على ضوء الباب الخامس مكرر من مشروع تعديل قانون المسطرة الجنائية مقدمة : من المعلوم أن الأساليب التقليدية في البحث والتحري أصبحت إلى حد كبير عديمة الجدوى بسبب استغلال منفذي الجرائم الخطيرة ( الجرائم المنظمة / الجرائم الإرهابية...) للتقنيات العلمية الحديثة في تنفيذ أغراضهم الإجرامية. وقد أدى تطور العلوم والتقنيات في ميدان السمعي البصري إلى اللجوء المتزايد من قبل السلطات القضائية إلى وسائل الإثبات الصوتية والسمعية البصرية. حيث أصبح من الضروري الاستعانة بالوسائل الحديثة لالتقاط الصور وتسجيل الأصوات من أجل كشف الجرائم الخطيرة وتحديد هوية مرتكبيها. فإلى جانب الأساليب التقليدية المدرجة في قانون المسطرة الجنائية ( التقاط المكالمات الهاتفية أو الاتصالات المنجزة بوسائل الاتصال عن بعد و أخد نسخ منها أو حجزها .....)، أقر المشرع المغربي في مشروع تعديل قانون المسطرة الجنائية أساليب تحري خاصة من أجل عدم إفلات مرتكبي هذا النوع الخطير من الجرائم من العقاب. وقد أضفى مشروع تعديل قانون المسطرة الجنائية من خلال الباب الخامس مكرر ( المواد من 116-1 إلى 116-10 ) المشروعية على إجراءات خاصة ( لم نتعود عليها في القواعد العامة للقانون ) لم يتم إقرارها إلى اليوم في أي نص قانوني آخر. حيث منح لرجال إنفاذ القانون إمكانية وضع ترتيبات تقنية سرية ( كاميرات صغيرة / مسجل صوت منتهي الصغر/ ....) دون موافقة الشخص المستهدف ( المتهم بارتكاب بعض الجرائم الخطيرة / المحامي المشتبه به / ...) من أجل التقاط الصور وتثبيت وبث وتسجيل الكلام المتفوه به بصفة خاصة أو سرية في أماكن ( منزل / مكتب محامي /...) أو وسائل نقل خاصة (سيارة مثلا) أو عامة ولكن بشروط وقيود فصلت فيها المواد من 116-1 إلى 116-10 من مشروع تعديل القانون. أولا - مفهوم التقاط وتثبيت وبث و تسجيل الأصوات و الصور وتحديد المواقع تجيز المادة 116-1 من مشروع تعديل القانون، إذا اقتضت ضرورة البحث، تجيز للسلطات القضائية اللجوء إلى وضع ترتيبات ( أجهزة ) تقنية سرية من أجل مراقبة المشتبه فيهم بارتكاب بعض الجرائم الخطيرة. فما هي هذه الترتيبات التقنية ؟ وما الغاية من اللجوء إليها ؟ أ- ماهية الترتيبات التقنية ؟ تقوم عمليات التقاط وتثبيت وبث و تسجيل الأصوات و الصور وتحديد المواقع على استخدام وسائل تقنية حديثة في هذا اﻟﻤﺠال. يتعلق الأمر بكاميرات متناهية الصغر أو ميكروفونات صغيرة جدا أو حتى رقاقات (Puces) يتم وضعها في أماكن معينة من أجل مراقبة ( التقاط صور لهم / تسجيل أصواتهم / تحديد أماكن تواجدهم / ...) المشتبه بارتكابهم بعض الجرائم الخطيرة. ب – ما هي الغاية من هذه الترتيبات ؟ تهدف الترتيبات التقنية المشار إليها أعلاه إلى تجميع وسائل إثبات صوتية أو سمعية بصرية عن المشتبه بهم عن طريق التقاط الصور وتسجيل الأصوات وتحديد المواقع. 1- تسجيل الأصوات ( المراقبة الصوتية ) من التقنيات المسطرية الخاصة التي استحدثها مشروع تعديل قانون المسطرة الجنائية في البحث والتحري أسلوب تسجيل الأصوات بمختلف أنواعها. وتتمثل المراقبة الصوتية هذه في وضع تجهيز (équipement) يسمح بالتقاط وتسجيل عن بعد المحادثات من أ ي نوع كانت في مكان معين. ويقصد بتسجيل الأصوات النقل المباشر والآلي للموجات الصوتية من مصادرها إلى شريط تسجيل يحفظ الإشارات الكهربائية على هيئة مخطط مغناطيسي، بحيث يمكن إعادة سماع الصوت والتعرف على مضمونه. والتسجيل الصوتي المتخذ كوسيلة للتحري عن الجرائم يشمل الكلام المتفوه به