ينص الفصل 1-448 من مشروع القانون رقم 103-13 الذي يتعلق بمحاربة العنف ضدّ النساء على أنه "يعاقب من ستة أشهر إلى ثلاث سنوات وغرامة من 2000 إلى 20000 درهم كل من قام عمدا وبأي وسيلة، بما في ذلك الأنظمة المعلومياتية، بالتقاط أو تسجيل أو بث أو توزيع أقوال أو معلومات صادرة بشكل خاص أو سري دون موافقة أصحابها. ويعاقب بنفس العقوبة من قام عمدا وبأي وسيلة بتثبيت أو تسجيل أو بث أو توزيع صورة شخص أثناء تواجده في مكان خاص دون موافقته". يهدف هذا الفصل إلى حماية الحياة الخاصة الرقمية للنساء عبر تجريم أفعال التقاط أو تسجيل أو بث أو توزيع أقوال أو معلومات تخصهم بطريقة غير مشروعة (الفقرة الأولى)، وتجريم تثبيت أو تسجيل أو بث أو توزيع صورة شخص (امرأة) بطريقة غير مشروعة (الفقرة الثانية). النص المذكور يستهدف تحديدا نشر صور أو مقاطع فيديو تحتوي على أقوال أو معلومات أو صور نساء بأي وسيلة كانت وكيفما كانت الدعامة المستخدمة. هذا يعني أن الأداة المستخدمة في التقاط الصور أو تسجيل الأشرطة لا تهم سواء تم ذلك عن طريق آلة تصوير أو عن طريق الكاميرا الرقمية المدمجة في الهاتف النقال، أو بواسطة وسائل أخرى للتصوير أو التسجيل. وكما هو الأمر بالنسبة للالتقاط أو التسجيل فإن الوسيلة المستخدمة في نشر الصور أومقاطع الفيديو عبر الوسائط الإلكترونية لا تهم كذلك، سواء تم ذلك عن طريق الشبكة الهاتفية أو عبر شبكة الإنترنت، أو حتى عن طريق طباعة الصور على الورق ونشرها عن طريق التوزيع المباشر. غير أن المقتضيات القانونية التي جاء بها هذا الفصل على أهميتها غير قادرة على تجريم العديد من الجرائم ذات الطبيعة الجنسية التي أصبحت اليوم شائعة بفضل تطور تكنولوجيا الإعلام والاتصالات، والتي تمس بسمعة وشرف المرأة، مثل السيكستوكس (Sextos) (يتعلق الأمر بصور أو أشرطة جنسية يتم إرسالها عن طريق الرسائل متعددة الوسائط أو عبر تقنية البلوتوت أو الواتساب...( أو ما يسمى بالانتقام الإباحي الإلكتروني (La revanche pornographiqueélectronique) (نشر صور أو تسجيلا ت إباحية عبر الوسائط الإلكترونية دون رضا الضحية التي كانت قد وافقت على التقاطها أو تسجيلها من أجل الانتقام منها). هذه الجرائم كانت وراء محاولات انتحار العديد من الفتيات اللاتي كن ضحايا لها، وقد عرض العديد منها أمام المحاكم المغربية. لذلك نعتبر أن النص المذكور بصيغته الحالية، إذا لم يتدارك المشرع المغربي الأمر عبر تعديله كما فعل قبله المشرع الفرنسي، سيترك فراغا قانونيا هائلا يجعل العديد من الجرائم التي تمارس على المرأة عبر الوسائل الرقمية تبقى خارج دائرة التجريم والعقاب. إليكم بعض ملامح العوار الذي يشوب مشروع القانون هذا: أولا: لم يجرم النص الأقوال أو المعلومات أو الصور ذات الطبيعة الجنسية الفصل المعني بالأمر لم يشر إلى التقاط الأقوال أو المعلومات أو تثبيت الصور ذات الطبيعة الجنسية، وهي في حقيقة الأمر الأفعال الغالبة في هذا الإطار. هذا يعني أنه عندما يتعلق الأمر بأقوال أو معلومات أو صور ذات طبيعة جنسية فإن العقوبة تكون مثلها مثل الأقوال أو المعلومات أو الصور العادية (لأن القاضي سيكتفي بتطبيق المادة 448-1 التي في الواقع تتعلق بصور وتسجيلات ذات طبيعة عادية)، وهذا غير منطقي لأن الأقوال أو المعلومات أو الصور عندما تكون ذات طبيعة جنسية تكون آثارها وخيمة على الضحية. وبالتالي فإن النص كما هو على حاله اليوم غير قادر على تجريم أفعال التقاط أقوال أو معلومات أو تثبيت صور ذات طبيعة جنسية تتعلق بنساء؛ وهذا بالفعل ما تنبه إليه المشرع الفرنسي (عانت فرنسا من هذا الفراغ القانوني لمدة طويلة) الذي تدارك ذلك من خلال قانون الجمهورية الرقمية، إذ تمت إضافة فقرة جديدة بموجب هذا القانون شددت العقوبة عندما يتعلق الأمر بجريمة التصوير أو التسجيل لأقوال أو صور ذات طابع جنسي يتم التقاطها أو تسجيلها في مكان عام..