بعد المقالات السابقة المتعلقة بجائحة كورونا التي حاولت من خلالها استيعاب وفهم تداعيات هذه الجائحة على واقعنا الصحي بما اظهره هذا الواقع من خلل وعجز في الكثير من المنظومات الصحية العالمية بما فيها تلك المحسوبة على الدول المتقدمة .وكذا من اجل فهم طبيعة هذا الوباء الذي اظهرقدرة كبيرة على الانتشار في مدة وجيزة ليشمل جل دول العالم ولو بدرجات متفاوتة وهو ما يضع طريقة انتشاره، في موضع المسائلة والبحث عن اسباب اخرى اضافية تساعد على انتشاره السريع ،هذا بالاضافة الى دور المناعة في التخفيق من اعراضه او حتى عدم ظهورها لدى حوالي 85 %من المصابين المعروفين والغير المعروفين. وبعد المقالات كذلك التي تطرقت من خلالها للتداعيات الاقتصادية والاجتماعية لهذا الوباء الذي اصابت الاقتصاد العالمي والاقتصاديات الوطنية في مقتل . اذن وبعد كل هذا وذاك، ومن خلال تتبعي لتداعيات هذه الجائحة على سلوكات بعض الدول سواء في سياساتها الداخلية وكيفية تعاملها مع مواطنيها او في السلوكات التي تطبع سياساتها الخارحية في التعامل مع الدول والشعوب والحكومات الاخرى في زمن الجائحة التي تشكل تهديدا مشتركا للانسانية جمعاء .بما يستدعيه هذا الوضع من ضرورة ملحة للتعاون والتضامن الدوليين خاصة وأن هذا الوباء يصادر حق الشعوب في الوجود وحق الانسان في الحياة و وفي حقه في العيش الكريم علاقة بتأثيراته الاقتصادية والاجتماغية التي تنعكس سلبا على امنه المعيشي كما شرعته العهود الدولية لحقوق الانسان . كل هذا يدفعنا الى وضع واقع التضامن والتعاون الدولي وحقوق الانسان موضع المسائلة .علاقة بما يشهده العالم حاليا من تدافع ومن تفكك لعقد هذا التعاون الذي اظهر انقساما حادا في المنظومة الدولية في مسألة استيعاب مفهوم التضامن الدولي وذلك بين من ينظر الى الكوارث الانسانية كمجال للربح والخسارة في مجالات المال والاقتصاد والسياسة وبين من يضع القيم الانسانية الكونية فوق كل اعتبار ولا يبخل جهدا في تقديم كل المساعدات للدول الاخرى المتضررة مع احترام المعايير الدولية ذات الصلة بحقوق الانسان واحترام القانون الدولي في شقه المتعلق باحترام سيادة الدول واستقلاليتها. وهي المسائلة التي تطال كذلك المؤسسات الاممية التي ابانت عن حضور ضعيف لا يكاد يذكر ازاء ما يشهده العالم من تحدي خطير في مواجهة جائحة كورونا . بل عزز هذا الوباء من ضعفها المتنامي منذ ما يقارب العقدين من الزمن ،تجلى في فشلها المتكرر في حل اكثير من الازمات السياسبة و العسكرية التي افتعلتها دول بعينها وضعت نفسها فوق القانون الدولي وذلك بتدخلاتها المباشرة والغير المباشرة في الشؤون الداخلية للدولة الاخرى ،وسن قوانين اقتصادية ومالية جائرة ضد شعوبها ، ضاربة بعرض الحائط مبدأ احترام سيادة الدول وعدم التدخل في شؤونها الداخلية الذي يشكل احد مرتكزات الميثاق المؤسس للامم المتحدة. اذن من اجل فهم هذا الانقسام الحاد في المجتمع الدولي في استيعاب مفهوم التعاون والتضامن الدوليين الذي اعزوه اساسا الى غياب مرجعية دولية ملزمة ترقى