تَعتبر الفنانة الجزائرية سعاد ماسي نفسها مواطنة عالمية تحمل رسالة موسيقى التناغم. وهي تلاقي بهذا صدا طيبا في أوروبا وفي أوساط عربية أيضا ، كما أن أغانيها تمزج بين إفريقيا والمغرب وباريس. احترقت السيارات وتطايرت الحجارة. التفاهم ما بعد الاستعماري في فرنسا، تركيبةٌ مزعزعةُ غير متناظرة. حيث يشكل افتقار الأمل بالمستقبل جزءا من حياة سكان الضواحي اليومية. هناك لا يشعر جيلا المهاجرين الثاني والثالث بالرضى عن الحياة التي يعيشاها. قياساً على ذلك، تمثل سعاد ماسي خروجاً على القاعدة. ماسي الفنانة الفاتنة تعرف سبب مغادرتها لموطنها الجزائري، وهي ناجحة في عملها. بيد أن هذا النجاح، لا يشكل إلا سبباً مشروطاً للفرحة. إذ أن جذور سعاد ماسي تقع في المغرب العربي، في مكان ما بين مدينة الجزائر والفضاءات الثقافية المتلاشية لأسلافها البربر. لكن هناك لم يوجد – ولا يوجد– مكان لامرأة شابة لها أحلامها. غالباً ما تبدو سيرة الفنان شيّقة ومتعددة الأطياف عند استعراضها عن بُعد. نجاحات أولى، عوائق، نزوح عن الوطن، تليها نجاحات جديدة، في إطار عالمي هذه المرة. بيد أن التمعن عن كثب يختلف، إذ تقول ماسي: "لقد شعرت كثيراً بالوحدة والوحشة، لا سيما وأنه لم يكن هناك من يساندني. الآن، منذ أن رأت ابنتي نور الحياة، تغيَّر الوضع. إذ زودني وجودها بالقوة والأمان وبالشعور بأنني في بيتي وبين أهلي". تَعتبر سعاد ماسي نفسها مواطنة عالمية تحمل رسالة موسيقى التناغم. وهي تلاقي بهذا صدى طيبا في أوروبا وفي الأوساط العربية التقدمية. إلا أن قرار التوجه نحو الحضور العالمي لم يكن طوعياً، بل نتيجة رفضها الرضوخ لمتطلبات مجتمع أصولي. ولدت سعاد ماسي في الجزائر عام 1972، وترعرعت في أجواء متواضعة، وشبَّت في مرحلة زمنية اتسمت بطابعي الدكتاتورية الاشتراكية والحرب الأهلية. فجاءت الموسيقى لتكون لها بمثابة متنفس لاستيعاب الانطباعات اليومية، وقدمت القيثارة لها الإمكانية لكي تعبر بها عن ذاتها ولتحقق شيئا من التوازن. درست ماسي الموسيقى الكلاسيكية العربية-الأندلسية بالإضافة إلى العلوم الهندسية. لم تكن الفنانة لتواصل مسيراتها لولا التشجيع القوي من قبل أخيها الأصغر ،فكان حظها في محاولتها الثانية أوفر، موسيقى فرقة "Atakor" المتأثرة بالاتجاه الموسيقي الغربي "ميتال"، أعجبت النشءَ الجزائري الجديد،فغدت ماسي نجمة محلية لكنها فقدت في نفس الآن وظيفتها في البلدية. أفهموها أن على المرأة رعاية الأسرة قبل كل شيء، أما أعمال الرجال وبالأخص موسيقى"الروك" فلا يلائمان طبيعتها. كانت خيبة أملها كبيرة، ولكن قبل أن يتحول الإحباط إلى أزمة، حصلت سعاد ماسي على عرض من فرنسا. كان مسرح "Cabaret Sauvage" في باريس يجري الإعداد لمهرجان موضوعه "المرأة الجزائرية"، فتمت دعوتها إليه باعتبارها فنانة ناشئة. وكانت سعاد ماسي في العاشر يناير 1999 مع حقائبها وقيثارتها في مطار تشارل دى غول. بعد هنيهة وقفت على خشبة العرض واستأثرت بقلوب الجمهور متخطيةً الحدود اللغوية. عُرضَ عليها عقدٌ لتسجيل أول ألبوم لها "Raoui" في عام 2001، وتبعه ألبوم "Deb" في عام 2003. احتفى بها النقاد، وأحب الجمهور ذلك الصوت النقي الحزين. وتقول الفنانة ماسي: "استقبلتني فرنسا بصدر رحب، لذا أقيم فيها اليوم، تزوجت بعد قصة حب من شاب مغربي اعيش معه لحظات السعادة والتناغم،هنايمكنني إقامة جولات فنية، أقدِّم فيها عشرين حفلاً في الشهر، برفقة موسيقيين جيدين وتقنيين جيدين. هذا لا يعني أنني أنسى جذوري. أشعر بالراحة في كل أنحاء العالم تقريباً، لكن موطني الأصلي يبقى دائماً جزءا منّي. على العموم من السخف التفرقة بين هذه الأمور، ولا يستدعي الربط بين التقاليد والعالم الحديث إلا قدراً يسيراً من الذكاء". يبدو من هذا القول، إلى حدٍ ما، وكأن سعاد ماسي لا زالت في طور تشجيع نفسها، ومع ذلك لا زالت تمني نفسها بعودة التوهج الفني والثقافي إلى موطنها الجزائر وعن ذلك تقول : "عندما أرى زوجي المغربي سعيدا جدا بالوضع الثقافي والفني والاستقرار الذي يعيشه المغاربة ، أحس أن المملكة المغربية هي عاصمة الثقافة العربية بامتياز ، بالنظر للمهرجانات الثقافية والفنية التي تحتضنها على طول العام ، مما يجعلنيفي حالة غيرة "جميلة"من بلد زوجي وفي نفس الوقت أحزنللوضع في الجزائر..." في الاخير يبقى التذكير أن سعاد ماسي رفضت الصيف الماضي الغناء في إسرائيل بعد الاشاعات التي تناسلت حول دعوتها لزيارة إسرائيل لكنها نفت ذلك قائلة "أنا عربية ومسلمة، لا أستطيع أن أتخلص من انحيازي الكامل لفلسطين ولمعاناة أهلها الناجمة عن الاحتلال، ولن أقبل بأن أغني أمام المحتلين إطلاقاً". استمع من هنا لسعاد ماسي في أغنيتها الشهيرة *الراوي