على ضوء الصور وشرائط الفيديو التي يظهر فيها حاملو فيروس كوفيد-19 ورجال الصحة من أطباء وممرضين ورجال الأمن من شرطة ودرك وغيرهم على وسائل الإعلام وغيرها من الوسائط الإلكترونية. مقدمة: من المعلوم أن الحق في حرية التعبير (المادة 25) الذي يتفرع عنه الحق في الإعلام والحق في حماية الحياة الخاصة (المادة 24) الذي يتفرغ عنه الحق في الصورة يعتبران من الحقوق الأساسية التي يحميهما الدستور والقانون. السؤال المركزي الذي نطرحه في هذه المقالة هو التالي: هل حرية الصحافة والحق في إعلام الجمهور عندما يتعلق الأمر بأحداث الساعة يبرران انتهاك الحق في الصورة؟ سنقوم بتقديم هاذين الحقين الحق في الصورة والحق في الإعلام وكيف أنه يتم تغليب الحق الثاني على الأول عندما يتعلق الأمر بأحداث الساعة (Sujets dactualité). أولا: الحق في الصورة قام المشرع الجنائي المغربي بحماية الحق في الصورة في حد ذاتها وكذلك الحق في الشرف من خلال الصورة التي يتم العبث بها قبل نشرها. أ- الحق في الصورة في حد ذاتها يمنع القانون رقم 13-103 بث (على دعامات إلكترونية) أو توزيع (على دعامات مادية) من طرف أي كان (شخص عاد على صفحته على منصة فايس بوك أو صحافي على موقعه الإعلامي الإلكتروني...) لصورة شخص (صورة فوتوغرافية أو شريط فيديو) أثناء تواجده في مكان خاص دون موافقته. ويجد هذا المنع أساسه التشريعي في الفقرة الثانية من الفصل 1-447 من القانون 13-103 الذي ينص على أنه: "يعاقب بنفس العقوبة، من قام عمدا وبأي وسيلة، بتثبيت أو تسجيل أو بث أو توزيع صورة شخص أثناء تواجده في مكان خاص، دون موافقته". لكن هذا الأمر لا يعني أن القانون لا يحمي الصورة عندما يتواجد الشخص المعني بالأمر في مكان عام. ذلك أن أي صورة يتم التقاطها أو شريط فيديو يتم تسجيله في الفضاء العام يستوجب إذنا من الأشخاص الذين يظهرون فيها من أجل القيام بنشرها كيفما كانت الدعامة ورقية أم إلكترونية. ب- الحق في الشرف من خلال الصورة إن الاعتداء على الصورة لا ينحصر فقط في التقاط أو تسجيل أو بث أو توزيع هذه الصورة بل يمتد ليشمل الاعتداء على سمعة صاحب الصورة من خلال تركيب وفبركة صورته أو فيديو يظهر فيه لا يعكس الحقيقة ونشرها عبر مواقع التواصل الاجتماعي أو المواقع الإعلامية الإلكترونية. ويجد هذا المنع أساسه التشريعي في الفصل 2-447 الذي ينص على أنه: "يعاقب بالحبس من سنة واحدة إلى ثلاث سنوات وغرامة من 2.000 إلى 20.000 درهم، كل من قام بأي وسيلة بما في ذلك الأنظمة المعلوماتية، ببث أو توزيع تركيبة مكونة من أقوال شخص أو صورته، دون موافقته، أو قام ببث أو توزيع ادعاءات أو وقائع كاذبة، بقصد المس بالحياة الخاصة للأشخاص أو التشهير بهم"". فيمكن التلاعب بصور حقيقية أو إضافة تعليق عليها من أجل إعطائها معنى أو مظهرا مختلف وغير متطابق مع الواقع يمس بكرامة صاحب الصورة. فالصور أو شرائط الفيديو حتى عندما يتم التقاطها أو تسجيلها في مكان عام قد يتم فبركتها قبل نشرها على المواقع الإلكترونية مما يمس بكرامة صاحب الصورة. غير أن الحق في الصورة، وليس الحق في السمعة والكرامة المرتبط بالصورة، يتراجع أمام ضرورات الحق في الإعلام. ثانيا: حق مشروط للجمهور في الإعلام يمثل اشتراط