الى مستوى تطلاعات الشعوب في التعاون والتضامن سواء زمن السلم او زمن الكوارث والاوبئة . وكذا فهم تباين سلوكات الدول في تعاملها مع هذه الجائحة ، والنتائج التي يمكن ان تتمخض عن هذا الوضع الذي يبدو انه يرسم معالم جديدة لعالم اظهر الوباء هشاشة وضعف ترسانة منظومته القانونية وخلوها الفعلي من القيم الانسانية الجماعية و الكونية . لا بد من الوقوف اذن عند المحاور اللتالية : 1 /الاتفاقيات الاممية والدولية في مجال التعاون والتضامن الدولي وحقوق الانسان. بالرجوع الى التشريعات الدولية والاممية في هذا المجال نستشف ضعف هذه التشريعات التي تهم مجال حقوق الانسان والتعاون الدولي اذا ما استثنينا ما ورد في ميثاق الاممالمتحدة خاصة كل من المادة الاولى من الفصل الاول والمادة الخامسة والخمسين من الفصل التاسع. ولعل هذا ما دفع بالمقررالاممي لمشروع الاعلان في شأن حق الشعوب والافراد في المساعدات الانسانية الدولية وفي شأن حماية الأشخاص في حالة الكوارث الذي قدمه الى مجلس حقوق الانسان في دورته الخامسة والستين سنة 2013 الى القول انه بالنظر الى ما راكمه القانون الدولي الملزم والغير الملزم والقانون العرفي و الاتفاقيات الاممية لحقوق الانسان و والقوانين الوطنية للكثير من الدول الخ...فان الشروط مواتية لصياغة اطار معياري لحقوق الانسان والتعاون الدولي . والخلاصة في حد ذاتها اعتراف منه بصعوبة التوصل الى اعلان متفق عليه في هذا الشان خاصة مع ما شهدته هذه الوثيقة من نقاشات ساخنة طغى عليها جانب الحسابات السياسية على حسابات احترام مبادئ حقوق الإنسان الفردية او الجماعية منها .وهي الوثيقة التي استغرق نقاشها ستة سنوات ابتدأت مع الدورة الستين سنة 2008 والى غاية 2013 مع كل ما اظهرته هذه النقاشات من اختلافات في وجهات النظر ابتداء من التعريف الى المواد 8-7-6 - 5 الخ .. من هذه الوثيقة التي اسقطت صفة الالزامية للتضامن والمساعدة الدولية للطرف المتضرر وجعلت من هذا التعاون مسألة ارادية وانتقائية في تفسير ما ورد فيها من مواد بالشكل الذي لا يجعل من مبدأ السيادة شأنا معيقا لتقديم المساعدة للفئات المتضررة من الكوارث عبر منظمات حكومية او غير حكومية حسب ما تقدره هذه الاخيرة كاحتياجات انسانية رغم ما تبطنه من اجندات سياسية تروم من خلالها الى خلق مزيد من الفوضى داخل هذه الشعوب والدول . هذا رغم ما حققته هذه الوثيقة من تقدم في فقراتها المتعلقة بالاوبئة التي اسقطت بموجبها حقوق الملكية الفكرية عندما يتعلق الامر بوباء يهدد الانسانية خاصة وقد تزامنت نقاشات هذا المقرر مع ما عرفته المنظمة العالمية للصحة من احتكاكات داخلية حادة حول حق الشعوب المتضررة بمرض الايدز في انتاج العقاقير المناسبة له داخل بلدانها دون ان تنضبط لحقوق الملكية الفكرية وهو ما يمكن اعتباره من محاسن هذه الوثيقة التي استفاد منها العالم حاليا في مسالة مواجهة وباء كورونا الذي اسقط هذه الحقوق كذلك سواء في انتاج ادوات الكشف او الادوية او حتى في صناعة اجهزة التنفس الاصطناعية . ان مسالة التضامن