يجمع مختلف الباحثين والسياسيين على أن جائحة فيروس كورونا المستجد التي يعرفها العالم منذ بداية العام 2020، تعتبر من أعقد الأزمات التي مرت بتاريخ البشرية منذ الحربين العالميتين الأولى والثانية. في هذا الإطار، يقدم الباحث في علم النفس الاجتماعي رشيد الكنوني دراسة بحثية تهم مقاربة موضوع الحاجة إلى علم النفس في إدارة الكوارث والأزمات. سيسعى في الجزء الأول من هذه الورقة إلى التعرف على دلالات وخصائص وأبعاد مفهوم الأزمة، قبل الانتقال في الجزء الثاني إلى مناقشة بعض جوانب تداعيات جائحة فيروس كورونا على المغرب. ثم سيعمل على مقاربة استراتيجيات المواجهة والتعامل مع الأزمات عموما، قبل الانتقال لعرض كيف تتم إدارة أزمة هذه الجائحة ببلادنا وحاجتنا إلى علم النفس في إدارة الكوارث والأزمات. الجزء الأول: علمنا التاريخ أن نهضة كثير من الأمم تمت بعد تجاوز مجموعة من الأزمات والتحديات. فلم يستطع الغرب تحقيق نهضته إلا بتجاوز ما خلفته الحربان العالميتان من دمار، كما أن كثيرا من الأمم حققت نهضتها بعد تجاوزها لكثير من التحديات المتمثلة في الحروب أو المجاعات أو الأوبئة...، والمغرب لم يشكل استثناء عن هذه القاعدة منذ أن كان؛ فقد مر بكثير من الكوارث والأوبئة كادت أن تعصف بأمنه واستقراره وسلامته، لكن في كل مرة يتجاوز هذه المحن ويخرج بعدها قويا أكثر مما كان، موحدا أكثر مما كان، ومتضامنا أكثر مما كان. ونحن نعيش اليوم أزمة جائحة فيروس كورونا كوفيد 19، نستحضر أن تاريخ البشرية مع الأوبئة كان مروعا، وأنها تسببت في انهيار مجتمعات ودول، أو على الأقل، كان لعدد من هذه الأوبئة تداعيات كبيرة على المجتمع البشري، بداية من قتل أعداد مهولة من سكان العالم، وصولا إلى تداعياتها السياسية والاقتصادية والاجتماعية. وقد أثرت أيضا على الفكر الإنساني؛ إذ ساهمت في جعل البشر يفكرون في أسئلة أكبر عن الحياة والوجود ويفكرون في أساليب وآليات جديدة لتجاوز وتدبير مثل هذا النوع من المنح والأزمات. 1-دلالات وخصائص وأبعاد مفهوم الأزمة: لقد أصبح مفهوم الأزمة مفهوما شائعا في عالمنا المعاصر ومتداولا في كل المجالات: الطبية والنفسية، الاجتماعية، الثقافية، الاقتصادية والسياسية. وقد اتسع نطاق استعمال هذا المفهوم الذي يشمل مختلف صور العلاقات الإنسانية السلبية في كافة مجالات التعامل. ويعتبر بعض الباحثين أن عالم الأزمات عالم حي ومتفاعل له خصائصه وأسبابه ومكوناته. وقد ظهر مفهوم الأزمة في العلوم الطبية قبل انتقاله إلى حقول معرفية ومجالات أخرى. ويعرف هذا المفهوم عموما بكونه "حدث اجتماعي أو شخصي الذي يتميز بذروة من المعاناة والتناقضات أو عدم اليقين، قد ينتج عنه تفجر للعنف أو الثورة. والأزمة بذلك هي قطيعة للتوازن". ويعرف أحمد زكي بدوي الأزمة بكونها: "موقف الأحداث المنتظمة والمتوقعة، واضطراب العادات والعرف مما يستلزم التغيير السريع لإعادة التوازن ولتكوين عادات جديدة أكثر ملاءمة". وتختلف بعض دلالات هذا المفهوم حينما يرتبط ببعض المجالات؛ ففي المجال الطبي، "الأزمة هي تغير سريع وخطير يحدث في الحالة الصحية لمريض أو شخص في صحة جيدة مثل الأزمة القلبية أو أزمة ربو…إلخ". أما في مجال علم النفس، فالأزمة هي "عبارة عن ضغوط نفسية داخلية أو تغير الحالة النفسية للفرد، وبالتالي تمثل مشكلة أو صعوبات تحد من أساليبه وقدراته التقليدية للتعامل مع الوضع الجديد وتعيقه عن إنجاز أهدافه وتحدث خللا في التوازن النفسي والاجتماعي للفرد، كما تعد موقفا أو حادثة غير مرغوبة تؤدي إلى تعطيل الفرد أو