بصفة خاصة أو سرية من طرف شخص أو عدة أشخاص في أماكن خاصة أو عمومية. ونفهم من المادة 116-1 من مشروع القانون أن المقصود بتسجيل الأصوات هو : " وضع الترتيبات التقنية دون موافقة المعنيين، من أجل التقاط وتثبيت وبث وتسجيل العبارات المتفوه بها بصفة خاصة أو سرية من طرف شخص أو عدة أشخاص في أماكن أو وسائل نقل خاصة أو عمومية ". غير أن المشرع لم يكتف بالسماح للسلطات القضائية بتسجيل الأصوات، بل مكنها أيضا من إمكانية التقاط الصور أو هما معا ( تسجيل سمعي- بصري ) 2- التقاط الصور ( المراقبة البصرية ) من التقنيات المسطرية الخاصة الأخرى التي استحدثها مشروع تعديل قانون المسطرة الجنائية في البحث والتحري أسلوب التصوير بمختلف أنواعه. تعرف هذه العملية بأنها وضع أجهزة تصوير صغيرة الحجم وإخفاءها في أمكنة خاصة لالتقاط ( تثبيت ) صور تفيد في إجلاء الحقيقة وتسجيلها من أجل تقديمها كوسيلة في الإثبات. ونفهم من المادة 116-1 من مشروع القانون أن المقصود بالتقاط الصور وضع الترتيبات التقنية دون موافقة المعنيين من أجل " التقاط صور لشخص أو عدة أشخاص في مكان خاص أو عام و أخد نسخ منها أو حجزها ". 3- تحديد المواقع ( المراقبة المكانية ) ويقصد بها جميع التقنيات ( GPS / عنوان بروتوكول الإنترنت / ...) التي تستخدم في تحديد مواقع المشتبه فيهم ورصد تحركاتهم من خلال وضع رقاقة في سيارة أحدهم أو هاتفه النقال . لا بد من الإشارة في هذا الصدد أن تقنيات توفير الأدلة الصوتية والمرئية التي تنتج عن إجراءات التحري الخاصة تختلف عن تقنية كاميرا المراقبة ( التي تنتج هي كذلك وسائل إثبات صوتية وسمعية بصرية ) التي وضع لها المشرع في المغرب وغيره من البلدان إطارا قانونيا خاصا بها. كما تجب الإشارة كذلك إلى أن تقنيات التحري الخاصة هذه تتناقض مع الحماية الجنائية التي منحها المشرع من خلال الفصل 447-1 من مجموعة القانون الجنائي للمحادثات الخاصة والصور في الأماكن الخاصة. غير أن المشرع أدخل على هذا المبدأ استثناء يتجلى في جواز تسجيل المحادثات ( حتى عندما تكون سرية ) والتقاط الصور ( حتى عندما يتواجد صاحبها في مكان خاص )، و ذلك لدواعي البحث عن جرائم تمتاز بالخطورة و التعقيد. ثانيا – المحامي في مواجهة الترتيبات التقنية بعد أن قمنا بتقديم الترتيبات التقنية التي قد تلجا إليها السلطات القضائية في التحري عن بعض الجرائم المحددة على سبيل الحصر و منها الجرائم المنظمة والجرائم الإرهابية، سنتولى الآن التركيز على مدى تأثير هذه الإجراءات المسطرية الجديدة على المحامي في ما يتعلق بحماية حياته الخاصة والتزامه بكتمان السر المهني. أ- كتمان السر المهني في مواجهة الترتيبات التقنية قبل أن نتحدث عن إقرار مشروع تعديل قانون المسطرة الجنائية عدم مساس الترتيبات التقنية بالسر المهني للمحامي، سنتوقف على التزام هذا الأخير بالسر المهني. 1- التزام المحامي بكتمان السر المهني من المعلوم أن مهنة المحاماة تخضع لالتزام كتمان السر المهني الذي يفرضه القانون والقواعد الأخلاقية. فليس علينا في هذا المقام أن نذكر بأنه يتوجب على المحامي في جميع الأحوال أن يحافظ على أسرار موكليه. ويتجلى مبدأ حفظ السر المهني على وجه الخصوص في أن يكون بإمكان المحامي الاتصال بموكليه وحتى بزملائه والنقيب الذي يتبع له بكل سرية وأمان. هذا يعني أن السر المهني الملزم به المحامي يجعل أن المراسلات والمحادثات التي يجريها خاصة مع موكليه وزملائه يجب أن تبقى غير قابلة للانتهاك من قبل السلطات القضائية. وبالتالي، ليس على الترتيبات التقنية السابق تعريفها أن تمس بأي شكل من الأشكال بالسر المهني للمحامي. 