الدولي وحقوق الانسان خاصة في مجال الكوارث والأوبئة لا زالت تحتاج الى الكثير من العمل والجهد الامميين وربما تكون هذه الجائحة عبرة حقيقية لمراجعة مفهوم التعاون والتضامن الدوليين بما يخدم القيم الحقوقية والانسانية بعيدا عن الحسابات السياسية لضيقة. فإذا استثنينا اتفاقية تامبيري التي تعمل على تيسسير استعمال الاتصالات في حالات الطوارئ من اجل تقديم المساعدات الانسانية التي دخلت حيز التنفيذ في 8 يناير 2005 و ذلك بعد نقاشات مراطونية منذ المؤتمر الاول المعني بالاتصالات في حالات الطوارئ في تامبيري 1991. تبقى التشريعات الاممية والقانون الدولي في مسألة التعاون الدولي وحقوق الانسان الجماعية مجالا لا زال يحتمل الكثير من الفراغات حتى في ما يتعلق بالاتفاقيات الاقليمية في هذا المجال وهو الفراغ الذي اظهر هشاشة منظمات واتحادات اقليمية وقارية بما فيها الاتحاد الاوروبي على ضوء ما اظهرته جائحة كورونا من انفراط في عقد هذا التضامن بين الدول الاعضاء لهذه الاتحادات والتحالفات الدولية ونخص بالذكر الاتحاد الاوروبي . هذا في الوقت الذي تطورت فيه بشكل ملفت تشريعات التعاون الدولي والاممي في كل ما يخص المسائل الامنية خاصة في مجال مكافحة الارهاب والجريمة المنظمة وتهريب المخدرات وذلك مباشرة بعد العمليات الارهابية التي استهدفت امريكا في 11 شتنبر 2001 في مقابل النقص المهول الذي تعرفه مرجعية التعاون الدولي في محاربة الكوارث والاوبئة نتيجة الحسابات السياسية والصراع الدولي حول مراكز النفوذ في العالم بهدف الهيمنة والريادة. 2 /كيف عمقت كورونا الشرخ في منظومة العلاقات الدولية . عندما أقول أن وباء كورونا بما يشكله من تهديد للبشرية جمعاء قد أصاب منظومة العلاقات الدولية في الصميم واظهر عجزها عن ابداء التضامن والتعاون المطلوب بعيدا عن الحسابات السياسية الضيقة من اجل مواجهة هذه الجائحة فليس من باب التجني على وضع وردي قائم في هذه العلاقات الدولية يستجيب ومتطلبات التعاون بين الحكومات والشعوب في مواجهة ما تعيشه الانسانية من تحدي وفق مقتضيات المبادئ الكونية لحقوق الانسان ،الذي اظهر بما لا يدع مجالا للشك قصورا كبيرا في ما يخص تمثل هذه القيم والمبادىء سواء فيما يتعلق بأعمالها داخليا على مستوى كل دولة بما يؤمن الحق في السلامة الجسدية والكرامة والشغل والتعليم والامن الصحي للمواطنين والمواطنات باختلاف الوانهم واعراقهم . وفي هذا السياق يمكن ان نستدل بما تشهده بعض الدول داخليا التي حتى وان تصدرت قائمة اعداد الاصابات والوفيات بفيروس كوفيد 19 الا انها تعاملت وفق ما تقتضيه مبادء حقوق الانسان ولو بدرجات متفاوتة وذلك من خلال ما ابدته من رعاية صحية واجتماعية واقتصادية دون تمييز بين مواطنيها ومواطناتها ابتداء من الصين ومرورا بايران حتى دول اوروبا الغربية .