تنص هذه الفقرة على أنه "عندما تتعلق المخالفات المشار إليها في المادتين السابقتين (...) بأقوال أو صور تمتل طبيعة جنسية تم التقاطها أو تصويرها في مكان عام تضاعف العقوبة إلى (...)". نفهم أن المادة المذكورة أضافت مقتضى قانونيا جديدا يتم بموجبه تشديد العقوبة في حال الإضرار بالحياة الخاصة للمرأة، تكون الغاية من ذلك نشر صور أو تسجيلات للضحية لها طابع جنسي، حتى عند التقاط الأقوال أو تثبيت الصور في مكان عام. من جهة أخرى، تضع الفقرة الثانية من الفصل 1-448 من مشروع القانون 13-103 المتعلق بمحاربة العنف ضد النساء شرطين لتحقق العنصر المادي لجريمة تثبيت أو تسجيل أو بث أو توزيع صورة امرأة؛ وهما: أن يتم التقاط صورة المرأة في مكان خاص، وألا تكون الضحية قد أعطت موافقتها على ذلك. هذان الشرطان يجعلان العديد من الجرائم الإلكترونية التي تضر بالمرأة في حياتها الخاصة وفي سمعتها وفي شرفها تبقى خارج دائرة التجريم والعقاب. وهذا بالضبط ما سنحاول شرحه في ما يلي: ثانيا: شرط المكان الخاص (تقنية صور السيلفي) عندما يضع المشرع شرط المكان الخاص يثور التساؤل التالي: كيف يتم عقاب الأضرار الناجمة عن صور السيلفي الجماعية، ومنها على وجه الخصوص التي قد تحتوي على صورة امرأة دون أن ترغب في ذلك، ثم تفاجأ بها على شبكة الإنترنت في وضعية قد تضر بحياتها الخاصة أو بسمعتها أو بشرفها؟. وبذاك فإن كل الصور ذات الطبيعة الجنسية التي يتم التقاطها، وكل أشرطة الفيديو ذات الطبيعة الجنسية التي يتم تسجيلها في مكان عام، لا يمكن أن يشملها النص المذكور، رغم أن الآثار هي نفسها، سواء تعلق الأمر بمكان خاص أو بمكان عام. فالتفسير الصارم للنص الذي يتميز به القانون الجنائي سيجعل القاضي في هكذا حالة يحكم ببراءة الجاني، لأن الفصل المعني بالأمر يشترط أن تتم الجريمة في مكان خاص. هذا الأمر تنبه إليه المشرع الفرنسي كذلك عندما أضاف بموجب قانون الجمهورية الرقمية دائما نصا يعاقب على الجريمة نفسها حتى عندما يتم اقترافها في مكان عام. ثالثا: شرط موافقة الضحية (الانتقام الإباحي عبر الإنترنت) عندما يضع المشرع شرط موافقة الضحية يثور التساؤل التالي: كيف يتم عقاب جريمة الانتقام الإباحي عبر الإنترنت (La revanche pornographiqueélectronique) إذ يتم التقاط صورة امرأة في أوضاع ذات طبيعة جنسية برضاها في حين أن البث أو التوزيع عبر الوسائط الإلكترونية يتم دون موافقتها لأن غرض الجاني هنا هو الانتقام منها. يقوم بعض الشباب على مواقع التواصل الاجتماعي (فيسبوك + تويتر + إنستاغرام ....) أو على الشبكة الهاتفية (رسائل متعددة الوسائط MMS + بلوتوث) بنشر صور أو مقاطع فيديو ذات طبيعة جنسية تجمعهم بفتيات من أجل الانتقام منهن والإضرار بسمعتهن. في هذه الحالة، قد يفلت المجرم من العقاب لعدم توافر عنصر عدم الموافقة الذي جاءت به الفقرة المذكورة كشرط أصيل من شروط تحقق العنصر المادي للجريمة. فالقاضي سيعتبر أن الضحية عندما أعطت موافقتها على التقاط صورة (ذات طبيعة جنسية) أو تسجيل شريط فيديو (ذي طبيعة جنسية) فهذه الموافقة تنصب كذلك على نشر تلك الصور أو تلك الأشرطة كيفما كانت الوسيلة، بما في ذلك الأنظمة المعلومياتية. أما الحقيقة فهي أن المستهدف بموافقة الضحية على التصوير أو التسجيل فهو صديقها فقط الذي منحته ثقتها وليس سكان الإنترنت جميعهم، والذين يعدون بالملايير. هذا يعني أن هذه الفصل المعني بالأمر لا يميز بين موافقة الضحية عند التقاط الصورة أو تسجيل الشريط التي تتم في إطار تغلب عليه الحميمية، وغياب الرضى عند نشر تلك الصور أو تلك الأشرطة على الشبكة العنكبوتية. هذا بالفعل ما تنبه إليه المشرع الفرنسي كذلك عندما أضاف بموجب قانون الجمهورية الرقمية فقرة تعاقب على جريمة الانتقام الإباحي الإلكتروني، أي إنه تتم معاقبة الجاني حتى في الحالة التي تكون الضحية قد أعطت موافقتها على التقاط صورة إباحية لها أو تسجيل شريط إباحي تظهر فيه. خاتمة: لقد فوت المشرع المغربي على نفسه بمناسبة مشروع القانون رقم 13-103 المتعلق بمحاربة العنف ضد النساء فرصة تجريم وعقاب مجموعة من الجرائم الرقمية التي أصبحت متفشية في المجتمع المغربي، والتي تمثل عنفا رقميا يمارس على المرأة كل يوم. وقد اطلعت على تقرير لجنة العدل والتشريع وحقوق الإنسان حول مشروع قانون رقم 13-103 يتعلق بمحاربة العنف ضد النساء فلم أجد فيه تقريبا أي شيء يوحي بأن اللجنة المحترمة لها علم كاف بهذا النوع من العنف لتضمنه في هذا القانون وتجعل المغرب يدخل على الأقل من الناحية القانونية في العصر الرقمي من بابه الواسع. فإلى متى سيظل هذا الباب موصدا مشرعنا العزيز؟ مع كل الاحترام والتقدير *خبير / مكون في القانون الإلكتروني