الموافقة من أجل نشر صورة شخص أو شريط فيديو يظهر فيه قاعدة قانونية راسخة في الفقه والتشريع. غير أن نشر الصور وشرائط الفيديو التي تستجيب لحاجات إعلام الجمهور في حالة ظهور ظواهر مجتمعية (أحداث الساعة / كارثة طبيعية / وباء...) تعفى من ترخيص أصحاب الشأن بذلك. فالقضاء الفرنسي رغم إعطائه أهمية كبيرة للحق في الصورة غلب عليه في حال ظواهر مجتمعية الحق في الإعلام. غير أن نفس القضاء الفرنسي وضع شرطين لتطبيق هكذا حق وهما: أن يكون للصورة علاقة مع الحدث خلال حدوثه وأن لا تمس الصورة بكرامة الشخص المعني بالأمر. أ- حق الجمهور في الإعلام يقصد بحق الجمهور في الإعلام الحصول على المعلومات من أي مصدر من المصادر ونقلها والحق في نشر الصور والتعبير عن الآراء دون أية قيود. فالقانون رقم 13-88 المتعلق بالصحافة والنشر أعطى لوسائل الإعلام الورقية أو الإلكترونية الحق في التقاط الصور وتسجيل الفيديوهات التي لها علاقة وثيقة بالحياة العامة أو تأثير على تدبير الشأن العام. حيث نصت المادة 89 منه على أنه: "يعد تدخلا في الحياة الخاصة كل تعرض لشخص يمكن التعرف عليه وذلك عن طريق (...) إفشاء صور فوتوغرافية أو أفلام حميمية تتعلق بحياتهم الخاصة ما لم تكن لها علاقة وثيقة بالحياة العامة أو تأثير على تدبير الشأن العام". القضاء الفرنسي من جانبه غلب الحق في إعلام الجمهور على الحق في الصورة في العديد من الأحكام والقرارات. فقد اعتبرت محكمة باريس الابتدائية في حكم لها صادر بتاريخ 26 يناير 1994 أن نشر صورة مدرسة وهي رهينة مع أطفال المدرسة من أجل توضيح مقال نشر على صفحات إحدى الجرائد يصف هذا الحدث اعتبرته فعلا مشروعا. حق الجمهور في الإعلام يتيح إذا للصحافة كيفما كانت دعامتها ورقية أم إلكترونية نشر صور وتسجيلات الأشخاص المنخرطين في أحداث الساعة أو النقاشات العمومية أو في الظواهر المجتمعية بصفة عامة. المبدأ الأساسي الذي لا يتعين إذا إغفاله في هذا الشأن هو أن نشر (يجب ملاحظة أننا نتحدث عن النشر وليس عن الالتقاط أو التسجيل) صورة شخص تم التقاطها أو شريط فيديو يظهر فيه تم تسجيله في مكان خاص أو حتى في مكان عام مشروط بموافقة الشخص المعني. غير أنه عندما يتعلق الأمر بالحق المشروع للعموم في الإعلام بشأن أحداث الساعة أو النقاشات العمومية، فإن هكذا شرط (شرط الموافقة) يصبح دون قيمة. في هذه الحالة، يتعين على المحكمة تقدير الطبيعة المشروعة للحق في الإعلام والتقيد باحترام الكرامة الإنسانية للشخص المعني كما سنرى في ما بعد. هذا المبدأ عبرت عنه محكمة النقض في فرنسا في العديد من قراراتها. ففي قرار للغرفة الأولى المدنية لمحكمة النقض في فرنسا صادر بتاريخ 29 مارس 2017 غلبت بشكل واضح الحق في الإعلام على الحق في الصورة. في هذه النازلة، تم عرض روبورتاج على الموقع الإلكتروني لإحدى القنوات التلفزية عن مريضة تعاني من اضطرابات نفسية. الروبورتاج الذي تم عن طريق كاميرا خفية ظهرت فيه صورة للطبيب المعالج دون أن يكون بالطبع قد أعطى موافقته على ذلك.. طلب هذا الأخير طلب من المحكمة تعويضا عن الضرر الناجم عن الاعتداء على حقه في صورته. وقد قررت محكمة ميدز الاستئنافية في حكم لها صادر بتاريخ 6 أكتوبر 2015 وجود مساس بالحق في الصورة