وبين دول اخرى اعتمدت مقاربات تعكس تنصل حكوماتها من هذه المبادىء كبريطانيا التي تبنت نظرية مناعة القطيع ازاء مواطنيها وذلك وفق ما صرح بها رئييس وزرائها الذي يرى في كبار السن عبئا على دورة الانتاج ونجاعة المنظومة الإقتصادية اللبيرالية في صيغتها المتوحشة . في نفس السياق دائما يمكن ان نسجل كذلك ما تعيشه شرائح واسعة من المجتمع الامريكي والدولة الامريكية كبؤرة مرشحة لتتصدر قائمة الوفيات والاصابات جراء هذه الجائحة وانعكاسات هذه الكارثة على النسيج الاجتماعي الامريكي نتيجة عدم تمثل هذه القيم من طرف الادارات الامريكية المتعاقبة وخاصة الحالية التي الغت حتى المكتب الخاص بتتبع انتشار الاوبئة على ترابها وغياب شبه كلي للتغطية الصحية وذلك أعمالا لموقفها المتمثل بعدم المصادقة لحد الان على العهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية لاعتبارها مطالب ولييست حقوقا يمكن ان يتمتع بها جميع مواطنيها ومواطناتها بشكل متساوي وهو ما انعكس سلبا على نظمها الاجتماعية والصحية الغير المهيئة للتعامل مع الوباء بما يؤمن سلامة وصحة مواطنيها ومواطناتها وحرم بذلك فئات واسعة من المجتمع الامريكي من الاستفادة من الرعاية الصحية وجعلها فريسة سهلة للوباء الذي وجد كل الظروف المناسبة لانتشاره وحصد اكبر عدد من الارواح. كما ان ضعف هذه القيم في منظومة علاقات التعاون والتضامن الدولي خاصة في مجال محاربة الكوارث والاوبئة اظهر سلوكات فارقة بين من يمتثل لمبادىء حقوق الانسان في تحديد سياساته الخارجية ويعتبر الجائحة تشكل تهديدا مباشرا للبشرية جمعاء وبالتالي وجب التضامن والتعاون في محاربته عبر ما يمكن تقديمه من مساعدات طبية ولوجيستيكية للدول والشعوب المتضررة دون التمييز بينها ودون ان تشكل طبيعة انظمتها السياسية وتحالفاتها السابقة معيارا تتحدد من خلاله من يستحق المساعدة او حتى حجم هذه المساعدات .وهي بالتالي دول امتثلت لمفهوم الواجب في تقديمها للمساعدات بما لا يتنافى واحترام مبدأ السيادة الذي يشكل حجر الاساس في العلاقات الدولية وميثاق الاممالمتحدة . وبين دول تعتمد في سياساتها الخارجية سلوكات غريبة انانية تمثلت في عدم تقديمها اي مساعدة انسانية للدول والشعوب المتضررة بمن فيها من يعتبرون حلفاء تقليديين لها من الدول الغربية، وذلك رغم امكانياتها المالية والاقتصادية والعلمية الهائلة التي لا زالت تضعها لحد الساعة في مقدمة دول العالم وتسوق نفسها كقائدة له وللعالم الحر بل عكس ذلك تقدم على سياسات عدائية ازاء الدول الاخرى سواء تلك التي لا تنظر اليها بعين الرضى وتصنفها ضمن دائرة أعدائها او حتى تلك المصنفة ضمن دائرة حلفائها ولو بشكل متفاوت عبر ما تسنه من عقوبات مالية واقتصادية وحتى على شن الحروب على البعض منها وحرمان شعوب هذه الدول من مقدراتها الذاتية المشروعة لمواجة هذه الكارثة التي تهدد شعوبها والبشرية جمعاء بل هناك من ذهب من هذه الدول الى سرقة المساعدات من بعضها البغض و اعتماد خطاب عنصري معادي لمبادء حقوق الانساء كما كان الشان مع الرئيس الامريكي في وصفه لفيروس كورونا بالفيروس الصيني والتقليل من شأن الجنس الاصفر خاصة مع بداية انتشار الوباء ومحاولته ارشاء المدير التنفيذي للمختبر الالماني المتخصص في صناعة الادوبة