2- عدم مساس الترتيبات التقنية بالسر المهني ( المادة 116-3-2 ) تفاديا للتعسف في استعمال هذه الإجراءات الخطيرة ( على ألفة الحياة الخاصة ) في التحري خاصة عندما يتعلق الأمر بمحامي، فإن المشرع ألزم في مثن ذات القانون رجال إنفاذ القانون بكتمان السر المهني ( لكل الفئات الملزمة به ومن بينهم المحامون ) أثناء مباشرة عمليات التحري الخاصة. حيث تنص المادة 116-3-2 أنه : " إذا تعلق الأمر بوضع الترتيبات التقنية المشار إليها أعلاه بأماكن معدة لاستعمال مهني يشغلها شخص يلزمه القانون بكتمان السر المهني ( وعلى رأسهم المحامي ) ، وجب اتخاذ جميع التدابير اللازمة لضمان احترام السر المهني ". فأثناء قيام السلطات القضائية بمهمة استعمال الوسائل الحديثة لالتقاط الصور وتسجيل الأصوات وتحديد المواقع، خاصة في الأماكن الخاصة والمتعلقة بأماكن العمل كمكاتب المحاماة ( أو التوثيق وغيرها من الأماكن والأشخاص الذين تخضع متابعتهم لإجراءات خاصة تتعلق باحترام السر المهني )، يتوجب مراعاة السر المهني وعدم المساس به. ب- وضع الترتيبات التقنية لتثبيت وسائل التنصت داخل مكاتب المحامين ( المادة 116-4 ) إذا كانت الفقرة الأولى من المادة 116-4 من مشروع تعديل قانون المسطرة الجنائية تمنع وضع الترتيبات التقنية لالتقاط الصور أو تسجيل الأصوات داخل مكاتب المحامين، فإن الفقرة الثانية منها تبيح ذلك. 1- المبدأ : منع وضع الترتيبات التقنية داخل مكاتب المحامين ( المادة 116-4-1 ) تمنع الفقرة الأولى من المادة 116-4 من مسودة مشروع تعديل قانون المسطرة الجنائية وضع الترتيبات التقنية داخل مكاتب المحامين أو بوسائل النقل الشخصية التي يستعملها المحامون ( أو القضاة ). حيث تنص هذه الفقرة على أنه : " يمنع وضع الترتيبات التقنية المشار إليها أعلاه بمكتب (...) محامي (...) أو بوسائل النقل الشخصية التي يستعملها المحامون ( أو القضاة ) تحت طائلة العقوبات المقررة في المادة 115أعلاه ". نفهم من هذه المادة أنه يعتبر فعلا مجرما ومعاقبا عليه كل وضع للترتيبات التقنية الخاصة بالتقاط الصور أو تسجيل الأصوات أو تحديد المواقع بمكاتب المحامين أو بوسائل النقل الشخصية التي يستعملها المحامون ( أو القضاة ) من أجل التقاط وتثبيت وبث وتسجيل الأصوات والصور وتحديد المواقع. هذا يعني أن المشرع المغربي نص صراحة على حصانة مكتب المحامي وعلى منع وضع الترتيبات التقنية لالتقاط وتسجيل الأصوات والصور وتحديد المواقع وبوسائل النقل الشخصية التي يستعملها المحامي ( أو القاضي ) تحت طائلة العقوبات المقررة قانونا ( المادة 116-3 و 116-4 ). 2- الاستثناء : ( المادة 116-4-2 ) غير أن المادة 116-4 في فقرتها الثانية أخرجت حالة وضع الترتيبات التقنية داخل مكتب المحامي أو وسيلة النقل الشخصية التي يستخدمها من أجل تثبيت وبث وتسجيل الأصوات والصور وتحديد المواقع داخل الأماكن المذكورة من حالة التجريم والعقاب. حيث تنص المادة المذكورة على أنه : " لا تطبق مقتضيات هذه المادة على الترتيبات التقنية التي يحملها شخص إذا ولج بكيفية شرعية إلى المحلات المذكورة في الفقرة الأولى أعلاه ( مكاتب المحامين ووسائل النقل الشخصية التي يستعملونها ) ". يخرج الفعل المذكور إذن من دائرة التجريم والعقاب فقط في الحالة التي يحمل فيها شخص ما ترتيبات تقنية ( كاميرا خفية / جهاز تسجيل الأصوات منتهي الصغر...) أثناء ولوجه