الجماعة عن القيام بدورهم بصورة طبيعية". أما من الناحية السياسية، فتعني الأزمة "حالة أو مشكلة تأخذ بأبعاد النظام السياسي وتستدعي اتخاذ قرار لمواجهة التحدي الذي تمثله سواء كان إداريا، أو سياسيا، أو نظاميا، أو اجتماعيا، أو اقتصاديا أو ثقافيا". ومن الناحية الاقتصادية، فتعني "انقطاع في مسار النمو الاقتصادي حتى انخفاض الإنتاج أو عندما يكون النمو الفعلي أقل من النمو الاحتمالي". وكثيرا ما يتداخل مفهوم الأزمة مع مفاهيم أخرى، لكننا سنقتصر على إثارة دلالة مفهوم قريب وشائع هو مفهوم الكارثة التي عرفها قاموس أكسفورد بكونها "حدث يسبب دماراً واسعا ومعاناة عميقة، وهي سوء حظ عظيم. كذلك، فإن الكارثة هي من أحد أكثر المفاهيم التصاقا بالأزمات، وقد ينجم عنها أزمة، ولكنها لا تكون هي أزمة بحد ذاتها، وتعبر الكارثة عن حالة مدمرة حدثت فعلا ونجم عنها ضرر في الأرواح أو الماديات أو كليهما. وعرفها البعض بأنها حدث مروع يصيب قطاعا من المجتمع أو المجتمع بأكمله بمخاطر شديدة وخسائر مادية وبشرية، ويؤدي إلى ارتباك وخلل وعجز في التنظيمات الاجتماعية في سرعة الإعداد للمواجهة، وتعم الفوضى في الأداء على مختلف المستويات. وتتعدد أسباب الكوارث، فتكون طبيعية مثل: الزلازل والبراكين والحرائق الطبيعية؛ أو تكون بشرية مثل الصراعات الإدارية، أو تعدد المشكلات وتراكمها في كيان تنظيمي؛ وقد تكون صناعية ناتجة عن استخدام معدات تكنولوجية وأجهزة صناعية متخلفة. وتتطلب مواجهة الكارثة معونات على مستوى الدولة وربما تتطلب معونات دولية، وقد تكون الكارثة سبباً رئيسيا في إحداث الأزمات.". ويلاحظ أن هناك تداخلا في دلالة هذين المفهومين رغم وجود بعض الاختلافات بينهما والتي يمكن تلخيصها في النقطتين التاليتين: • الأزمة أعم وأشمل من الكارثة، فكلمة الأزمة تعني الصغيرة منها والكبيرة، المحلية والخارجية، أما الكارثة فمدلولها ينحصر في الحوادث ذات الدمار الشامل والخسائر الكبيرة في الأرواح والممتلكات؛ • في الأزمات نحاول اتخاذ قرارات لحل تلك الأزمات، وربما ننجح وربما نخفق، أما في الكارثة فإن الجهد غالبا ما يكون بعد وقوع الكارثة وينحصر في التعامل معها. انطلاقا مما تقدم، يتضح أن الأزمة موقف أو مرحلة يمر بها الفرد أو الجماعة أو المجتمع، تحدث بشكل فجائي أو أن توقع حدوثها لا يتم إلا في وقت قصير لا يمكن من اتخاذ الإجراءات اللازمة لمواجهتها. وتخلف الأزمات خسائر بشرية أو مالية أو مادية كما تكون لها تأثيرات اجتماعية ونفسية. وتفرز هذه الأزمات مشكلات جديدة عادة لا يكون الفرد أو المجتمع مؤهلين لمواجهتها أو لديهم الخبرة الكافية للتصدي لتداعياتها. من جهة أخرى، يعتبر مجموعة من الباحثين أن الأزمة ظاهرة اجتماعية ونفسية تمر بدورة حياة مثلها مثل أي كائن حي. ذلك أن هناك مرحلة ميلاد الأزمة ومرحلة نموها واتساعها قبل الانتقال إلى مرحلة النضج، ثم قبل الوصول إلى مرحلة حل الأزمة. وتختلف مراحل نمو وتطور الأزمات باختلاف نوعيتها والبيئة التي توجد فيها وقدرة المجتمعات التي توجد بها على مواجهتها. وقد لخص ستيف أليخت (Steve Allercht) وفند (Find.S) أهم خصائص الأزمات فيما يلي: أ-المفاجأة والصدمة؛ ب-نقص المعلومات وعدم دقتها؛ ج-تصاعد وتشابك وتسارع الأحداث؛ د-فقدان السيطرة؛ ه-حالة الذعر؛ و-غالبا ما تسبب الأزمة في وقوع خسائر نفسية أو اجتماعية أو مالية أو بشرية...؛ ز-غياب الحل الجذري السريع. وسنحاول في الجزء الثاني من الدراسة التطرق إلى أزمة جائحة كورونا وتداعياتها بالمغرب. *أستاذ باحث في علم النفس الاجتماعي