ونقله الى امريكا من اجل احتكار ما قد يتوصل اليه من علاجات ولقاحات و ما تعمل عليه خفية بعض الدول الاوروببة ، خاصة فرنسا ،من اجل تجريب لقاح الكورونا على الشعوب الافريقية لكونها شعوبا تقع في ادنى السلم البشري وهو ما يتنافى قطعا مع مبادىء حقوق الانسان. اذن ومن خلال هذا السوكات المتناقضة في العلاقات الدولية في موضوع التضامن والتعاون الدولي وحقوق الانسان يظهر ان ما تترجمه بعض الدول في سياساتها الخارجية من قيم حقوقية تمتثل لما تم تداوله من نقاشات داخل اروقة الاممالمتحدة في شأن المقرر الخاص بالتضامن الاممي من اجل محاربة الكوارث والاوبئة رغم عدم الارتقاء بهذا المقرر الى مستوى الاعلان او المعاهدة نتيجة تغليب البعد السياسي لبعض الدول على البعد الحقوقي والانساني في نقاشاتها ، كل هذا يدفعنا الى تسمية الاسماء بمسمياتها واظهار ما يعكسه الواقع من حقائق دامغة اثبتت من خلالها بعض الدول كالصينوروسيا الاتحادية الخ ..ودول اخرى تقع تحت طائلة الحصار انها في مستوى ركوب التحديات ليس فقط من اجل نظام عالمي جديد متعدد الاقطاب واكثر عدلا الذي عملت من اجله في العقدين الاخيرين في الكثير من مواقع الصراع ، بل كذلك وانسجاما مع رؤيتها المستقبلية لما يجب ان تكون عليه العلاقات الدولية التي عليها ان تأخذ بمبدأ التضامن والتعاون في مجال محاربة الكوارث والاوبئة ، وهو ما جسدته هذه الدول في تعاملها مع جائحة كورونا عندما اقدمت على تقديم المساعدة لعشرات الدول المتضررة عبر العالم بما فيها تلك المتواجدة في احلاف يمكن تقييمها جيوسياسيا بالمناهضة لها. وهو ما ترك اثرا بالغا في شعوب وبعض حكومات هذه الدول ولنا في تصريحي كل من رئيس الحكومة الايطالية والرئيس الصربي في تقديرهم للدعم الصيني لبلدانهم اكبر مؤشر على ما يمكن ان ينحو اليه العالم و العلاقات الدولية في مرحلة ما بعد كورونا من تغيير يكاد يكون جذريا . 3/ توقعات ما بعد مرحلة جائحة كورونا : ما هو اكيد من خلال ما رصدناه من تطورات بدات حتى ما قبل ظهور هذه الجائحة ، عندما برزت للوجود قوى عالمية جديدة ترفض الهيمنة الامريكية على العالم داعية في نفس الوقت الى قيام عالم جديد متعدد الاقطاب يكون فيه ا التضامن والتعاون الدولي على قاعدة احترام سيادة الدول ومراعاة المصالح المشتركة للشعوب اساسا لبناء مفهوم جديد للكيفية التي يجب ان تكون عليها العلاقات الدولية مستتقبلا . و رغم ما يمكن ان يحتمله في تقديري لما ستؤول اليه الاوضاع من اخطاء بحكم المالات المتعددة الاخرى التي يمكن ان يشهدها العالم ابتداء من افول دول وتفكك اتحادات اقليمية الى الدفع في اتجاه خلق حروب لاسترداد مجد ضائع. لكن فقط ان ما اطرحه من مألات مستقبلية، تبقى منسجمة مع منهجية التحلبل التي اعتمدتها ،و تستقيم والكثير من المؤشرات التي سردتها. و في هذ السياق اذن يمكن القول ان ما ابانت عليه كل من الصين و روسيا من احترام لمبادء حقوق الانسان في تعاملاتهما الدولية من خلال ما قدمتاه وتقدمانه من مساعدات غير مشروطة للدول والشعوب المتضررة من