بكيفية شرعية إلى الأماكن المذكورة وعلى رأسها مكاتب المحامين ووسائل النقل التي يستعملونها. وهو ما يعتبره البعض أمرا طبيعيا ومعقولا لإثبات حالات الابتزاز أو غيرها من الأفعال المخالفة للقانون التي قد تمارس داخل الأماكن المشار إليها. وبالتالي يمكن التنصت على المحامين من داخل مكاتبهم، وهو ما يعتبر خرقا خطيرا لحرمة هذه المكاتب التي هي في الواقع مكاتب لموكليهم ومجمع لأسرارهم. أهم من ذلك ، نلاحظ أن المشرع لم يشرح القصد من تعبير '' الولوج بكيفية شرعية '' إلى مكتب محامي مثلا. الشيء الذي يجعل التعبير فضفاضا لدرجة أنه يمكن لمن هب ودب النفاد إلى مكتب محامي من أجل انتهاك سرية حياته الخاصة التي ترتبط بها حقوق أشخاص آخرين ( حقوق الموكلين في ما يخص السر المهني ). لهذا السبب، أحيل المشرع المغربي والسادة المحامين إلى التجربة البلجيكية في هذا الشأن و التي وضعت حالات معينة لا يمكن في غيرها للسلطات القضائية وضع الترتيبات التقنية داخل مكاتب المحامين. ذلك أن الفقرة الثالثة من المادة 56 مكرر من قانون الإجراءات الجنائية البلجيكي وضعت نظاما لحماية الأماكن التي تستخدم لغايات مهنية ( مكاتب المحامين من بين هذه الأماكن ) أو مقر سكن بعض المهنيين ( من بينهم المحامون ) مشابه للنظام المتعلق بالتقاط الاتصالات السلكية واللاسلكية. هذا يعني أنه لا يمكن للسلطة القضائية وضع الترتيبات التقنية المشار إليها أعلاه إلا إذا كان المحامي نفسه مشتبه به في واحدة من الجرائم المنصوص عليها حصرا في القانون، أو أن وقائع القضية توحي أن المتهم أو المتهمون بارتكاب أحد هذه الجرائم يستخدم أو يستخدمون مكتب المحامي أو مقر سكناه. لذلك نطلب من المشرع المغربي أن يوضح النص أكثر وأن لا يتركه على إطلاقه ويحدد الحالات الإستثنائية التي يمكن فيها وضع الترتيبات التقنية في مكتب أو محل سكنى المحامي لمراقبة محادثاته وصوره وفقط عندما يتعلق الأمر بجرائم خطيرة. خاتمة : حتى لا تتحول إجراءات التحري الخاصة التي تستعمل تكنولوجيات التقاط الصور وتسجيل الأصوات وتحديد المواقع بطريقة سرية ( لأنها غير مرئية ) إلى وسائل للمراقبة الإلكترونية تستعمل في انتهاك حرمة الحياة الخاصة للمحامين وموكليهم، يتوجب على المحامين الضغط ( وأقصد الضغط القانوني من خلال المقالات والندوات والحجة والبرهان ) من أجل تجويد مقتضيات المواد من 116-1 إلى 116-10 من مشروع تعديل قانون المسطرة الجنائية. في هذا الإطار، نقترح الإسترشاد بالقانون البلجيكي الذي حدد حصرا الحالات التي من دونها لا يمكن للسلطة القضائية بأي حال من الأحوال الدخول إلى مكاتب المحامين من أجل وضع ترتيبات ( أجهزة ) المراقبة الإلكترونية صونا لألفة الحياة الخاصة للمحامي وحماية للسر المهني المؤتمن عليه والذي يعتبر من الشروط الأساسية للمحاكمة العادلة في البلدان الديمقراطية. المادة 116-4 المقترحة » يمنع وضع الترتيبات التقنية (...) لا تطبق مقتضيات الفقرة الأولى من هذه المادة في الحالات التالية : 1- إذا كان المحامي نفسه مشتبه في ارتكابه واحدة أو أكثر من الجرائم المنصوص عليها أعلاه، 2- إذا كانت وقائع القضية توحي أن المتهم أو المتهمون بارتكاب أحد هذه الجرائم يستخدم أو يستخدمون مكتب المحامي أو مقر سكناه. ولا يمكن في جميع الأحوال القيام بهكذا إجراء دون إعلام النقيب الذي يتوجب أن يحظر جميع مراحله «. مع كل الاحترام والتقدير للجميع *أستاذ التعليم العالي/ كلية الحقوق المحمدية *خبير/ مكون / مستشار في القانون الإلكتروني