم ومبدأ اللاعنف، إذ وافق ما سبق وأن كتبته في ملاحظاتي في ضرورة النقد الذاتي، والمراجعات التي قصدت أن تدشنها الحركة الإسلامية في موضوع العمل السلمي ونبذ خيار العنف كأسلوب في تغيير نظام الحكم، ولقد كان تقديري منذ البادية، أن تنظيم الإخوان لو حزم أمره، واتخذ موقفا واضحا من هذه القضية لاتجهت سوريا في مجرى آخر غير الذي نراه اليوم، وكانت الحركة الإسلامية تستطيع ذلك بما أوتيت من إمكانيات وكفاءات وأطر كانت تعد بالآلاف من شتى الاختصاصات. ويكفي أن أشير في هذا الصدد، أنه في كلية الطب وحدها، كان فيها مائتي طالب خمسين منهم من الإخوان، وكلهم كانوا في تخصصات مختلفة، لو يسر لهم أن يتخرجوا جميعا، لأمسكوا كل التخصصات الطبية في سوريا، وكذلك الأمر في باقي التخصصات الأخرى غير الطب، والحقيقة أن العنف والمواجهة العسكرية دمرتنا جميعا، وربما قدمت تجربة الحركة الإسلامية في سوريا الدرس من خلال مذبحة حماة حتى تستفيد منها بقية الحركات الإسلامية وتقطع مع منطق استعمال القوة والتفكير في قلب النظام السياسي. ويكفي أن أشير إلى أنه في تدمر وحدها قتل عشرات الآلاف من شباب سوريا. وفي ليلة واحدة قتلوا في سجن تدمر قرابة ألف شاب، وبقية المحنة أنتم تعرفون تفاصيلها. نفهم من كلامكم أن نظرية اللاعنف نضجت عندكم قبل اللقاء بجودت سعيد من خلال المراجعات التي سجلتها على كسب الحركة الإسلامية؟ يبنغي أن نرد الفضل إلى أهله، فجودت سعيد هو الرجل الوحيد والمنفرد والشاذ في تأصيل نظرية اللاعنف. صحيح أن هذه الفكرة بدأت تنضج عندي مع المراجعات التي سجلتها على كسب الحركة الإسلامية، لكن يبدو أن اللقاءات الكثيرة الذي جمعني بهذا الرجل، باعتباري صهره، ساهمت في تعزيز هذه القناعة عندي. ولم يكن الأمر سهلا بالنسبة غلي ولا إليهم، إذ لم أكن بالذي يسلم بالأفكار بسهولة، وكان جودت سعيد وزوجتي ليلى سعيد يصبرون علي وعلى مزاجي، حتى صارت لنا نفس القناعات في هذا الموضوع. في البداية لم يكن الطريق واضحا إلي، لكن بعد مناقشات طويلة دامت سنوات، صار الأمر عندي جزءا من مسلماتي الفكرية، وقد تعززت هذه القناعة بفضل وقائع ميدانية، إذ كانت تحدث وقائع ومشكلات، وكنا نطرح أسئلة عميقة، من ذلك أني كنت من وقت مبكر أطرح تساؤلات متتابعة وأقول: نحن اليوم تنظيم سري نريد أن نقلب نظام الحكم، لكن ما العمل في حالة ما إذا أمسك النظام هذا التنظيم وانكشفت خيوطه وهياكله بالكامل؟ وكان الجواب يأتي بسرعة، سيقوم النظام السياسي بممارسة التعذيب علينا، فأتساءل ثانيا: ومن سيصمد منا؟ فيأتي الجواب: منا من سيصمد لون يتجاوزوا في أعلى الحدود 10 بالمائة، ومنا من سينهار تحت وقع التعذيب وهم بلا شك سيكونون الأغلبية، ولا تسأل عن تعذيب أنظمة مثل نظام البعث الذي كان يقلع الأظافر ويكسر الأسنان كما وقع لي أنا شخصيا، فقد كسروا لي ثلاثة أسنان بقبضات حديدية، ويضع الكهرباء على الأماكن الحساسة مثل الأعضاء التناسلية، وغير ذلك مما لا يستطيع الإنسان تحمله، كالإتيان زوجات المعتقلين واغتصابهن أمام أعينهم. ولذلك، كنت أقول إن التنظيم السري طال الوقت أم قصر سيكشف، ومن ثمة، لماذا لا نختصر الموضوع، وألا نؤمن بالعمل السري نهائيا، لأننا حتى ولو نجحنا، فإننا سنقوم بنفس ما تقوم به الأنظمة من الاقتتال بيننا على السلطة، لأن المنهج في الأصل مختل ينبغي أن يصحح، لأن الذي يعتمد على القوة المسلحة ويقلب نظام الحكم بها يرتهن في فكره وأسلوب عمله إلى السلاح، ولا يمكنه أن يؤمن بخيار آخر غير القوة والسلاح لحل المشكلات التي ستعرض له، ومن ثمة سنرجع إلى نفس الدائرة، وبالتالي فالطريق المريح هو أن نصبر، فإذا شعر أنه مستضعف لا يستطيع البقاء في البلد مستضعفا يهرب ويخرج من بلده كما فعلت أنا شخصيا. أما جودت سعيد فقد آثر الانسحاب، انسحب إلى قريته، والآن نزل من شجرته إلى الربيع كما ينزل السنجاب، ويقوم الآن بنشاط بسيط في بئر عجم يلقي درسا أمام أربعة أو خمسة أشخاص، ومع ذلك اتصل به المخابرات، وسألوه عن طبيعة نشاطه هذا، وطلبوا منه أن يأخذ ترخيصا، ولحد الساعة لم يلتمس الشيخ الترخيص وهو يقوم بدرسه. إذا أردنا منكم أن تلخصوا لنا مشروعكم الفكري في عناوين؟ مشروعي الفكري يلخص في كلمتين، فنا حين أعرف نفسي أقول أنا خالص جلبي سوري المولد عربي اللسان، مسلم القلب، ألماني التخصص، كندي الجنسية، أتحدث بلغتين التراث والمعاصرة، وأعطي للمستقبل جناحين العلم والسلم. أنا أرى أن الخلاص بالنسبة إلينا في العالم العربي والإسلامي هو في العلم والسلم. مشكلة الصراع السياسي والنزاع حول السلطة مردها في الأصل هو نقص العلم. يلاحظ أنكم حاولتم في بعض كتاباتكم أن تعمموا نظرية اللاعنف حتى على الحالة الفلسطينية مع خصوصيتها التي تعطي للعب الفلسطيني حق مقاومة العدو الصهيوني وتحرير الأرض، والغريب أنكم دعوتم إلى تبني نموذج غاندي دون استحضار الفروق الكبيرة بين الحالتين الهندية والفلسطينية، إذ في الحالة الفلسطينية هناك نظام دولي بأكمله ترعاه الولايات المتحدة الأمريكية في خدمة العدو الصهيوني، والشعب الفلسطيني محاصر عربيا قبل أن يكون محاصرا دوليا، فيكف يمكن له أن يتبنى نموذج غاندي الذي دعوت إليه؟ جوابي على ذلك بسيط. أقول رجعنا من الجهاد الأصغر إلى الجهاد الأكبر، أنتم اهتموا بالمغرب ودعونا من هذه الموضوعات التي إن دخلنا فيها فلن ننتهي منها حتى تضيع منا الطائرة ـ الحوار كان ساعة قبل انطلاق الطائرة ـ رجاء لا تناقشني في هذا الموضوع، وركزوا على بناء المغرب، هذا أفضل. ليكن المنطلق أن نبني أنفسنا داخليا، ونفس الأمر أقوله للفلسطينيين الذين يراسلونني، أقول لهم ابنوا أنفسكم داخليا حتى ولو اقتضى الأمر أن تستفيدوا من إسرائيل. أعرف أن الموضوع حساس، وأنا حقيقة لا أريد الخوض فيه، والموقف باختصار، فنحن حين نقف على أقدامنا بكرامة ونبني نماذج متقدمة، فموضوع إسرائيل حينها سيكون موضوعا بسيطا، ولذلك أرجوكم، اهتموا ببناء المغرب. في الأخير، أنتم نزلتم إلى المغرب ولا شك أنكم وقفتم على التجربة الحركية الإسلامية في المغرب، كيف وجدتم هذه الحركة، وهل تتسم بنفس السمات التي وسمت بها الحركة الإسلامية في المشرق العربي، أم لكم تصور مختلف بخصوصها؟ بحسب الذين التقيت بهم، تراءى لي أن الآراء التي صادفتها متعددة فهناك من من تدور معه في غبار الكلمات فلا تكاد تخرج معه بطائل، وهناك نموذج آخر لا زال مرتبطا بالصورة التاريخية للأمة، وهناك نموذج واعد وجد متقدم يمتلك ثقافة تراثية كبيرة وفي نفس الوقت منفتح على آخر علوم العصر ويتمتع بقدرة كبيرة على الحوار والنقاش الهادئ، وهو ما يسمح لي أن أخلص إلى أن الحركة الإسلامية المغربية تتمتع بتعددية حقيقية داخلها وتتعايش العديد من الأفكار داخل سقفها ، وقد التقيت بقيادات فكرية داخل الحركة الإسلامية المغربية ممن يتمتعون بكفاءات تحليلية عالية ونادرة وهو أمر لم أره في بلدان عربية أخرى. الانطباع الثاني، وهو حضور المرأة وهذا مؤشر جيد، لأنه ليس هناك إمكانية لتحديث المجتمع وتقدمه من غير مشاركة المرأة، هي في حالة الحركة الإسلامية في المغرب جد واعدة، أما الانطباع الثالث، هو الخصوصية المغربية، فالحركة الإسلامية المغربية مختلفة تماما عن الحركة الإسلامية في المشرق، فقد رأيت متدينين كما لو كانوا علمانيين وما هم بعلمانيين، وهذا مؤشر جيد، وأكبر دليل على ذلك الأفكار التي طرحتها في كتاب النقد الذاتي والتي لقيت في المشرق صدودا واحتجاجا، في حين بادرتم إلى تبنيها والاستفادة منها مبكرا، وهذا في الحقيقة يعكس الانفتاح الفكري الذي تتمتع به الحركة الإسلامية المغربية والذي يسمح لها باستقبال الأفكار ومناقشتها وتمحيصها والاستفادة منها وفق التركيب الذي يراعي خصوصية البلد ومعادلته الاجتماعية، وبعبارة، لقد منحتني الحركة الإسلامية في المغرب الأمل، وأظن أن الزرع ينبت في سنبله.

انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.