للطبيب وحكمت له بالتعويض. غير أن محكمة النقض في فرنسا في قرار لها صادر بتاريخ 29 مارس 2017 نقضت الحكم الاستئنافي هذا بحجة أن حرية الصحافة والحق في الإعلام تسمح بنشر صورة شخص عندما يكون منخرطا (Impliquée) في حدث من أحداث الساعة (...) شريطة احترام كرامته الإنسانية. وقد اعتبرت المحكمة أن نشر صورة شخص تسمح بتحديد هويته دون موافقة منه فعل غير مشروع من الناحية المبدئية، بيد أن حرية الصحافة وحق العموم في الإعلام في ما يتعلق بأحداث الساعة تبرران المس بهذا الحق. ب- شروط سمو الحق في الإعلام على الحق في الصورة نستخلص من القراءة الأفقية لقرارات محكمة النقض الفرنسية في هذا المجال أن القضاء وضع شرطين لتغليب الحق في الإعلام على الحق في الصورة وهما: شرط العلاقة المباشرة مع الحدث وشرط الحفاظ على الكرامة الإنسانية للشخص المعني. 1- شرط العلاقة المباشرة مع الحدث: يفترض الحق في الإعلام أن يكون لنشر الصور وشرائط الفيديو علاقة مباشرة مع الحدث الذي تعالجه المادة الصحفية التي تستند على الصورة أو شريط الفيديو. في هذا الشأن، عاقبت محكمة باريس الابتدائية في حكم لها صادر بتاريخ 19 نونبر 2001 استخدام صورة فوتوغرافية لشخص كان قد ارتكب جريمة عدة سنوات سبقت تاريخ استخدامها. نفس الشرط اعتمدته محكمة ليون الابتدائية التي أدانت مجلة "ليكسبريس" (l'Express) في حكم صادر بتاريخ 16 أكتوبر 1997 لقيامها بنشر صور لفتاتين شاركتا في إطار روبورتاج أذيع مدة طويلة بعد اليوم العالمي للشباب وتم تصويرهما فيه. 2- شرط الحفاظ على الكرامة الإنسانية إذا كان من المقرر قضاء أن الحق في الإعلام يسمو على الحق في الصورة، فليس عليه أن يمس بكرامة الشخص الذي تم التقاط صورة له أو تسجيل فيديو يظهر فيه. هذا ما يشرح أن العديد من الأحكام والقرارات القضائية جرمت نشر الصور حتى عندما يكون لها ارتباط مباشر بأحداث الساعة. ذلك أن القضاء اعتبر أن هذا النشر يمس بالكرامة الإنسانية للأشخاص الذين تم أخد صور لهم أو تسجيل فيديوهات يظهرون فيها. فقد قررت الغرفة الثانية لمحكمة النقض في فرنسا في قرار صادر بتاريخ 13 ماي 1995 أن نشر صورة جثة أحد الأشخاص المعروفين يخل بالكرامة الإنسانية. وعلى العكس من ذلك اعتبرت محكمة النقض في قرار لها صادر بتاريخ 20 ديسمبر 2000 أن نشر الصورة الملطخة بالدماء لإحدى ضحايا أحد الهجمات لا تمس بالكرامة الإنسانية. إذا يمكن لوسائل الإعلام الإلكترونية نشر الصور وشرائط الفيديو التي لها علاقة بأحداث الساعة شريطة أن لا يمس هذا الفعل بكرامة الشخص المعني. فلا يجوز نشر صورة أو شريط فيديو يظهر فيه شخص ما يحوي عبارات تمس بكرامته أو تمت فبركته أو وضعه في سياق يمس بكرامة الشخص. خاتمة: نخلص إلى أن حرية الصحافة وحق العموم في الإعلام يبرران المس بالحق في الصورة رغم أهمية هذا الحق الأخير. فالحق في الإعلام في ما يتعلق بأحداث الساعة يسمو على الحق في الصورة شريطة احترام كرامة الشخص موضوع الصورة. غير أنه في جميع الحالات يتعين على القانون والقضاء إيجاد نوع من التوازن، في ما بين الحق في الصورة الذي يمثل حقا أساسيا من حقوق الإنسان، والحق في التعبير والإعلام الذي يعتبر ركيزة أساسية من ركائز البلدان الديمقراطية.