هذه الجائحة. بما فيها تلك المحسوبة على التحالف الغربي والتي تشمل امريكا نفسها ،اضافة الى ما تشهده معدلات نمو الاقتصاديات العالمية من انكماش يتمظهر بشكل جلي في المنظومة الاقتصادية الغربية اللبيرالية التي فقدت قدرتها على التطور خاصة اذا ما اضفنا لها ما تشهده منظومتها القيمية والاخلاقية من انهيار على ضوء ما اظهرته كرونا لدى هذه الدولة من سلوكات انانية حتى مع بعضها البعض وعنصرية معادية لمبادئ حقوق الانسان ازاء الاخرين وفي هذا السياق يمكن الاستدلال بما يعيشه الاقتصاد الامريكي من انكماش لا يتجاوز في معدل نموه 2 ، %في مقابل معدل نمو في حدود 6 %بالنسبة للصين وهو ما يؤهل هذه الاخيرة لان تتبوء صدارة العالم اقتصاديا و علميا وعسكريا في السنوات القليلة المقبلة . كل هذا يؤشر فعلا على ان جائحة كورونا ستسرع الانتقال من عالم احادي القطبية الى عالم متعدد اكثر عدلا كما ستؤهل العالم لان يتقبل الصين كاقوى دولة فيه ،علاقة ليس فقط بقوة اقتصادها ولكن كذلك بما جسدته من قيم انسانية في علاقاتها الدولية خاصة في ما يتعلق بالتعاون الدولي في مواجة الكوارث والاوبئة . اذن اذا كان العالم المتعدد الاقطاب قد اصبح قريبا اكثر من اي وقت مضى ، فان هذا العالم المتعدد المرتقب سينتصر لا محالة للديموقراطية الاجتماعية، سينتصر للدول التي ليس لها ماضي استعماري للشعوب في عصرنا الحديث، وذلك على حساب الدموقراطية اللبيرالية التي نشات وتطورت ضمن سيرورة مبنية على استعمار الشعوب واستغلال خيراتها و التي تبدو الان مستنفذة لشروط وجودها بعد ان ابانت عن عجزها البنيوي في تقديم الحلول لما تعيشه الانسانية من ازمات ، بل هي من كانت مسببة لها في الكثير من الحالات ، و ما يؤشر على انكفائها هو الانحدار الذي شهدته هذه المنظومة في العقود الاربعة الاخيرة بعد انهيار جدار برلين و هيمنة اللبيرالية المتوحشة كما نظر لها ادم سميث لكن هذه المرة بقيادة الولاياتالمتحدةالامريكية . و في نفس السياق سيكون على المجتنع الدولي اجراء تعديلات جذرية على ما يعتمره من مؤسسات اممية ابانت مؤخرا عن عجزها في لعب الدور المنوط بها سواء في زمن السلم او في زمن الحروب والاوبئة .وان ما انتجه مؤتمر يالطا من تفاهمات لم يعد يستجيب لمتطلبات وطموحات الكثير من الدول والامم الصاعدة في عصرنا الحالي التي ستبحث لها عن موقع مقرر من داخل هذه الهيأت والمؤسسات . كما ان العالم ومن خلال ما ابان عليه من عجز في مواجهة جائحة كورونا بما تشكله من تهديد للبشرية جمعاء والتي ابانت كذلك عن ضعف بنيوي في منظومة العلاقاته الدولية خاصة في باب التضامن من اجل محاربة الكوارث والاوبئة ، سيعجل لا محالة من انكباب المؤسسة الاممية مباشرة بعد هذه الجائحة على تطوير المقررات الاممية ذات الصلة اخذا بعين الاعتبار ما لهذه التجربة المريرة من وقع وكذا ما افرزه الواقع الحالى من موازين قوى عالمية جديدة وذلك من اجل الارتقاء بهذه المقررات الى مستوى الاعلانات والمعاهدات الاممية المطلوب المصادقة عليها عاجلا. د .تدمري عبد الوهاب