شهد العالم في نهاية العام الماضي 2019 زيادة غير مسبوقة في الاحتجاجات السياسية، ولكن، وفي تحول قدري، أدى فيروس كورونا الذي يجتاح العالم حاليا إلى إنهاء احتجاجات الشوارع فعليا، وبسهولة لم تستطع أن تجاريه فيها دول كبرى. ويرى صمويل برانين، وهو واحد من كبار الباحثين بمركز الدراسات الاستراتيجية والدولية، أنه رغم أن التباعد الاجتماعي الذي فرضته الدول وظروف مواجهة ما أصبح يعرف ب "جائحة كورونا"، قد أطفأ المشاعر الملتهبة لدى عشرات الملايين الذين اعتادوا الخروج إلى الشوارع للاحتجاج، ما زال الجمر الذى أشعل الاحتجاجات متوهجا. ويؤكد برانين في تقرير نشره مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية أن هناك ما يدعو إلى الاعتقاد بأنه بمجرد أن تنتهي أزمة كورونا، ستحدث زيادة في الاحتجاجات الجماعية، وربما تكون ذات تداعيات سياسية أوسع نطاقا، ومن المحتمل أن يكون لها دور حاسم في تحديد السياسات المحلية والعالمية لفترة ما بعد كوفيد-19. وفي حقيقة الأمر، أدت أزمة كورونا وما ترتب عليها من تداعيات اقتصادية متزايدة إلى زيادة الشعور بكثير من الأسباب الرئيسية التي كانت الدافع وراء الاحتجاجات الجماعية على مدار العام الماضي. ومن تلك الأسباب، الإحساس بالظلم، وفساد النخبة، وعدم توفر الفرص الاقتصادية. ومع بدء تطبيق إجراءات التباعد الاجتماعي والحجر الصحي، ثارت شكوى في بعض المجتمعات من عدم المساواة في الحصول على الرعاية الصحية، وتزايد المخاوف من الصدمات الاقتصادية التي يمكن أن تؤدى إلى الجوع والتشرد. وقد بدأ التذمر يتصاعد في بعض أنحاء أفريقيا بسبب ارتفاع أسعار المواد الغذائية وعدم توفرها بالقدر الكافي نتيجة أزمة كورونا. ومن المرجح أن يتزايد السخط الشعبي في ظل تعثر الحكومات في أنحاء أخرى من العالم في التعامل مع الأزمة على المستويين الصحي والاقتصادي. ويشير الباحث والمخطط الاستراتيجي الأمريكي صمويل برانين إلى عامل آخر ملحوظ اعتمدت عليه الاحتجاجات خلال السنوات العديدة الماضية وهو المناخ والحركة البيئية العالمية التي شهدت انتشارا سريعا خلال العامين الماضيين، وكانت هناك خطط مهمة لدى الجماعات الرئيسية في الحركة، وبينها حركة" أيام الجمعة من أجل المستقبل" التي تتزعمها الناشطة البيئية السويدية غريتا تونبرغ، تهدف إلى زيادة الاحتجاجات هذا العام قبل مؤتمر الأممالمتحدة الخاص بتغير المناخ، والذى تم تأجيله. وبدلا من ذلك، بدأت الجماعات البيئية تتجمع من جديد، ولكن على أساس افتراضي. ويرى برانين أنه في خضم تفشى فيروس كورونا تتخذ حكومات كثير من الدول بقوة خطوات يمكن أن تقلص من خصوصية البيانات الخاصة بالمواطنين، ومن حرياتهم المدنية، بما في ذلك الوصول إلى بيانات الهواتف بحجة المساعدة في احتواء الفيروس. وقامت الصين وروسيا بالفعل بنشر، واستخدام، تكنولوجيات على نطاق واسع للغاية تزعم الدولتان أنها تهدف إلى خدمة الصحة العامة. ويوضح برانين أن مسار "كوفيد- 19 "غير واضح المعالم، ولكن من المؤكد أن الجائحة سوف تلقى بعبء لم يسبق له مثيل على المجتمعات والحكومات، وهوما من شأنه أن يفاقم التوترات الحالية ويخلق أخرى جديدة، مما يؤكد استمرار الاحتجاجات في أنحاء العالم في المستقبل القريب. ويقول إن "كوفيد-19" يعيد كتابة تاريخنا ويمثل تحديا للعلاقة بين المواطنين وحكوماتهم، وإنه من المهم أن يدعم صانعو السياسة في الولاياتالمتحدة، بقوة، حركات الاحتجاج التي تسعى إلى تحريك العالم في اتجاه أكثر ديمقراطية وانفتاحا وشفافية. ويرى برانين أن هناك مسؤولية خاص تقع على عاتق شركات التكنولوجيا العالمية، خاصة لضمان عدم إساءة الحكومات والجماعات المتطرفة سياسيا استخدام لمنتجاتها، والالتزام بالقيم التي تعزز بدورها الأسواق الحرة، والعودة إلى النمو الاقتصادي. *د.ب.أ